فى مثل هذه الأيام من كل عام "منتصف ســــبتمبر وأول أكتوبر" تبدأ الأســــر المصـــرية والعربية اســــتعدادها للعام الدراســـــى الجديد، ولكن كما يقولون: يا فرحة ما تمت.
لأن أشــــباح الألم والوجع والصداع تبدأ.. فألم وصــــداع الدروس الخصوصية ينتشـــــران ويســـتمران حتى نهاية العام الدراســــى.
وهنا أتســــــاءل: أعجزت القرائح عن حـل تلك المشـــــكلة أم أن هناك مَـنْ هو مســــتفيد من وراء ذلك ويرغب فى إطالة أمـدها؟
الدروس الخصوصية هى الشغل الشاغل والحمل الثقيل اللذان تعانيهما الأسر المصرية والعربية طوال العام الدراسى، فبرغم التصريحات الكثيرة من المسئولين بشأن برامج بديلة، والكثير من القرارات والإجراءات الرسمية فى كل وزارات التربية والتعليم للقضاء عليها - مثل تجريمها وإطلاق بوابات للتعليم الإليكترونى كخطوة لمحاولة الحل من خلالها وتحسين مستوى التعليم ومحاربة الدروس فى آن واحد - فإن الثقافة الســــــائدة تُعتبر عائقًا كبيرًا وأصيلاً فى تأجيل الحل.
فذات يوم قال مســئول فى وزارة التربية والتعليم المصرية: إن الشبكة الإليكترونية تتيح إعطاء الدروس بشكل قانونى، ويســــــــير، بالنسبة للمدرس، وفى الوقت نفسه تكون أرخص للأسرة المصرية.
وأضاف أن بوابة التعليم الإليكترونى تمنح الطالب فرصة التعليم عن بُعد من خلال وضع دروس ونماذج حية يمكن الاستفادة منها، وبنكٍ للأسئلة له أن يضع إبداعاته فى حلها، فضلاً على تعرُّف مواقع أخرى قد تفيده فى دراسته، بالإضافة إلى الاطلاع على نتائج الامتحانات، كما تتيح للمعلم الحصول على دعم تربوى، خاصة فى التعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة، ووضع دروس تعليمية للطلاب سوف يُكافأ عليها من جانب الوزارة.
ورغم هذه المحاولات وغيرها فإن الاتجاه إلى الدروس الخصوصية لا يزال مستمرًّا، فتلك الثقافة المنتشرة لدى أولياء الأمور والطلبة بأن الدروس الخصوصية هى مفتاح النجاح، وأن المدرس الخصوصى هو أعلم الناس بطلبته ومستواهم الدراسى، تجعلهم يفضلون الدروس على التعليم الإليكترونى أو أى تعليمٍ آخـر، الأمر الذى يحتاج إلى تغيير أفكار الآباء وقراراتهم بشأن تعليم أبنائهم، وكذلك تشجيع الطلبة على التعلم بطريقة البحث وجمع المعلومات بشكل أكاديمى، بدلاً من الاعتماد على الدروس الخصوصية لضمان النجاح فقط.
إن الدروس الخصوصية هى إحدى الظواهر التى تؤرق المجتمعين المصرى والعربى، فقد أثبتت بعض الدراسات التى تمت على حوالى 1000 أسرة مصرية أن كل أسرة تتكلف نحو 500 جنيه شهريًّا للدروس الخصوصية. كما أن الطلبة العَشرة الأوائل على الثانوية العامة عام 2007/2008م حصلوا على درجاتهم بمساعدة الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية.
وهناك دراســـــة لجميع محافظات مصــــر أثبتت أن الدروس الخصوصية فى محافظات مصر كافة تُكلف الأســـــر المصرية ما بين 12 و15 مليار جنيه من ميزانيات الأسر المصرية، والتى تلجأ فى كثير من الأحيان إلى الاقتراض لسداد أجور المدرسين الخصوصيين.
أليس عيبًا على عقول أبناء مصـــــر أن يســــتمروا فى وجعٍ من هذا ولا يُنهون مشـــــكلة تلتَهِمُ مثل هذه المبالغ؟
ومِن هنا أُقدم رأيًا لعل فيه الفائدة للجميع لنخرج من هذا النفق المُظلم.
أقول وبالله التوفيق:
طالب الثانوية العامة عليه أن يكتب اسم الكلية التى يرغب فى أن يدخلها ويدرس فيها وتُحقق له وزارة التعليم العالى تلك الرغبة، ويدخل الكلية التى يرغب فيها أو ترغب فيها أســــرته.
وفى الكلية يكون هناك اختبار تأهيلى مثلما يحدث فى كليتى الفنون الجميلة والفنون التشــــكيلية، وكلية التربية النوعية والكليات العســــــكرية، وفى تلك الاختبارات يُســـــأل الطالب عمَّا درســــــه فى الإعدادية والثانوية وكذلك عن معلومات عامة، بمعنى أنه امتحان للتصــــفية، امتحان قُدرات، وَمَـنْ يجتَز اختبار القبول يَدخل الكلية دون قيد أو شــــرط، ومِن هنا نكون قد عملنا على أن تكون مســـــألة المجموع والصراع عليه ليـست شــــرطًا أســــاسيًّا للقبول فى الجامعة، إنما الشـــــرط الوحيد هو الموهبة والقدرة والتحصيل العلمى لما دُرس فى ســــنوات مضــــت.
ولكن هنا تبرز مشــــــكلة أُخرى، وهى أن بعض أســـــاتذة الجامعة وكل مَـن له مصلحة سيُحاولون التأثير على اللجنة "لجنة القدرات" حتى يجتاز أولادهم المســـــابقة، وهنا أقول: لابد من الضمير وثقافة لجنة القدرات، وأن تكون نشــــــطة، وأن تُراعى حق هذا الوطن فى تنشـــــئة جيلٍ واعٍ قادر على تحمل المســـــئولية، ولنبدأ فى تصــــحيح مفاهيم وســــلوكيات افتقدناها لســــنوات.
وهنا أذكر عندما كنا فى المرحلة الثانوية، فى أوائل ســــتينيات القرن الماضى، توجه بعض الآباء إلى إرســـــال أبنائهم لبيروت للحصول على الثانوية العامة بمجموع مرتفع حتى يدخلوا الكليات التى يرغبون فيها.
وبالفعل ذهب زملاء لى لبيروت وحصلوا على نســــبة 99 فى المائة، ومنهم من دخل كلية العلوم الاقتصادية، ولكن ومع الســـنة الأولى فى الكلية رســـــب، ولم يســـتطع إكمال الدراســــة، وهكذا.. إذن ليـس المجموع هو كل شىء لدخول الكلية، إنما القدرة والكفاءة العلمية والموهبة هى الأســــــاس، وبتلك الطريقة نقضى على مشــــــكلة الدروس الخصوصـــــية حتى يســــتطيع التعليم فى بلدى وفى البلاد العربية تخريج علماء أفذاذ أمثال:
الدكتور مصطفى مشرفة
سميرة موسى
فاروق الباز
أحمد زويل
وغيرهم الكثير والكثير.
أين من يُشــــبه رفاعة الطهطاوى؟
أين من يُشــــبه العالم الجليل مشـــــرفة؟
أين من يُشـــــبه العالم الأديب القدير طه حُســـــين؟
أعيدوا النظر وأعملوا الذهن فســــتجدون الحلول، ولنُنْهِ مشـــــكلة الدروس الخصــــوصــــية، وللأبد، فى مصــــرنا، وفى عالمنا العربى، نحن بحاجة إلى علماء ومفكرين، ولســــــنا بحاجة لحفظة مناهج..
كنا فى الماضى نذهب فى الصباح مُبكرين للمدرسة، والمدرس يُعطينا حصـــــة إضافية قبل بدء اليوم الدراســــــى، ومجانًا.
وكنا ندرس ونُذاكر لنحصِّل العلم، أما الآن فالطالب يدرس ويذهب للمدرس الخصوصى ليُعطيه ما هو مطلوب لأســـــئلة آخر العام.
المدرس يذهب فى الصباح مبكرًا ليبدأ الدروس الخصوصية فى غرفة أعدها لذلك، ويأخذ "الفلوس" من الطلبة.
الفرق واضح بين طالب الأمس وطالب اليوم.
الفرق واضح وجلىٌّ بين معلم الأمس ومعلم اليوم.
انتبهوا يا ســــــادة، يا مَـن وُليتم الأمر..
انتهجوا مبدأى الكفاءة، وتحصيل العلم، لدخول الجامعة، وليس مَـن يحفظ دروسًا مُعينة ثم ينســـــــاها هو الذى يستحق أن يدخل الكلية.
د. حســــن عبد الحميد الدّراوى يكتب: متى ينتهى كابوس الدروس الخصوصية؟
الأربعاء، 05 سبتمبر 2012 09:37 ص
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. صلاح هاشم
التعليم التعليم
عدد الردود 0
بواسطة:
مدرس فيزياء
اهانة المعلم
عدد الردود 0
بواسطة:
مدرس فيزياء
أقرأ قصيدة راضى على الطهطاوى