من المعروف أنه فى حياة البشر مجالات متعددة تتجمع حتى تكتمل، ومن خلالها تتبلور حياة الشعوب، فمنذ أن خُلق الإنسان وهو يبحث وينقب كيف يبنى بناية قوية يحتمى داخلها، وأقصد بالبناية الجوانب التى تدار من خلالها المعايشة بين الناس، والشعب، والشعوب فى مختلف البلدان ودول العالم، منها الحياة الاجتماعية فى صورها المختلفة، والموقع الجغرافى وطبيعته ومصادره، حتى يستمد الجانب الاقتصادى مركز المعاملات المادية من تجارة وصناعة وزراعة، ولكنَّ هناك جانبًا بارزًا، وهو السياسى، كجانب لإدارة الأوطان والشعوب من الذين يعرفون ومتمرسون فى فنه وهندسته، وهو ما تبحث عنه وتسارع إليه قوى ودول، وقد تصل لحد التصارع والحروب والقتل، حتى لو وصل الأمر إلى توظيف المعتقد والأديان للوصول إلى كراسى ومناصب السياسة، لأنها تعد هندسة شاملة كل أنواع المهندسين السياسيين (مدنى، معمارى، إنشائى، تخطيطى، تنفيذى، استشارى فنى، إدارى، ديكورست... إلخ). فإن البناية لا تنشأ بدونهم، ولكن لا تكون قوية وثابتة إلا إذا توافرت فيها شروط ومعايير هندسية: خطوط وعلامات ومصطلحات علمية ومصادر تمويل. وكبير القائمين لديه حس ووعى وخبرة واسعة، يمتلك الحكمة والشدة والمرونة والصلابة لإدارة العمل، فبناء وطن يعيش فيه شعب مختلف الطبقات والألوان والأجناس والمعتقدات والأديان والأعراق والأذواق والفنون، وفيه الكبير والصغير، الحضر والريف، المتعلم والأمى، المثقف وغير المثقف.. لا يعتمد على حسابات التواكل، لأن الإنسان ميزه الله بالعقل، ولا للمجاملات والخواطر وإرضاء أى أحد، حتى أسرته وأهله وكل عشيرته، ولا لأى انتماء حزبى أو جماعى له، حتى لا يحدث انهيار للبناية لمجرد ريح أو عاصفة من أى اتجاه، وخاصة إذا كانت تتصاعد من كل الاتجاهات حدة عواصف التفرقة والتدمير باللعب على أوتار الأديان والمعتقدات، بسقوط شعاع من مرآة خادعة من دول عظمى وصهيونية وأخرى تريد مصالح لها على حساب مصر، وفى هذه المرحلة الدقيقة تغذى الجو السياسى الملبد بالغيوم بطريقة "فَرِّقْ تَسُدْ"، وتقوى وتسَمِّن فريقًا على حساب فرق أخرى، وهى تعكس صورة رسم للبناية عملاقة جميلة الشكل جذابة الألوان ذات بريق لامع، أما مضمونها ومتانتها فقد تكون خفية على الكثير من عامة الشعب؛ لأنهم مُتعذَّرٌ عليهم فهم هندسة السياسة التى تحسب بمعايير حسابية وخطوط معينة ومساقط وأبعاد دقيقة، ويرى من هم فى عالم هندسة السياسة الحقيقية البناءة والمعمرة - التى يكون لها عمر افتراضى طويل المدى حتى يحدث تعمير واستقرار وأمن وأمان وسلام ويعم الرخاء - أن ما يحدث ما هو إلا مبنى "ساعة الحظ" أو بناية "عَيِّشنِى اليوم ومَوتنى غدًا" وكأنه ليس هناك أحفاد وأجيال قادمة قد تجد نفسها بلا مبنى ولا سند، لأن آباءهم بنوا بسياستهم المصلحية على بحر رمال متحركة، فسقط وانجرف ببطنه ما بُنى، لذا لابد من تكاتف كل المجتمع دون استحواذ مجموعة على الآخرين وفرض تصوراتها لمصر الجديدة على الكل؛ لأن الجميع تجمعهم مبادئ وقيم وأخلاق تعمل على تماسكهم بالسماحة والمحبة الفائقة، ولكن يحتاجون لمقومات الحرية والمواطنة والعدالة والعيش الكريم، فالكل سواسية، والنهضة الحقيقية هى فى اختيار موقع وكيفية التأسيس الجيد للبناء ليرتفع حتى يتحمل الريح والصواعق المدمرة للبناء.. الكل أمام دستور عادل، وحاكم وحكومةُ موظفين لدى الشعب، حتى ينام المرء ليله تراوده السعادة الأمان.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة