زيارة وزير خارجية إيران لمصر واكبت توقيع المصالحة بين "فتح" و"حماس" وعلى إيران ضمان تنفيذ الاتفاق على الأرض كبادرة لحسن النوايا.. السبيل لعلاقات بين طهران والقاهرة بتغليب المصالح السياسية على التمذهب

الجمعة، 11 يناير 2013 10:56 ص
زيارة وزير خارجية إيران لمصر واكبت توقيع المصالحة بين "فتح" و"حماس" وعلى إيران ضمان تنفيذ الاتفاق على الأرض كبادرة لحسن النوايا.. السبيل لعلاقات بين طهران والقاهرة بتغليب المصالح السياسية على التمذهب جانب من الزيارة<br>
(أ.ش.أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فتحت زيارة وزير خارجية إيران على أكبر صالحى للقاهرة الباب واسعا أمام التكهنات والأطروحات المتباينة حول طبيعة العلاقات المصرية- الإيرانية، وسيناريوهات المستقبل بين الدولتين القطبين، ومجالات التعاون المنظور وآلياته، وحدود الدور الإيرانى الذى يتحرك تحت غطاء أيديولوجى يثير الكثير من المخاوف إقليميا ودوليا.

وإذا كان هناك من يرى أن هذا الاهتمام الملفت يبدو غريبا ويحتوى على قدر كبير من المبالغة، إلا أن قراءة متأنية لتفاصيل المشهد الحالى عربيا وإقليميا ودوليا يمكن أن تفسر كل هذا الاهتمام السياسى والإعلامى لبوادر التقارب المصرى- الإيرانى. فمصر وإيران دولتان ذات تأثير إقيلمى كبير، ولكل منهما أهدافه ورؤيته الخاصة لتحقيق مصالحه، وقد تتفق هذه الرؤى فى بعض زواياها وقد تختلف، وعلى هذا الأساس تتشكل تفاصيل كثيرة فى المشهد السياسى والأمنى للمنطقة بالكامل، وفقا لطبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين، خاصة خلال الفترة الحالية.

وفيما تتصدر المنطقة العربية المشهد كمحور للمشكلات فى العالم حاليا أكثر من أية منطقة أخرى، فإن أى تقارب أو تعاون بين القوتين الإقليميتين العظميين يمكن النظر إليه على أنه مقدمة لإعادة رسم أجزاء كبيرة من تفاصيل الواقع السياسى والأمنى والاقتصادى أيضا، سواء على صعيد الدولتين أو المنطقة.

كما أن مكانة مصر العربية والإسلامية والدولية وطبيعة دورها، الذى غاب بفعل التهميش المتعمد من جانب نظام مبارك، يمكن ألا يترك لأى لاعب إقليمى أو دولى أن يقوم بإدارة المنطقة بطريقته الخاصة، وهو ما يفرض إعادة تقييم إيران مثلا، وفق ما يمكن أن تقوم به لصالح المنطقة العربية، لا وفق المنظور الغربى الخالص، شريطة تحييد المنظور الأيديولوجى الذى يعرقل القبول الإيرانى مصريا وعربيا.

وبعيدا عن تعقيدات المشهد الدولى والإقليمى الذى يفرض نمطا تعسفيا فى إدارة العلاقات بين الدول الفاعلة بالمنطقة، فإن الوضع بالنسبة لمصر وإيران يمكن أن يكون مختلفا، بمعنى أن يقوم على أسس تضمن تقاربا قائما على احترام طبيعة الدور التاريخى لمصر، وموقعها بالنسبة لمحيطها العربى وعلاقاتها الدولية أيضا.

ويمكن القول إن تطوير العلاقات مع إيران سياسيا واقتصاديا لا يجب أبدا أن يخل بميزان العلاقات المصرية- العربية، أو حتى المصرية- الأمريكية، وإنما يكون عنصر توازن يضمن تحقيق رؤية مصر الداعمة لكافة القضايا العربية، بالإضافة إلى كونها دولة ذات خصوصية، وغير معنية بتقليص الدور الأمريكى لصالح قوى أخرى مثل روسيا أو الصين.

وإذا كانت زيارة وزير خارجية إيران لمصر قد واكبت التوقيع على اتفاق المصالحة التاريخى بين "فتح" و"حماس" بالقاهرة، فإن الضمانات الإيرانية لتنفيذ الاتفاق وترسيخه على الأرض حتى لا يتجمد مثل سابقه الذى رعته قطر، يمكن أن تكون نموذجا يحتذى كبادرة لحسن النوايا الإيرانية فى استخدام النفوذ لفرض أمر واقع يضمن حل الكثير من القضايا الشائكة، وتلك التى ظلت عالقة بسبب تباين الموقف الإيرانى مع الموقف المصرى الذى يعتبر واجهة للمواقف العربية ومعبرا عنها.

ومن هذا المنطلق، فإن الدور الإقليمى للبلدين، وما يستتبعه من نفوذ سياسى، يمكن أن يصب فى صالح إعادة ترتيب أوراق الكثير من القضايا العربية التى أخذت منعطفات غير مقبولة فى ظل الغياب المتزايد للدور المصرى الإقليمى إبان حكم النظام السابق، نتج عنه، إلى جانب العديد من العوامل، هيمنة إيرانية على مختلف الساحات السياسية العربية فى لبنان، فلسطين، الخليج العربى والعراق.

وليس ثمة شك فى أن إيران لها مشروع طموح جدا، إلا أن الكثير من المراقبين يؤكدون أنه غير قابل للتنفيذ، رغم المساعى الإيرانية التى استمرت منذ قيام ثورتها الإسلامية بقيادة الإمام الخومينى عام 1979، وهو ما وقفت فى وجهه كافة الدول العربية الرافضة لتصدير تلك الثورة، وما أحاط المشروع الإيرانى من اتهامات بمحاولات تفعيل استراتيجية "المد الشيعى" إلى تلك الدول وهى فى غالبيتها "سنية".

وعلى الرغم من أن المحاولات الإيرانية لإنجاز مشروعها الذى يمكن وصفه بـ"الإمبراطورى" قد أدت إلى اضطرابات شديدة فى المنطقة، كان يمكن أن تتحول إلى حروب أهلية، خاصة فى العراق وسوريا والبحرين، إلا أن هذه المخاوف تبددت إلى حد كبير؛ بسبب حكمة الشعوب العربية، بالإضافة إلى الحكام المستقرين الذين لم يسمحوا بنفاذ هذا المشروع إلى دولهم.

ويبدو من الإنصاف أن نعتمد فى هذا الإطار نموذج شيعة البحرين، فهم مواطنون خليجيون يدينون لحكومتهم بالولاء، رغم ما يجرى على الأرض من صراعات تشير أصابع الاتهام فيها إلى طهران، إلا أنه يمكن النظر إلى ما يجرى على أنه "تحرك مطلبى" يهدف إلى توفير حدود جيدة من الحريات والعدالة السياسية.

ويمكن فى هذا الإطار العودة إلى الاستفتاء الذى جرى أيام شاه إيران، والذى أثبت أن كل مواطنى البحرين شيعة وسنة أرادوا الاستقلال عن إيران، حتى إن السعودية رفضت عرضا بضم البحرين لها، حتى لا يقال إن لها أطماعا توسعية.

كما أن شيعة العراق تنبهوا إلى مخططات إيران فى نقل المرجعية الشيعية إلى حوزة "قم" بدلا من حوزة "النجف" العراقية، حتى يتجه جميع الشيعة إليها، فيما يرفض العراقيون وصف الشيعة والذين ينتمون لأحزاب شيعية بالعملاء لإيران، سواء كانوا فى الحكم أو فى المعارضة، ويعتبرون ذلك تصرفا خطيرا يتكرر، على الرغم من تبريره بأنه موجه فقط للطبقة الحاكمة الموصوفة بتلك العمالة.

ومع تحييد الأيديولوجيا وتغليب لغة المصالح التى تجيدها إيران، فإنه يمكن تحديد الملفات الخلافية التى تسببت مجتمعة فى حصر العلاقة بين إيران ومصر فى إطار التوتر والمنافسة، حتى يمكن أن تتلمس الطريق إلى حلول لها إذا أجادت مصر اللعب بورقة النفوذ الإيرانى وتغييره لصالح وجهة النظر التى تقبلها العقلية العربية.

وتأتى القضية السورية فى مقدمة الملفات العالقة التى تؤجج مشاعر العداء تجاه إيران، بسبب دعم طهران لنظام بشار الأسد، وإصرارها على بقاء آلة القمع الدموية مع إعلاء النبرة الطائفية المقيتة التى حولت سوريا إلى ساحة حرب أحرقت الأخضر واليابس.

كما أن إصرار طهران على بقاء بشار الأسد الذى ينتمى إلى الطائفة العلوية المحسوبة على "الشيعة"، مع استمرار نفس النهج فى التعامل مع الثوار السوريين وهم فى الغالب من "السنة"، ينذر بتحويل الصراع إلى حرب طائفية، وهو الأمر الذى يهدد بنقل الصراع بكافة أنماطه إلى دول أخرى.

