إيران تشعل ورقة الطائفية بسوريا لإنقاذ حليفها التاريخى.. والوضع يتنافى مع كل معطيات التاريخ ويؤكد سقوط بشار ومشروع إيران.. والقوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها مصر تضغط بشدة على الأسد دون جدوى

الجمعة، 07 سبتمبر 2012 03:47 م
إيران تشعل ورقة الطائفية بسوريا لإنقاذ حليفها التاريخى.. والوضع يتنافى مع كل معطيات التاريخ ويؤكد سقوط بشار ومشروع إيران.. والقوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها مصر تضغط بشدة على الأسد دون جدوى مجازر بشار - صورة أرشيفية
(أ.ش.أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فيما تحاول القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها مصر الضغط بشدة على النظام السورى، لإيقاف أعمال القمع والجرائم التى ترتكبها قواته ضد الشعب المطالب بإسقاطه، تقف إيران على النقيض تماما مدعومة بموقف روسى- صينى متشدد يطيل عمر المأساة ولا يقبل إلا بحلول تكرس بقاء بشار الأسد لعدم اتضاح معالم بدائله المفترضة، الأمر الذى يثير تساؤلات المراقبين.

ورغم الاعتقاد السائد بأن وقوف طهران إلى جانب بشار الأسد هو نوع واضح من الاصطفاف الطائفى، ذلك أن نظام الحكم العلوى فى سوريا، هو جزء من نظام الحكم الشيعى فى الجمهورية الإسلامية، إلا أنه يتجاوز الحدود السورية إلى ما هو أبعد من ذلك، وربما يصل إلى حد إحراق المنطقة بالكامل انطلاقا من إشعال ورقة الطائفية السورية.

وأعادت تصريحات نقلتها وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء عن حسين طائب، رئيس دائرة استخبارات الحرس الثورى الإيرانى، أكد فيها أن بلاده مسئولة عن "دعم حكومة الرئيس بشار الأسد، وعدم السماح بكسر خط المقاومة " الحديث عن المصلحة الإيرانية القوية فى بقاء الأسد إلى الواجهة.

كما أثارت التقارير التى تناقلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية عن وجود مقاتلين من الحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، بالإضافة إلى مقاتلين من ميليشيات شيعية عراقية، الكثير من التساؤلات عن حدود استمرار طهران فى دعم نظام بشار الأسد باعتباره حليفا لا بديل عنه ضمن المشروع الإيرانى لدرجة أن إنقاذه يعد هدفا يستحق أن تساهم فى زعزعة منطقتى الشرق الأوسط والخليج العربى بالكامل وتسييل استثماراتها السياسية الإقليمية من أجله، حتى تحافظ على التوازنات الإقليمية والدولية التى تبقيها لاعبا رئيسا فى المنطقة والعالم.

ولعل المتتبع لمنحنى صعود العلاقات بين دمشق وطهران منذ نشوئها إبان حكم حافظ الأسد الذى ينتمى إلى الطائفة العلوية، واستقرار الأمور لنظام الحكم الشيعى الثيوقراطى– الثيوقراطية تعنى حكومة الكهنوت الدينى أو التى يسيطر على رجالها الفكر الكهنوتى وهو مصطلح يونانى يعنى حكم الآلهة أو الدولة الدينية، ويعبر عن نظام حكم الذى يستمد شرعيته وسلطاته مباشرة من الإله أو الكتاب الدينى، وتتكون الطبقة الحاكمة فيه من الكهنة ورجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم موجهين عن طريق الإله وينفذون شرائع وتعاليم دينية - فى إيران عام 1979 يمكنه أن يدرك بوضوح أن سوريا تعد منطقة نفوذ لإيران، وكذلك لبنان، وهى أوراق يحاول النظام الإيرانى من خلالها، الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، بالإضافة إلى استخدام تلك الأوراق ضد منافسيه الإقليميين، مثل تركيا والسعودية، حيث بدأت العلاقات القائمة على أساس طائفى فى منحاها التصاعدى عندما دخل جناح البعث العراقى على خط النزاع مع البعث السورى وانتهت المواجهة بين الجناحين بحفلة إعدامات لقيادة العراق القطرية والقومية وهروب عدد من قيادات جناح البعث السورى إلى العراق مع استقرار الأمور لصدام حسين فى حكم العراق عام 1979.

وزادت الفجوة بين بغداد ودمشق قبل فترة قليلة من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية فى الرابع من سبتمبر عام 1980 عندما احتلت إيران عددا من النقاط الحدودية العراقية ووقف نظام حافظ الأسد فى صف إيران بكل قوة، حيث أغلق حدوده مع العراق وقطع العلاقات ومنع تدفق النفط العراقى عبر ميناء طرطوس فى محاولة لإضعاف قدرة بغداد الاقتصادية.

كما قدم الأسد الأب دعما غير محدود لوجستيا وعسكريا وسياسيا لإيران وهو ما أدى إلى فتور علاقات دمشق مع دول الخليج العربى التى كانت تدعم العراق فى ذلك الوقت وتوقفت المساعدات الخليجية لسوريا.

ومع تدعيم العلاقات مع الدولة الشيعية الأكبر واستخدام كافة الوسائل لتقوية الطائفة العلوية تمكن حافظ الأسد من ربط دمشق بطهران خاصة بعد تصعيد الكوادر العلوية وسيطرتها على كل مفاصل الدولة السورية، فيما تمكن حافظ الأسد من تمديد الصيغة الطائفية إلى لبنان من خلال تقوية الأطراف الشيعية ودعم الأقليات العلوية فى منطقة جبل محسن التى ارتكبت مجازر ضد السنة أشهرها مجزرتى باب التبانة عامى 1985 و1986.

وقام الأسد ببناء 17 جهازا أمنيا كان القائمون عليها من العلويين أو الموالين لهم من الطوائف الأخرى وحصر الترقيات العليا بالجيش والأمن فى الضباط العلويين، حيث لم يكن الضباط السنة يحصلون على رتبة أكثر من عميد، وحتى لو تمت ترقيتهم إلى لواء يحالون إلى أعمال إدارية بعيدة مفاصل القوة بالجيش السورى.

وكان قادة الفرق والألوية من العلويين وهنا يمكن للمتابع لحركة الانشقاقات فى الجيش السورى أن يدرك مدى انخفاض رتب الضباط المنشقين، وهم من السنة الذين عمل نظام الأسد سواء فى عهد حافظ أو بشار على إبقائهم بعيدا عن مراكز القيادة، فيما أبقى حافظ الأسد على شخصية سنية موالية له فى الواجهة وهو مصطفى طلاس وزير الدفاع الذى أجرى تفاهما معه حول نسبة الضباط السنة بالجيش، وكان أغلبهم من أقاربه فى منطقة الرستن فى محافظة حمص وهو ما يفسر وجود أسماء كثيرة من المنشقين مؤخرا عن الجيش السورى والانضمام للثورة من آل طلاس وأصهارهم من عائلة فرزات.

وكما كان طلاس اليد السنية التى تبطش، كان هو من يوقع قرارات الإعدام الميدانية حتى يخفى الأسد طائفيته، وذلك رغم مخالفة هذا للدستور الذى ينص على وجوب توقيع الرئيس على قرارات الإعدام بنفسه.

وبعد وفاة الأسد الأب سار ابنه بشار على نفس المنهج فى تقديم الامتيازات للطائفة العلوية وتدعيم العلاقات مع طهران التى تحول إلى مجرد تابع لها، حيث بدأت حركات التشيع التى يقودها عدد من رجال الدين العراقيين والإيرانيين فى الانتشار خاصة فى الأوساط الفقيرة بمناطق درعا وشرق سوريا.

وكانت حركات التشييع بدأها جميل شقيق حافظ الأسد فى ثمانينيات القرن الماضى عندما أسس جمعية "المرتضى" وهدفها الأساسى تشييع أهل السنة فى سوريا، رغم أن لفظ " الشيعة "لم يكن معروفا فى سوريا مع وجود بعض الأسر الشيعية التى سكنت حى الأمين فى دمشق ومنها أسرة اللحام والنودى وكريم والمرتضى وهى عائلات كانت الدولة العثمانية جمعتها حيث تلقوا تعليمهم فى مدرسة المحسنية، كما توجد بعض القرى القريبة من حمص وحماه يطلق على أهلها من الشيعة لقب "المتاولة"، إلا أن امتداد النفوذ الايرانى فى سوريا ساهم فى بناء ما يعرف بمقام "السيدة زينب" فى تلك القرية السنية والتى سكنها العراقيون الذين جردهم صدام من الجنسية وطردهم قبيل الحرب مع إيران، حتى أن التليفزيون السورى شهد سابقة غير معهودة عندما ظهر معمم شيعى يدعى عبد الحميد المهاجر ليقدم برنامج "حديث الجمعة" الذى كان يكرسه للحديث عن فضائل أهل البيت على نمط البرامج الدينية الشيعية وذلك لاستقطاب أهل السنة بطريقة عاطفية.

واستوعبت دمشق كل فصائل المعارضة العراقية التى فرت بعد الحرب العراقية الإيرانية وخاصة عناصر حزب الدعوة الذين عادوا فيما بعد كحكام للعراق وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالى نورى المالكى، وهو ما يفسر وقوف العراق إلى جانب النظام السورى الحالى على كافة الصعد.

ورغم أن كثيرا من المراقبين يعتبرون هذا بمثابة رد للجميل، إلا أن ارتباط الحكومة العراقية الحالية بإيران قد يفسر جزءا من الدعم العسكرى والسياسى والاقتصادى العراقى للنظام السورى، ناهيك عن التقارير التى تشير إلى وجود عناصر من الميليشيات الشيعية العراقية تقاتل جنبا إلى جنب مع عناصر الحرس الثورى الإيرانى لدعم قوات الأسد.

ومن المفارقات التى شهدتها سوريا بعد وفاة الأسد الأب، محاولة بشار النأى بنفسه ظاهريا عن الانتماء للمذهب الشيعى حيث قام بإصدار أوامره إلى أحد شيوخ السنة بالصلاة على والده فى مسجد " ناعسة" الذى بناه حافظ وأطلق عليه اسم والدته فى مسقط رأسه بالقرداحة التى لم يكن بها أى مسجد قبل ذلك، حيث تمت الصلاة عليه بأربع تكبيرات خلافا للطريقة الشيعية والتى تشمل سبع تكبيرات.

كما تزوج بشار من عائلة سنية هى عائلة فواز الأخرس وهو ما أدى إلى شيوع الاعتقاد بأن بشار متأثر بالسنة وأنه أحد تلاميذ الشيخ محمد سعيد البوطى، إلا أن الواقع يؤكد ازدياد حملات التشييع، حيث ظهرت الحسينيات "المساجد الشيعية" لأول مرة فى منطقة " مطلة" بمحافظة دير الزور وفى منطقة درعا جنوبى البلاد وأصبحت الكتب الإيرانية تملأ الأسواق فيما تم منع الكتب السعودية.

وحتى يكتمل التحالف الاستراتيجى تم تمكين إيران اقتصاديا، حيث منحت الشركات الإيرانية فى عهد بشار مشاريع استراتيجية فى مجالات النقل والكهرباء بالإضافة إلى تصنيع السيارات التى تعرف باسم "شام " وتنفذها شركة "خودرو" .

وكانت كل المخططات تتجه إلى تشييع أكبر عدد من السنة السوريين وتغليف هذا المشروع بلافتة شريفة هى "المقاومة والممانعة" وذلك بقوة ثلاثية هى إيران وسوريا وحزب الله خاصة بعد الاحتلال الأمريكى للعراق وهو حلف طائفى بالأساس.

ولعل نجاح إيران حتى الآن فى تفعيل البعد الطائفى يتنافى مع كل معطيات التاريخ السورى وهو ما يرجح فرضية نظام بشار الأسد ونهاية المشروع الطائفى برمته فى تلك المنطقة المشتعلة من العالم، فسوريا تعد البلد الثانى بعد الهند فى عدد الطوائف الدينية حيث تضم 20 طائفة، إلا أن المجتمع السورى لم يعان من الطائفية على الإطلاق باستثناء أحداث عام 1856، حيث نشأ نزاع بين أكراد دمشق وهم من السنة والمسيحيين وتصدى لحله الأمير عبد القادر الجزائرى عندما كان منفيا فى دمشق خلال الفترة من 1820 - 1861 حيث عد نفسه حاميا للمسيحيين فى حين كانت هذه المرحلة بداية شرارة الحرب الأهلية فى جبل لبنان.

وبعد ظهور سوريا الحديثة تحت حكم الملك فيصل لم يحدث نزاع قط بين طوائفها بل كانت سوريا عامل جذب للأقليات التى وفدت إليها فى مراحل تاريخية مختلفة مثل الأرمن والشركس والأكراد والمسيحيين بطوائفهم "الكلدان - الآشوريين- الأرمن" وغيرهم.

وعندما احتل الجنرال هنرى جورو دمشق بعد إنذاره الشهير للملك فيصل عام 1920 والذى تضمن حل الجيش العربى وإلغاء التجنيد الإلزامى واستبدال العملة الذهبية بالعملة الفرنسية الورقية وتسليم خط حديد رياق - حلب، وافق الملك فيصل ورفض وزير حربيته يوسف العظمة وهو من أصول تركمانية، حيث جمع 3000 مقاتل إلا أن القوات الفرنسية تمكنت من دخول دمشق بعد هزيمتهم فى موقعة ميسلون على جثث الشهداء وبعد ذلك قاموا بتقسيم سوريا إلى خمس دويلات هى العلوية فى الساحل والدروز فى جبل العرب وحلب وتضم المنطقتين الشمالية والشرقية بالإضافة إلى دمشق وهو تقسيم تم على أساس طائفى مما أدى إلى اشتعال الثورة السورية عام 1925 وتسلم سلطان باشا الأطرش وهو شيخ الدروز الراية وأطلق عليها الثورة السورية الكبرى وشاركت فيها كل الطوائف حتى اضطرت فرنسا للتراجع عن قرار التقسيم.

وفى تلك الأثناء اجتمع عدد من شيوخ العلويين فى القرداحة مسقط راس الرئيس الراحل حافظ الأسد وتقدموا بمذكرة إلى السلطات الفرنسية تطالبها بعدم إلحاقهم بالدولة السورية لأنهم لا يستطيعون العيش مع المسلمين، وأنه يجب النظر إليهم كما نظر الغرب بعين العطف إلى اليهود ومن بينهم سليمان الأسد والد حافظ وهذا الأمر ذكره صراحة منذ أيام وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس ردا على المندوب السورى بالأمم المتحدة بشار الجعفرى نهاية أغسطس الماضى فى جلسة لمجلس الأمن من خلال عرضه لوثيقة تاريخية تحتفظ بها فرنسا تؤرخ لهذا الحدث.

ولعل أكبر دليل على التعايش السلمى بين طوائف سوريا المختلفة هو محافظة الحسكة التى تقع أقصى الشمال الشرقى ومساحتها 10 آلاف كيلومتر يحدها شمالا تركيا وشرقا محافظة نينوى العراقية حيث تضم أكبر نسبة من الأكراد وفيها العرب وكل الطوائف المسيحية بالإضافة إلى الأيزيديين والشيشان وغيرهم من الأعراق والطوائف.

واستمر التعايش بين كل تلك الطوائف حتى نشب خلاف افتعله النظام عام 2004 فى بلدة القامشلى بين العرب والأكراد خلال مباراة كرة قدم بين فريقى الفتوة من دير الزور وهم عرب سنة والجهاد من القامشلى حيث قامت قوات النظام بقتل عدد من شباب الأكراد وسلحت القبائل العربية بهدف إثارة النزعات الطائفية والقومية، بينما حافظ النظام السورى على عدم منح الجنسية للأكراد منذ تولى حزب البعث الحكم عام 1963 باعتبارهم أجانب ولم يكتف بذلك وإنما قام بنقل عرب منطقة "الطبقة" حيث بنى سد الفرات مما أدى إلى غمر أراضيهم بالمياه وقام بتوطينهم فى أراض مملوكة للأكراد لتغيير الطبيعة الديموغرافية وإنشاء ما أسماه الحزام العربى الذى وضع أسسه محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية فى الحسكة ورغم كل تلك الإجراءات لم يحدث صدام بين العرب والأكراد.

وعندما اندلعت الثورة السورية فى 15 مارس 2011، حاول بشار شراء الأكراد بمنحهم الجنسية لكنهم لم يستجيبوا لتلك الإغراءات وانخرطوا فى الثورة.





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

hana adli

syria

عدد الردود 0

بواسطة:

ابن دمشق - سورية

خطأ مطبعي | أرجو الانتباه والتعديل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة