يلجأ الكثير من الناس للهروب من الحياة ومشاكلها الكثيرة، بأوجه عديدة، فمنهم من يهرب منها بـ "النوم"، فهم يشعرون بسعادة بالغة وهم نائمون يحلمون بكل ما يتمنونه ولا يجدونه فى واقعهم "غير السعيد"، فعندما يشعرون بالحزن أو الإحباط أو الظلم الشديد يلجأون إلى السرير؛ هربًا من عالمهم؛ لعلهم يجدون السعادة التى تنقصهم أثناء نومهم العميق، ولكن هل تُحل المشاكل من تلقاء نفسها أم ستظل بدون حل لها؟ لو فكروا قليلا لوجدوا أن النوم لن يحل المشاكل، بل سيعقدها أكثر وأكثر، وأنه من الأفضل أن نواجه هذه المشاكل بكل شجاعة حتى نجد لها أفضل الحلول بإذن الله، ولكن إذا هربنا منها فلن تُحل وستظل تكبر وتكبر حتى تتفاقم وتتزايد، ولا نقدر على حلها، فمثلاً نجد البعض يهرب من آلام الصيام ومعاناته بالنوم، فهل سيأخذ الثواب كاملاً عليه؟ وإذا هربت من المذاكرة بالنوم فهل ستنجح فى الامتحان؟ بالتأكيد لا، والفاشل فقط هو من يقول نعم، وإذا نجحت فلن يكون بمجهودك أنت، ولذلك لن تشعر بالسعادة كما سعد بها من جد واجتهد، ولكن إذا واجهت أى مشكلة من هذه المشاكل بالصبر عليها والاجتهاد فى المذاكرة فسوف تحقق النجاح بإذن الله، وسوف يساعدك الله، فلكل مجتهد نصيب.. وهكذا، فمواجهة المشاكل أفضل من الهروب منها، وتوكل على الله وكن شجاعًا ولا تهرب، وواجهها بكل صبر وإيمان وتحدٍّ للصعاب، واطلب العون دائمًا من الله العلى القدير تجدْه تجاهك، ويساعدْك، ويقفْ إلى جوارك، ويُعِنْك عليها ويوجهْك الوجهة الصحيحة لحلها، ويوجه لك من يساندك ويساعدك فهو لن ينساك أبدًا، فهو خالقك ورازقك، وكل ما عليك فقط هو أن تخلص النية لله فى كل عمل تقوم به، ومهما واجهت من مشاكل كثيرة فستجد نفسك قويًّا بالله قادرًا على حل جميع المشاكل بإذن الله.
وقد يشعر بعض الشباب فى فترات المراهقة بهذا الشعور "الهروب" لعدم قدرتهم على المواجهة، فيلجأون إلى النوم الكثير ولساعات طويلة، حتى أن آباءهم يقلقون عليهم، فهم يرفضون الطعام ويفضلون النوم عليه، ففى النوم تتحقق أحلامهم أو جزء منها، ويرون فى مناماتهم ما لا يستطيعون تحقيقه فى الحياة نتيجة الضغوط المحيطة بهم، ففقدوا الرغبة فى الحياة وفقدوا متعة الحياة نفسها، وقد قرروا أن يظلوا هكذا نائمين يغمضون أعينهم حتى لا يروا شيئًا فى الحياة ولا يشعروا بشىء، وتحقق لهم أحلامهم ما يريدون وما يبتغون، وقد تصل بهم الأمور إلى الاكتئاب وهو مرض نفسى خطير، قد يُودى بحياة الفرد إذا لم يُعالج.
ومن الشباب من يهربون من الحياة بكثرة العبادة، ولا يعطون الحياة حقها من العمل الذى يكسبون به عيشهم، ويجعلون غيرهم ينفق عليهم، فقد قرروا أيضًا الهروب من الحياة بكثرة التعبد وترك الدنيا، ونسوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعمل ويكافح ويأكل من عمل يده، ولم يقتصر فى نشر رسالته ودعوته على التعبد فقط، وهو قدوتنا فى العمل، فقد كان يعمل حتى بعد أن أصبح كبيرًا فى السن، كان يقوم ببناء المسجد بيده، ويحمل حجر المسجد بنفسه، وهناك نوع آخر من الناس - وهم الأسوأ - يهربون من الحياة بالموت، فقد أرادوا أن يتخلصوا من حياتهم ومشاكلهم الدنيوية بالموت ونسوا أن الله الذى خلقهم هو فقط من بيده أرواحهم، وهم لا يملكونها، وليس لهم الحق فى أن ينهوا حياتهم ويقتلوا أنفسهم تخلصًا من الحياة، فيعاقبَهم الله على ذلك بالعذاب الأليم، ويُعذَّبوا بنفس الميتة التى اختاروها لأنفسهم.
وآخرون يهربون من الحياة بالجنون، وذلك خارج على إرادتهم، فقد أجهدت عقولهم من كثرة المشاكل والصعاب، ومرضت، وفقدت القدرة على إدراك الأمور، والعياذ بالله، حفظ الله عقولنا جميعًا، فهى نعمة من الله العلى العظيم لا تقدر بثمن.
فإذا نظرنا إلى الحياة بنظرة أخرى لوجدنا أن الواقع مهما كان مؤلمًا فهو أفضل من أن نعيش فى الخيال والأحلام ولا نحقق شيئًا، ولرضينا بواقعنا وحياتنا كما هى ولسعدنا بها، فهى من عند الله، ومادمنا أرادنا الله أن نحياها فلنحيَهَا ونتقبلْها ونحسنْ فيها قدر استطاعتنا، ولا نفرط فيها بالنوم وضياع الوقت، فهى هبة من الرحمن، ولا نريد أن نضيع الفرصة للحياة الكريمة بالعمل الجاد كما أرادها الله لنا كى لا نتحسر عليها بعد ذلك، ويكون العمر ولى ومضى من بين أيدينا ولم نقم بشىء مفيد ينفعنا أو ينفع غيرنا.
وليسأل كل منا نفسه: فى ماذا ضيع عمره؟ وفيمَ أفنى شبابه؟ قبل أن يحاسبنا رب العرش العظيم عليهما وعلى ضياعهما من بين أيدينا بالنوم، كما ذكر لنا الرسول الكريم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه".
فلنحرص جميعًا على ألاَّ نضيع دقيقة واحدة من هذا العمر الغالى، فقد كان ابن مسعود رضى الله عنه يقول: ما ندمت على شىء ندمى على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملى. فهو يتحسر على دقيقة لم يذكر فيها اسم الله تعالى لِمَا رأى من ثواب الذكر وتذوق حلاوة فضل الله تعالى وجزائه وعطائه الكبير له، فكلما ازداد ذكرًا لله ازدادت مكانته ومنزلته عند الله، فلنزكِّ نفوسنا وأرواحنا ونُعِنْ أنفسنا على طاعة الرحمن وعبادته، ويجب ألاَّ نضيع الحياة من أيدينا، ويجب أن نذكر الله كثيرًا فى كل وقت حتى تسمو النفس وترقى على متاع الدنيا الزائل، وتعلو إلى متاع الآخرة ورضوان الله تعالى وجنات النعيم.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
مقاله رائعه
الرضا مفتاح السعاده
عدد الردود 0
بواسطة:
halawa_vip100@yahoo.com
good
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى خاطــر
مشاكل وهموم الناس وعزيمة الصبر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو منعم الشطوي
ومن بعض أنواع الهروب فوائد ، وعوائد...!!
عدد الردود 0
بواسطة:
وفاء أحمد التلاوي
ردودعلي القراء الأعزاء .
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرم
المكتوب ممنوش مهروب