وليس ثمة شك فى أن النفوذ الإيرانى "اللانهائى" فى سوريا يمكنه وضع نهاية لتلك المأساة، وهو ما يضمن عدم امتداد نيرانها إلى مناطق أخرى، إلا أن هذا الأمر لن يتم بدون ضمانات محددة لطهران لتعويض فقدانها حليفا استراتيجيا ومحطة متقدمة على خطوط المواجهة، وهو ما يتطلب إعادة ترتيب أوراق الملف السورى بعيدا عن الأيديولوجيا الطائفية.

وغير بعيد عن هذا الملف يأتى "عراق ما بعد صدام حسين" ليحتل مساحة كبيرة من مناطق الجدل المتعلقة بالنفوذ الإيرانى فى المنطقة، خاصة مع تجدد التجاذبات بين "السنة" و"الشيعة" بالعراق، على خلفية الإجراءات العقابية والممارسات التى تقوم بها حكومة نورى المالكى الموالية لإيران ضد السنة هناك، والتى تعتمد سياسة ممنهجة قائمة على التهميش والإقصاء وربما الإذلال فى كثير من الأحيان.

وإذا كان العراقيون قد تجاوزوا سنوات الفتنة، وما شهدته من جرائم بحق كل الطوائف بما فيها "الشيعة"، والتى تشير أصابع الاتهام فيها مباشرة إلى إيران وتنظيماتها المسلحة، والميليشيات الشيعية والمجموعات المسلحة السنية التى كانت تدعمها على حد سواء، إلا أن إيران مطالبة الآن باستخدام نفوذها لمنع تكرار المأساة العراقية التى أشعلتها نيران الفتنة الطائفية.

كما أن ملف العلاقات الإيرانية مع دول الخليج العربى، يجعل التقارب المصرى-الإيرانى رهينة لما يمكن أن تقدمه إيران على صعيد تسوية المشكلات خاصة بالنسبة للإمارات والبحرين، بالإضافة إلى إعادة صياغة دورها بما يتناسب مع المخاوف الخليجية من "المد الشيعى" ومحاولات التغلغل داخل المجتمعات الآمنة واللعب بورقة "الطائفية" بهدف إثارة أجواء الصراعات والشقاق بين أبناء تلك الدول.

وفيما تبرز الأوضاع السياسية الداخلية لكل من مصر وإيران، وما يدور على المسرح الإقليمى من تطورات، كعوامل ضاغطة فى اتجاه إعادة صياغة العلاقات بين البلدين، إلا أن وجود أيديولوجيات- فى معظمها متعارضة- خاصة فى ظل حالة ثورية كالتى تمر بها مصر يمكن أن تسهم فى توسيع الهوة بينهما، لكنها لن تصل مجددا إلى حد قطع العلاقات، رغم صعود الجناح المتشدد من التيار المحافظ فى إيران، وهو ما أضفى مزيدا من التعنت والتشدد على السياسة الخارجية الإيرانية.

ولعل ما يضمن الحرص الإيرانى على تطوير العلاقات مع مصر رغم القضايا الخلافية هو احتياجها الشديد لكسر الحصار الدولى المفروض عليها بسبب الملف النووى والسياسات الإيرانية المستهجنة إقليميا وعالميا، والتى فرضت على إيران عزلة سياسية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية القاسية.

فعلى الرغم من محاولات طهران التغلب على تلك العزلة الدولية من خلال التوجه صوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلا أن هذه السياسة لم تساعد إيران فى استعادة دورها المنشود، بل أدت أحيانا إلى حالة نفور من السلوك الإيرانى فى المنطقة، بسبب محاولات فرض النفوذ فى الدولة المرتبكة أمنيا وسياسيا، مثل العراق وسوريا ولبنان والسودان.

وفى حالة تطوير العلاقات الإيرانية مع مصر بما تمثله فى المحيط العربى، فإن هذا الامتداد المدعوم بنفوذ مصر العربى من الممكن أن يسهم فى إفشال السياسة الأمريكية الرامية إلى عزلها دوليا، خاصة إذا غيرت طهران من سياستها، وأسهمت فى تحسين صورتها الذهنية لدى الأطراف العربية.

كما تعول إيران على تأثير التطورات المصرية فى الأوضاع الداخلية للأنظمة العربية الأخرى، خاصة وأن الانفتاح السياسى فى مصر من شأنه أن يغير سياستها الخارجية والإقليمية، الأمر الذى يصب فى خانة إضعاف إسرائيل من خلال دعم الأطراف الفلسطينية، والذى بدا واضحا من خلال إنجاز اتفاق المصالحة بين فتح وحماس.

وتسعى إيران إلى الاستفادة مما يمكن أن تتيحه هذه العلاقة من مكاسب للطرفين، بل وللإقليم كله، نظرا لما يتمتع به البلدان من ثقل ديموجرافى واقتصادى، يمكن أن يتكاملا سياسيا واقتصاديا فى مواجهة الضغوط الغربية على دول الإقليم، وهو ما يفرض من وجهة النظر الإيرانية تعاطيا حقيقيا مع إمكانيات إيران التنموية التى اكتسبتها بسبب الحصار الاقتصادى الغربى، خاصة الأمريكى عليها خلال العقود الماضية وهو ما جعلها تعتمد على إمكانياتها الداخلية وتطور من اقتصادها خاصة فى مجالات الصناعة والتكنولوجيا.

وعلى الرغم من انخفاض معدلات التبادل التجارى بين مصر وإيران، إلا أن إيران تترقب بشغف النفاذ إلى السوق المصرية الكبيرة، ناهيك عن الاستفادة مما تنتجه مصر خاصة المنتجات الغذائية، والأدوية، ومستلزمات البناء، والمواد الكيماوية، والصناعات المعدنية والهندسية.

وعلى الرغم من المخاوف الخليجية "المشروعة" من التقارب المصرى- الإيرانى، إلا أن رصيد العلاقات التاريخية بين مصر والخليج، بالإضافة إلى المسئولية الأخلاقية لمصر "الشقيقة الكبرى"، يجعل من تطوير العلاقات مع إيران يصب بالأساس فى مصلحة العرب بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص.

ولعل ما يمكن طرحه هنا هو أن نظرة الغرب تجاه المشروع الإيرانى، تختلف عن نظرة العرب وخاصة مصر له، فالغرب يبحث عن حماية النفط، وضمان أمن إسرائيل، أما العرب فيجب أن يبحثوا عن حماية مقدراتهم ومكتسباتهما عند التعامل مع إيران، التى يجب أن تتعاون هى الأخرى مع العرب بعيدا من المذهب والأيديولوجيا، مع العمل على تخفيض سقف المخاوف من وجود مطامع تنتج قلاقل واضطرابات فى المنطقة.

وعند الحديث عن المخاوف التى يثيرها تصدير المذهب الشيعى ومحاولات نشره حتى يخدم تغلغل النفوذ الإيرانى سياسيا وأمنيا، فإنه يجب التذكير بأن الفزاعات المذهبية، كاثوليكية كانت أم بروتستانتية، كانت أهم الأسلحة فى اللعبة السياسية الأوروبية، كما هو الحال فى العالم الإسلامى اليوم، حيث يتم النفخ فى "الكير المذهبى" شيعيا كان أم سنيا عندما تتنازع المصالح السياسية.

كما أن المذهب الكاثوليكى، وهو المذهب الذى نشأ فى ظل السياسة، من بعد ذلك مسيطرا ومهيمنا على الحياة المسيحية الغربية، حتى أواخر القرن الخامس عشر الميلادى، عندما انشق الراهب الألمانى مارتن لوثروأسس المذهب البروتستانتى، وأدى هذا الانشقاق إلى حرب الثلاثين عاما المعروفة فى التاريخ الأوروبى الحديث، وإلى كافة الحروب والنزاعات المذهبية التى تلتها بين الكاثوليك والبروتستانت، حينها كانت الدول الكاثوليكية والبروتستانتية تستخدمان معا الفزاعات المذهبية فى أى نزاع سياسى ينشأ بينهما.

ويرى مراقبون أنه لا خلاص لإيران إذا أرادت النفاذ إلى العالم العربى وقلبه النابض مصر، إلا بتعظيم قيم المصالح السياسية على قيم التمذهب والأيديولوجيا وانتهازيتها، والابتعاد عن امتطاء ظهر المذهبية لتحقيق مآربها السياسية، فيما يمكن لمصر من خلال أرصدتها الجيوسياسية والتاريخية، أن تستخدم نفوذها المدعوم بالرغبة الإيرانية فى التقارب وتطوير العلاقات، لتضع السلوك الإيرانى على محك الثقة بما يفيد القضايا العربية، ويحقق الاستقرار المنشود استنادا إلى ظرف تاريخى ربما لن يأتى مرة أخرى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة