محسن الطوخى يكتب: أمية المثقفين

الجمعة، 07 سبتمبر 2012 08:08 م
محسن الطوخى يكتب: أمية المثقفين طبيب أسنان - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جلست السيدة على مقعد الأسنان فى العيادة، فغرت فاها وهى تغمض عينيها اللتين أعشاهما المصباح المسلط، مال الطبيب الشاب عليها، وهم بوضع أصابعه، لكنها أطبقت فمها، ونحت وجهها جانباً، سأل الطبيب: فيه إيه ياست؟، قالت السيدة بحرج: رأيتك تضع نفس القفاز فى فم المريض السابق، دمعت عينا السيدة الرقيقة، وهى تروى لى تفاصيل ثورة الطبيب، والألفاظ النابية، والخادشة للحياء، التى تناثرت من فمه، انتهاء بمغادرتها غرفة الكشف دون تلقى الخدمة الطبية.

استدعت الحكاية مجموعة من صور القصور المعرفى والسلوكى فى مجال من أهم المجالات، التى ترتبط بصحة المواطن، وتتعامل بشكل مباشر مع الجسد الإنسانى متخطية سطح البشرة، وهى عيادات الأسنان، وغرف استقبال الطوارئ، حيث يتعامل الطبيب فى الأولى مع فم المريض، المدخل الطبيعى لكافة الشرور الطبيعية والصناعية، التى تفتك بصحة الإنسان، ويتعامل فى الثانية بشكل مباشر مع مجرى الدم، عن طريق غرس الإبر اللازمة لإمدادة بالمحاليل أو الدماء.

ولا يستطيع المرء أن يتصور جهل الطبيب بأبسط قواعد الصحة العامة، والوقاية، لكنه الاستهتار، وانعدام الضمير، أو ما أسميه؛ أمية المثقف، إذ إن الثقافة ليست فى كمية العلم الذى يحصله الإنسان، ولا فى كثرة المعارف التى يحيط بها، إنما أتصورها بمثابة آلية الإدراك التى تمكن الإنسان من تطوير معارفه واستغلالها لخدمة الارتقاء بالنوع، ولا أتصور أن السقوط المعرفى فى مجال الممارسة الطبية ناتج عن جهل الأطباء، وإنما عن تخلف البعض منهم، حيث اكتسبوا العلم، وافتقدوا التحضر والإحساس بقيمة البشر.

إعداد الطبيب لا يبدأ من التحاقه بكلية الطب، إنما يبدأ من النشأة فى البيت والمدرسة، ويؤَسَس على الاختيار السليم للنماذج البشرية المؤهلة تربويًا لدراسة الطب باعتباره رسالة.
عندما أقارن بين أسلوب اختيار دارسى الطب اعتمادا على مايحصلون عليه من درجات فى امتحان الثانوية العامة، وبين الفرز والفحص الدقيقين، والمبنيين على قياسات صحية، ونفسية، واجتماعية، للمتقدمين للالتحاق بالكليات العسكرية، فإنى أتساءل، هل الدفاع عن حدود الوطن أكثر قيمة وأهمية من الدفاع عن صحة الإنسان؟ الإجابة بالتأكيد هى النفى، فالوطن والإنسان هما وجها العملة للكيان الذى نسميه، مصر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة