حينما تقرأ القرآن الكريم وتتدبر معانى كلمات رب العزة تجد نفسك أمام إعجاز إلهى ومرشد حقيقى للوصول للرخاء والتقدم، إذا طبقنا ما أشار الله به فى كتابه الكريم؛ فلقد استوقفتنى الآية الكريمة رقم “123” من سورة طه، حيث يقول الله تعالى فيها "﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاى فَلَا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾، فانشغل تفكيرى بكتابة مقالى الذى بين يديك عزيزى القارئ لتبيان واقع يعيشه معظم المواطنين ولا أبالغ حينما أقول كل المواطنين؛ ألا وهو الظلم الاقتصادى والذى يعنى ضياع الحقوق والمصالح، وهذا الظلم يعد من أشكال أكل أموال الناس بالباطل، فقلد شاع الظلم الاقتصادى بكل صوره المختلفة فى المعاملات المعاصرة، وطالت يداه كل من فى المجتمع سواء بشكل صريح أو بشكل ضمنى فالفقر، البطالة، السرقات والتعدى على المال العام، الاحكتار وجشع التجار، الاستثمارات الوهمية، الغش التجارى، عدم تكافؤ الفرص، المماطلة فى أداء الواجبات والالتزامات، سطوة المال على الكفاءات ونتيجة لذلك شيوع الرشوة والمحسوبية كوسيلة لإنجاز الأعمال.. وغيرها من أشكال الظلم الاقتصادى كانت بمثابة شرارة أدت إلى تفجير "القنابل الموقوتة" فى دول الربيع العربى ومنها مصر للقيام بثورات على هذا الظلم من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحياة الكريمة للشعوب الثائرة.
وعلى الرغم من أهمية الثورات فى إزاحة الظلم وجلب العدالة، إلا أنها تكون محفوفة بمخاطر الخروج عن مسارها ومن ثم الانهيار إذا تركت وحدها فى مرحلة التأسيس الاقتصادى السليم، خصوصا أن الخراب الاقتصادى الذى سبقها (أى الثورات) لم يترك مجالا لإصلاحه أو حتى لو ترك المجال فستعانى الدولة كثيرا للإصلاح الاقتصادى المنشود، فالثورات العربية بحاجة ماسة إلى ما يمكن تسميته "مارشال" الربيع العربى، وهذه الكلمة استخدمت من قبل عقب الحرب العالمية الثانية بهدف إعمار أوروبا والدول التى طالتها ذراع الحرب ودعنى عزيزى القارئ استخدم تلك الكلمة "مارشال" إذا ما سادت ثقافة التشاؤم والإحباط ومد طول فترة التحسين والتطوير، وإذا ما كنا ذوى نظرة تفاؤلية فحاجتنا إلى خطة مشابهة كتلك التى اعتمدت عليها الدول الغربية فى بداية التسعينيات من القرن العشرين لإعادة إعمار دول أوروبا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفيتى وسقوط سور برلين.
وعن وضع مصر كإحدى دول الربيع العربى قامت بثورة شعبية عظيمة حاولت الوصول إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، واسترجاع حق الدولة المصرية لمكانها الطبيعى، الذى يشهد عليه التاريخ من خلال كسر صنم الظلم الذى ظل لوقت طويل لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم مع من وقع عليهم الظلم، وبعد مرور قرابة العام والنصف على الانتفاضة الشعبية لتكتمل وتصبح ثورة بحق تقضى على الطالح بكل أنواعه فى المجتمع، فإن الحاجة تدعو إلى وجود رؤية موضوعية وواقعية لا تقبل ببرامج "الترقيع الاقتصادى" لأنها لن تكون مجدية خلال الفترة القادمة، خصوصا مع زيادة حدة الصراع بين مختلف التيارات السياسية المتناقضة أيديولوجيا؛ وهذا بالطبع سيشكل هوية ووجهة المعاملات الدولية لبرنامج الأغلبية، إذن الأمر يحتاج إلى خطط متكاملة ومتناغمة فى آن واحد مثل وجود مشاركة من جانب الدول القادرة على المساعدة وفق خطة مدروسة تسعى لتحقيق اقتصادات جادة وحقيقية توفر أعلى مستويات من التنمية، ومواكبة الحراك الاقتصادى العالمى.
إن الوسائل والأدوات التى يمكن من خلالها التوصل لاقتصادات قوية للدول المتحولة سياسيا غالبا ما تكون متعددة، وتأتى فى مقدمة هذه الوسائل ضرورة إعادة صياغة طبيعة المساعدات، التى كانت تتلقاها تلك الدول طوال عقود، وبالطبع التوجه السياسى يطغى على التوجه الاقتصادى جراء تلك المساعدات، أيضًا إعطاء الفرصة الحقيقية لتسويق المنتجات الوطنية بعدالة تسعيرية لا تقبل المزايدة عليها، وضرورة العمل على تشجيع الاستثمارات محلية وأجنبية من خلال تشريع يضمن سلامة الحقوق والالتزامات، هذا من شأنه خلق فرص العمل الحقيقية، التى تقضى على مشكلات مجتمعية خطيرة أهمها البطالة كأحد أهم الأمراض الاجتماعية والاقتصادية التى تنتقل عدواها إلى أنواع أخرى من أنواع الظلم الاقتصادى، وفق الله مصرنا العظيمة وسائر الدول الإسلامية والعربية إلى ما فيه الخير والرخاء.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة