على رمضان يكتب: الفتوة.. واتحاد أحزاب النخبة‎

الجمعة، 07 سبتمبر 2012 06:21 م
على رمضان يكتب: الفتوة.. واتحاد أحزاب النخبة‎ نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فلتسمحوا لى أيها السادة أن أصحبكم إلى إحدى حارات نجيب محفوظ فى مصر المحروسة، المبتكرة المبتدعة لكل ماهو جديد، ونستدعى إلينا هذا المشهد، فقد فاض الكيل بنخبة رجال الحارة وضاقوا ذرعاً بما يقوم به فتوة الحارة من سطوة وجبروت غاشم، وفرضه الإتاوات على أهل الحارة، والأدهى من ذلك مروره بهم صباح مساء دون أن يكلف نفسه عناء إلقاء التحية عليهم، وهم مجتمعون إلى مائدتهم بالقهوة، فقد قررت النخبة أمرًا عاجلاً يقفون به حائط صد أمام سطوة الفتوة، وهو اتحادهم جميعًا وانصهارهم وتكاتفهم فيصبحون قوة مماثلة لقوة الفتوة، فيحدثونه ويخاطبونه ويتعاملون معه كرجل واحد، فتتساوى القوتان.

ونعود من المشهد الذى ربما كان منطقيًا لدى أهل حارة محفوظ، حيث تتحد النخبة ضد فتوة الحارة لتصارعه على البقاء، تمامًا مثلما تتآلف بعض المخلوقات وتتوحد لتواجه قسوة ظواهر الكون وتغييراتها.

ولكن الشىء غير المنطقى، والذى يثير فى النفس دهشة وتعجبًا هو اجتماع نخبة مصر الآن وأحزابها المتباينة لتكوين حزب مشترك يلغى أسماءها العديدة ليحمل اسمًا واحدًا يقوده مجلس رئاسى، لمواجهة قوة الحزب الحاكم الآن وهو حزب الإخوان، وهذه هى آخر ابتكارات وصيحات ورومانسيات العمل السياسى فى مصر.

فإذا مرت السنون وجاء للحكم حزب جديد، واتحد الإخوان مع أحزاب أخرى ضد الحزب الحاكم، فهل نكون بذلك قد حققنا الهدف الديمقراطى، الذى نسعى إليه؟ أم أننا نكون قد نصبنا سيرك الاحتواء والإقصاء، الذى لا نهاية ولا حدود لألعابه البهلوانية، وأين موقع إصلاح الأمة من هذه السطحيات؟

ولن أسأل عن برامجها، فهى برامج مكتوبة ومنقولة وسهل صياغتها واقتباسها، ولكن أوجه تساؤلات بطعم المرارة والحسرة والاندهاش: هل نجحت هذه الأحزاب الوليدة فى تكوين أسس ومبادئ مدروسة ورؤى وتصورات ومسارات ومحددات وأدوات تعتمد عليها؟

وأين القواعد الجماهيرية والمرتكزات والتأثيرات الاجتماعية لها والتى نجحت فى شهور فى استقطابها وإرشادها وتعليمها وتوعيتها؟

أين الكوادر الطليعية والشبابية لها؟ وما ثقافة هذه الأحزاب التنظيمية واستراتيجية التطور الاجتماعى له؟ وهل لهذه الأحزاب أدبياتها وكتاباتها وشروحاتها؟

وهل نجحت إلا فى اختيار اسم منمق لها وشعار مرسوم على أوراقها وتنظيم مظاهرات أسبوعية هدمت اقتصاد البلاد؟ وهل يمثل كل حزب إلا شخصا واحدا يجلس أمام الكاميرات ويصدر التويتات الحكيمة العبقرية؟

ما الذى زاد من وعى الشعب إن كان الحزب اسمه مثلا: حزب مصر النظيفة أوحزب مصر الحرية أوغير ذلك من أسماء مبتدعة لا أساس لها إلا الوجاهة ولفت الأنظار؟

وهل استطاعت الجماهير معرفة الفارق بين حزب وآخر لتقارن بينهما وتنضم إلى أحدهما لتمارس معه العمل السياسى؟ أم أن اختيار الحزب يعتمد على الإعجاب بمؤسسه، الذى يتزعمه تلقائيًا والتعلق بشكله وأناقته ليصبح العمل الحزبى تمامًا مثل المريد وأتباعه من الصوفية؟

قد يكون التآلف ممكنًا فى حارة محفوظ حيث تتساوى الثقافات والأيديولوجيات وينحصر جهاد الشخصيات فى مقاومة ومصارعة بدنية وجسدية ولفظية لطغيان الفرد، وهو الفتوة فهل تتنازل أحزابنا عن خضوعها للأسس الديمقراطية، التى يفرضها عليها الدستور لتمارس مصارعة أهل الحارة؟

وقد يكون التآلف ممكنًا لو توحدت عقائدها مثلما فى تآلف حزب الإتحاد الديمقراطى المسيحى فى ألمانيا الذى تنتمى إليه أحزاب الإتحاد المسيحى، والتى تنتمى بدورها لعائلة الأحزاب الأوروبية المسيحية، فكيف بالله عليك يكون التآلف بين أحزاب رؤوسها مختلفة الأيديولوجيات والعقائد والتوجهات.

كيف يجتمع مثلا حزب ليبرالى ينادى بالمساواة بين الأغلبية والأقليات مع ديمقراطى يؤمن بتغليب رأى الأغلبية، أو يجتمع حزب اشتراكى ينادى بتقليص الفروق بين الطبقات وبتأميم وسائل الإنتاج وحزب ليبرالى كلاسيكى يؤمن بالرأسمالية التى هى أساس الاحتكار وخادمة أصحاب رؤوس الأموال؟!
الواقع يقول إن هذه الأحزاب ليست إلا أفرادا نصبوا أنفسهم زعماءا وآخرون اختاروا حزبهم إما بعشوائية وإما نكاية فى أحزاب أخرى يرونها مضادة لرغباتهم ويعادونها بشدة كالأخوان والسلفيين، وقد سجلوا أسماءهم بعفوية ورغبة كأعضاء فى حزب هنا أو آخر هناك لتحقيق حياة ديمقراطية لم يطلهم –للأسف – أى توعية حزبية عن ماهية هذه الحياة الديمقراطية والممارسة الحزبية وهذه هى الخسارة الفادحة،فاهتمام زعماء الأحزاب فقط بالفوز بالسلطة على حساب وعى أعضاء أحزابهم يعود بنا – ولكن بطريق آخر ملتوٍ – لحكم الفرد وتغييب الوعى الجماهيرى.

والواجب على الدولة توجيه هذه الأحزاب ولفت أنظارها لتعمل فى ارض الواقع ولا تنظر الدولة لها نظر المتفرج لتفريغها من مضمونها فقد كفى الشباب المصرى التغييب المتعمد عن الحياة طوال عصور الظلم والاستبداد، وحق له الآن أن يتعلم جيدا كيف يمارس الحياة السياسية الصحيحة والصحية الخالية من أمراض الـ"أنا"، لئلا يصير هؤلاء الشباب إلى ماصار إليه من سبقهم ومارسوا السياسة بمبدأ : أنا ومن بعدى الطوفان.

أما اتحاد أحزاب لمواجهة حزب من الأحزاب، فهو قصور وضعف منها وانحراف عن غاية تكوين الأحزاب الأساسية وهى بناء الوعى السياسى للشعب وهذه مراهقة سياسية يمارسها من همهم الأول تحقيق أى فوزانتخابى والسلام .
أم أن شتاء انتخابات البرلمان القارس قد أزف ليحاول من يشعرون ببرد الوحدة التآلف والتكور معا ليتدثروا بغطاء واحد يحميهم من عواصف الإخوان والسلفيين، فإذا ما أرسلت الشمس أول أشعتها وأحس كل منهم بقليل من الدفء، نزع الغطاء عنه وتململ ورفس أخاه ليخرجه مطرودا من تحت الغطاء الوثير؟
ولتثبت النخبة مرارا وتكرارا، ومرة بعد أخرى، أنها ليست النخبة التى تسكن أحلام مصر والمصريين.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة