تعد زيارة الرئيس محمد مرسى إلى طهران- لحضور قمة عدم الانحياز - هى أول زيارة لرئيس مصرى منذ حوالى 33 عامًا وتحديدا منذ عام 1979 عندما قامت الثورة الإسلامية فى إيران، بقيادة الإمام الخومينى، وعندما قامت مصر بتوقيع اتقاقية السلام مع إسرائيل فى نفس العام، انقطعت بعدها العلاقات المصرية الإيرانية.
وأتصور أن هذه الزيارة– وبالرغم من كونها كانت زيارة بروتوكوليــة لتسليم رئاسة قمــة عدم الانحياز إلى إيـران- جاءت لكسر الجمود وإذابة الجليد بين البلدين، وتأكيد على استقلالية القرار المصرى فى عهد ما بعد ثورة 25 يناير خاصة أن كثيرًا من الدول الغربية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية كانت رافضة أو متحفظة على زيارة الرئيس مرسى إلى طهران، فاستطاع مرسى أن يفعلها برغم كل الضغوط المعلنة وغير المعلنة عليه لإثنائه على زيارة إيران.
خطاب الرئيس مرسى أمام القمة الدولية- التى تضم 120 دولة- هو بداية لرسم وتشكيل ملامح سياسة خارجية جديدة لمصر تقوم على أساس تحقيق المصلحة المصرية والانفتاح على جميع دول العالم دون تبعية ولا عداء لأى دولة، ودون التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة.
الخطاب فى مجمله جاء متوازنا تناول فيه كل القضايا الدولية الشائكة، بدأه الرئيس بالصلاة على النبى (عليه الصلاة والسلام) وعلى الصحابة الكرام (أبوبكر وعمر وعثمان وعلى) ليؤكد عدم وجود تعارض بين المذهبين السنى والشيعى، وأراد أن يرسل هذه الرسالة من قلب إيران معقل المذهب الشيعى فى العالم.
فتح الرئيس النار على النظام السورى، الذى يرتكب كل يوم مذابح دموية ضد الأبرياء، وتأكيده على أن نزيف الدم السورى فى رقابنا، وأنه لن يتوقف بغير تدخل فاعل من جميع الأطراف، وأن نظام بشار الأسد هو نظام فاقد للشرعية، وعلى ضرورة دعم الشعب السورى فى محنته، والانتقال السلمى للسلطة والتحضير لسوريا جديدة، يبرهن أن مصر أصبحت طرفا فاعلا فى الأزمة السورية، وأن دورها سيزداد قوة فى المرحلة المقبلة لدعم الشعب السورى وتخليصه من قبضة نظام بشار الأسد الغاشم.
وبهذه الكلمات أيضًا أراد الرئيس مرسى أن يوجه رسالة غير مباشرة إلى النظام الإيرانى- المستمر فى دعمه للنظام السورى، والمعتبر أن ما يحدث فى سوريا هو شأن داخلى لا يحق لأى دولة التدخل فيه– بأن نظام الأسد سيسقط لا محالة وباتت فرصه فى البقاء معدومة، وأن دعمه له هو دعم للقمع والظلم والاستبداد ضد الحرية والعدل والديمقراطية.
إشارة الرئيس مرسى إلى بدايات نشأة حركة عدم الانحياز، وأنها جاءت بمشاركة فاعلة من مصر تعبر عن الشعب المصرى وتعكس رغباته آنذاك، وإشادته بالرئيس جمال عبد الناصر، معتبرا أنه عبر عن إرادة كسر الهيمنة الأمريكية، هو إنصاف تاريخى للزعيم الخالد، ورسالة تصالحية مع ثورة يوليو، التى كانت على خلاف وعداء مع الإخوان المسلمين.
إشارته أيضًا إلى حق إيران فى الاستخدام السلمى للتكنولوجيا النووية، وعلى حق الدول الأفريقية فى الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن الدولى هو تأكيد لحق الدول النامية فى أن تكون جزءاً من عملية التنمية، وشريكا فى اتخاذ القرار الدولى، وليست مجرد تابع للدول الكبرى، وأن مستقبل هذه الدول ومصيرها فى أيديها وأيدى حكامها وشعوبها وليس فى أيدى القوى الكبرى فى العالم تتحكم فيها كيفما تشاء.
إن مصر قادمة وبقوة لاستعادة دورها الإقليمى، الذى فقدته منذ سنوات، ومرت خلاله بمرحلة من الغيبوبة السياسية نتيجة للسياسات الخارجية التى اتبعها النظام السابق، والتى اتسمت بالتخبط والارتجالية والعشوائية، وكانت لا تعدو أن تكون ردود أفعال للأحداث ولا تعالج بأسلوب علمى بعد دراسة متأنية لجميع جوانب وأبعاد الموضوعات والقضايا، بالإضافة إلى التبعية للسياسة الخارجية الأمريكية، وتنفيذ أهدافها فى المنطقة.
فقد خرجت مصر أخيرًا من حظيرة التبعية إلى فضاء الاستقلال، والفضل يرجع بعد الله إلى ثورة 25 يناير المجيدة، التى لولاها لظلت مصر قزمًا سياسيًا بين الكبار.
الدكتور محمد مرسى