تكونت جبهة «الإنقاذ الوطنى»، أحد أهم قوى المعارضة فى البلاد، كرد فعل للإعلان الدستورى الصادر فى 22 نوفمبر 2012م، متضمنة عددًا كبيرًا من الأحزاب والحركات ذات التوجهات الليبرالية واليسارية، علاوة على شخصيات عامة تتخذ من التوجهات ذاتها مرجعية لها.
وقبل قراءة ما اتخذته الجبهة من مواقف تجاة قضايا رئيسية فى تلك المرحلة الحرجة التى تمرّ بها مصر، علينا التسليم بأمرين، يتعلق الأول بمحمودية أن يكون فى الدولة جبهات أو أحزاب أو حركات معارضة جادة تقوِم اعوجاج السلطة القائمة، وتُعطى الجماهير فهمًا صادقًا وليس مزيفًا للأمور السياسية والاقتصادية الحاصلة، وأيضًا تقدم نفسها كبديل محتمل للسلطة القائمة، وذلك عبرّ الصناديق الانتخابية دون غيرها.
أما فيما يتعلق بالثانى، فإن انحراف المعارضة عن مسارها الطبيعى المتعارف عليه، قد ينزعها شرعيتها الشعبية، ومن ثمّ إتاحة الفرصة للسلطة بالانقضاض عليها إما بترويضها لتصبح أداة طيعة فى يدها، أو بتركها لعقاب الجماهير فى أقرب ممارسة ديمقراطية مباشرة (الانتخابات نموذجًا).
وقد سجلت جبهة الإنقاذ رغم حداثة تكوينها وتنوع اتجاهاتها حضورًا مؤثرًا فى الشارع السياسى المصرى، فهناك من أيد مواقفها ضد السلطة الحاكمة، وآخرون اعتبروها على حد قولهم جبهة (خراب مصر)، وأمام هذا وذاك يبقى أنها جعلت من نفسها رقمًا أساسيًا فى المعادلة السياسية المصرية الجديدة؛ إذ استطاعت التأثير على مؤسسة الرئاسة بشأن الإعلان الدستورى الموصوف من قبلهم بـ«الديكتاتورى».
وهنا يُعاب على الجبهة تبنيها فكرة رفض ما ورد من بنود بالإعلان جملة وتفصيلاً دون طرح بدائل للاستعاضة عنه، أو حتى تقديم تعديلات مقترحة لمادته الخلافية المتعلقة بتحصين جميع قرارات الرئيس السابقة واللاحقة، بخاصة أن ذلك الإعلان يراه البعض بأنه الخيار الأمثل للقضاء على التسييس داخل المؤسسة القضائية، التى أطاحت أحد أعمدتها بمؤسسات الدولة المنتخبة، ومن ثمّ عطَلت المسار الانتقالى.
ويبدو أن عدم طرح الجبهة بدائل أو مقترحات لتعديل الإعلان الدستورى، رغم أن ذلك هو السلوك القويم للمعارضة فى النظم الديمقراطية، يرجع إما لأن اعتراضها لم يكن بدافع حماية استقلالية القضاء كما روجوا وإنما لإسقاط المؤسسة الرئاسية المنتمية للتيار الإسلامى، واستغلوا ما فى الإعلان من مواد أقلقت السلطة القضائية لزيادة رقعة الاعتراض ومن ثمّ إعطاء تصور عام بأنها انتفاضة جديدة ضد الرئيس وسياساته، وهناك تصاريح لعدد من المنتمين للجبهة تصب فى ذلك الاتجاه، أو أن أعضائها يفتقرون فكريًا وعمليًا لعملية تقديم الأطروحات والبدائل وكذلك الحلول السياسية للجماهير والمؤسسة الرئاسية، وإن صحّ ذلك، تكون المشكلة أكبر لأنه يُضعف من فكرة كونها بديل محتمل للسلطة القائمة.
وبخلاف موقفها السابق من الإعلان الدستورى، يجىء رفضها أو بالأحرى قبولها المشروط للحوار الذى دعا إليه الرئيس ونائبه، حول أزمة الإعلان الدستورى والمواد الخلافية فى الدستور الجديد، صادمًا للكثيرين، بل وحاملاً لدلالات انحرافها عن مسارها الديمقراطى، وذلك رغم ما فى الحوار من إرساء للممارسة الديمقراطية وفوائد تعود بالإيجاب على جميع الأطراف لاسيما الوطن الذى يمرّ بأزمة اقتصادية تستوجب التكاتف بين الجميع لمواجهتها.
وربما يُفسر موقف الجبهة من الحوار، بأنه عدم ثقة بمؤسسة الرئاسة التى تنتمى فكريًا لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك فى ظل الانتقادات الموجهة إليها بأنها ذات مواقف متقلبة، ومن ثمّ فهم ينظرون للحوار وكأنه بلا جدوى ومجرد تحصيل حاصل، أو أنهم يرون فى قبول الحوار إضفاءً لشرعية ممارسات جماعة الإخوان المسلمين وكذلك مؤسسة الحكم، أو يُفسر على أنهم يريدون استمرارية الوضع متأزمًا لخلق رأى عام سلبى ضد الرئيس وسياساته.
وكذلك يأتى الموقف الأولى للجبهة من عملية الاستفتاء على الدستور الجديد، حيث محاولة تصديرهم لفكرة التزوير، والإذعان بعدم وجود إشراف قضائى كامل، وادعاءهم بمنع المسيحيين من الإدلاء بأصواتهم، محل استهجان الكثيرون، بخاصة بعدما أبانت اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء وغالبية المراقبين الحياديين عدم صحة روايات الجبهة فى الكم الأكبر من إدعاءاتها، الأمر الذى يؤكد بأن الجبهة وضعت نفسها فى خصومة مع السلطة الحاكمة وليست منافسة، علمًا بأن الجبهة أقرت فى النهاية بقانونية الاستفتاء وأعلنت سعيها لإسقاط الدستور عبر البرلمان المنتخب، وقررت المنافسة على جميع المقاعد، ومع ذلك، فإن منتميى الجبهة (التحالف الشعبى، المصرى الديمقراطى، الوفد، الناصرى، الدستور، التجمع، المصريين الأحرار، الكرامة، إلخ) يتصارعون على وضع مرشحيهم فى ترتيب متقدم للقوائم الانتخابية.
ورغم ما سبق، يبقى أن جبهة الإنقاذ الوطنى لبنة جيدة للمعارضة الليبرالية واليسارية فى مصر الجديدة، وأن وجودها صحى للحياة السياسية المصرية، ولكن تحتاج هذه اللبنة لكى تنمو وتتطور فى المرحلة المقبلة مزيدًا من العمل المؤسسى النابع من الإيمان بالمبادئ والأفكار، خاصة أن الكيانات المؤسسية ستقضى بلا شك على طموح الزعامة لدى البعض، والخلافات الناشبة من حين لآخر بين أعضائها، كما أنه يرسخ فكرة الانتماء لدى القواعد الجماهيرية؛ ولتحقيق الكيان المؤسسى هذا للجبهة تكون نظرية الانشطار إلى نصفين هى حسب تصورى الأنسب، وذلك بانشطار الجبهة إلى جبهتين واحدة ذات أيدلوجية ليبرالية تتخذ من الفكر الليبرالى منهجًا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والأخرى يسارية فى مجمل مناحيها، وذلك مع التنسيق بينهما، إذ يساعد ذلك على التقليل من حدة التباينات الداخلية بالجبهة، وفى حال القضايا المشتركة يكون العمل أكثر ديناميكية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل المحمدي
هذه جبهة الخراب
عدد الردود 0
بواسطة:
الكمالي
موافق
عدد الردود 0
بواسطة:
أيمن رشدي
تيجي ازاي؟