أثناء زيارتى بلدى الحبيب، "مصر" أم الدنيا - الذى تعودت من أهله، عبر السنين الماضية، صفاء الكرم الأخلاقى والفكر المتقدم بثقافة عالية تملأ العقول، وتُنير دروب الحياة، متناثرًا على جنباتها الأمل، يُزين طريقنا للوصول إلى الهدف الذى يخدم بلدنا، ورسالة كل فرد يؤديها بإخلاص وأمانة دون حقد، ولا مد اليد لتأخذ ما ليس من حقها، وأيضًا ثقافة فتح شباك السيارة لرمى كيس قمامة - قررت أن أنزل إلى الشارع أتجول على قدمىَّ، ثم أستقل الـ "توك توك" الذى أصبح منتشرًا فى كل مكان، ومن بعده الميكروباص والمترو، ومن هنا أجدها فرصة للاختلاط بهذا الشعب العظيم البسيط، وأبدأ سماع ما كنت أسمعه عبر الإعلام الذى جعل الصورة عندى ضبابية للمنظر الطبيعى الجميل الذى رُسم فى ذهنى من الصغر، وللأسف وجدت أُناسًا - ليسوا كثيرين، وأيضًا ليسوا بقليلين - عقولهم مشوشة بسبب الإعلام، وآخرين يكرهون الإصلاح لأغراض شخصية، ولما يحتاجونه من تعويض ما تعرضوا له أثناء الثورة من خسائر مادية ومعنوية، وجدت كل شىء محاطًا بالشكوك ومشبوهًا، وعندما أبدأ النقاش فى أى موضوع مُثار - للأسف - لا أستطيع الوقوف على شىء ثابت، لأن كل شىء لديهم: أنا سمعت. أو: فلان قال. أو: أنا قرأت فى جريدة كذا، وأنا رأيت فى القناة الفضائية الفلانية. وجدت أن معظم الآراء والكلام افتراضيّة وعبثية، فعلى سبيل المثال لاحظت كلمة مشهورة جدًّا لدى البعض أرادوا تعميمها بكل ما يملكون من قوة إعلامٍ أو قوة مالٍ أو قوة نفوذ من أى نوع، شرعىٍّ أو غير شرعى، هذه الكلمة هى (أخونة الدولة)، وعندما استفسرت عن معناها لم أجد شيئًا يشفى الصدر أبدًا، بل ويريدون بث الخوف فى نفوس الشعب من الإخوان بتشبيههم برجال النظام السابق، وطبعًا هذا تشبيه مناسب للنيل منهم، ولفظ الشارع إياهم، بادعاءات واهية مثل امتلاك رجال أعمال الإخوان معظم المشاريع فى البلد، ووجدت للأسف أن الإعلام قد أجرم فى حق الشعب بمحاولته بث ثقافة العداء لدى الناس، لتؤدى إلى تبنى قضية إقصاء هذا الفصيل، وهو جماعة الإخوان المسلمين، من المشهدين السياسى والاجتماعى، بل من كل المشاهد التى نعرفها، وكأنهم ليسوا ضمن النسيج المصرى الواحد، وهذه قمة الديكتاتورية المطلقة عند من يدَّعون الديمقراطية، وفى المقابل الفاضح يحاول هؤلاء عبر خطة مشبوهة من خلال برامجهم المنتشرة بالقنوات التى يمتلكونها أن يبرئوا بلطجيًّا عانى بسببه الكثيرون طوال سنين عدة، ولديه شبكة بلطجة مكونة من مائتين وخمسين ألف بلطجى على مستوى الجمهورية، وألفٍ ومائتى "بودى جارد" يحرسونه ويمشون معه، على حد قول (البلتاجى)، وجدت الإعلام يصور هذا المجرم (نخنوخ) على أنه الرجل الشهم صاحب العطاء والسبق فى عمل الخير، والتبرع للمساكين والمساجد! ويتحدث عن شهامته المعهودة لدى الجميع، واحترامه لشعائر العبادة بإيقاف البار وصالة الديسكو عند الصلاة، وقد رأيت العجب باتصال بعض الفنانين والفنانات، ودفاعهم الشديد عن "نخنوخ" وكأن أصابعهم تحت أضراسه، أما من يخدمون البلد ويعطونه من وقتهم وأموالهم فإنهم يحاربونهم ويفعلون كل ما بوسعهم لإقصائهم، فقررت أن أجلس مع نفسى لتحليل كل شىء بالعقل والمنطق، فوجدت أن عشوائيات العقول أخطر من عشوائيات المساكن التى رأيتها فى مصر، هذه العشوائيات فى الفكر الملىء بالهرتلة والآراء التى بُنيت دون أى أساس لها وقابلة للانهيار فى أى وقت، حقيقة وجدت نفسى فى حيرة من وضع الناس وقابليتهم لاستقبال الكذب قبل الصدق؛ لأن الكذب أحيانًا يكون أوَّله حلوَ المذاق، وذا وجه برَّاق، وآخرهُ مرًّا وعلقمًا ذا وجه أسود، ومن يقترب ليتحقق منه يشكُّه شوكُه المسموم، أما ما ينفع الناس - وإن أُريد إخفات ضوئه - فسيأتى يوم عليه ليسطع بريقه وينير الدنيا بأسرها، ولابد أن يكون الجميع على يقين من أن من يُلقَى بالحجارة هو الشجر المثمر دائمًا.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر سليم
مصر تحتاج الكثير