ليس غريبًا على الجنرال الجوهرى ابن الـ74 عامًا، أن يكون محمود السيرة، داخل الوسط الرياضى، وأن يتهافت الجميع على الاهتمام بما وصلت إليه حالته الصحية، حيث ما زال بين الحياة والموت بدرجة وصف الفريق الطبى له بـ"المتوفى إكلينيكيا"! فهو من ذرية الإمامين الحسن والحسين من البطون، فزوجة جده الأكبر الشيخ أحمد الجوهرى الكريمى الخالدى (آمنة بنت رحمة بنت شهاب الدين أحمد الصحاف بن عبد الله الشنوانى)، هى من ذرية شهاب الدين أحمد بن عثمان الوفائى العراقى، المدفون فى جامعة فى شنوان بالمنوفية، وهو من ذرية غياث الدين مطر الجد المشترك لأشراف القدس، والأشراف الوفائية الحسينيين بمصر.
وأحمد الجوهرى، هو شيخ الشافعية فى مصر فى عصره، وهو من أحفاد خالد بن الوليد، ومن ذرية الإمام الحسن من البطون، وابناه عبد الفتاح (الجد الأكبر لمحمود الجوهرى) أحد قادة ثورة القاهرة الثانية ضد الحملة الفرنسية، وأخوه محمد الجوهرى هو من قاد المصريين للتصدى لنابليون بونابرت.
سار جنرال الكرة المصرية على نهج أجداده، حيث كان ضابطاً فى الجيش المصرى، وشارك فى عودة الجيش المصرى عقب نكسة 67، حين كان ضابطًا بسلاح الإشارة وواصل وقتها الليل بالنهار لإنجاح محاولات إعادة ما تبقى من جيش مصر وتقليل الخسائر، وتلك الوقائع كشف عنها عندما تم تكريمه مع بداية إعادة صياغة الجيش استعدادا لحرب أكتوبر عام 1973م عندما كان برتبة مقدم، وخرج من الخدمة برتبة عميد فى سلاح الإشارة، وهو متزوج وله بنتان وولد واحد اسمه أحمد لم يكمل مشواره فى كرة القدم، بعد أن لعب لعدة سنوات فى نادى هليوبوليس، ولكنه اعتزل وتفرغ لعمله الخاص.
يعد محمود الجوهرى، من أبرز المدربين فى تاريخ الكرة المصرية والعربية والأفريقية، بعد الإنجازات التاريخية التى حققها مع القطبين الأهلى والزمالك، والمنتخب الوطنى، بجانب نجاحاته مع المنتخب الأردنى، والطفرة الهائلة التى أحدثها فى مستوى الكرة هناك.
محمود الجوهرى دخل التاريخ من أوسع أبوابه، حيث يظل إنجاز الصعود إلى مونديال 1990 بإيطاليا مع المنتخب الوطنى، هو الإنجاز الأبرز لمحمود الجوهرى، طوال مشواره التدريبى، بعدما نجح فى اجتياز التصفيات المؤهلة للمونديال، بتصدر المجموعة الثانية، وتعد مباراة مصر والجزائر التى أقيمت يوم 17 نوفمبر 1989 باستاد القاهرة هى الأشهر فى تاريخ الفراعنة، وأدارها الجنرال بحنكة ليقود الفريق للفوز على الجزائر بهدف حسام حسن الشهير، وهو أول من طالب بفتح باب الاحتراف للاعبين المصريين خلال تلك الفترة.
قاد المنتخب الوطنى للفوز ببطولة كأس الأمم الأفريقية 1998 التى أقيمت فى بوركينافاسو، حين تغلب المنتخب الوطنى على جنوب أفريقيا بهدفى أحمد حسن وطارق مصطفى فى المباراة النهائية، ليصبح أول مدرب يفوز ببطولة كأس أمم أفريقيا، لاعباً ومدرباً، بعدما توج باللقب مع المنتخب عام 1959، وحصل على جائزة هداف البطولة فى ذلك الوقت، وكان المنتخب الوطنى خارج قائمة المرشحين لنيل اللقب، وتوقع النقاد قبيل المغادرة إلى العاصمة البوركينية أن يحتل الفراعنة المركز الثالث عشر، لكن الجنرال أعلن عن نفسه وعاد محملا باللقب الأفريقى، وانتهت مسيرة الجوهرى التدريبية مع المنتخب الوطنى بعد الخروج من بطولة كأس العالم للقارات التى أقيمت فى المكسيك عام 1999، بعد المؤامرة التى تعرض لها أمام السعودية، وخسر الفراعنة بخمسة أهداف مقابل هدف واحد.
ويعد الجوهرى أول مدرب فى تاريخ الكرة المصرية، يتولى تدريب القطبين الأهلى والزمالك، وحقق مع الناديين، العديد من الألقاب والبطولات، سواء على المستوى المحلى أو القارى، حيث قاد الأهلى للفوز ببطولة كأس الأندية الأفريقية لأبطال الدورى لأول مرة فى تاريخ القلعة الحمراء عام 1982، بعدما تغلب على أشانتى كوتوكو الغانى، فى المباراة النهائية، فيما حصل مع الزمالك على بطولة أفريقيا للأندية أبطال الدورى عام 1993، وكأس السوبر الأفريقى على حساب الأهلى عام 1994 بهدف أيمن منصور الشهير فى جوهانسبرج، بجنوب أفريقيا.
شهدت قيادته للقلعة الحمراء فى الثمانينات العديد من التحديات، لكن الجنرال نجح فى تخطيها، وأبرزها عندما خانته المعلومات، وحاول الضغط على الإدارة الحمراء لصالح النجوم ونقل المران خارج حدود الأهلى، لم يتوان عن العودة فى قراره المتسرع بعد جلسة مع المايسترو صالح سليم رحمه الله، بل ووافق على استبعاد النجوم من مباراة القمة أمام الزمالك، وارتضى باللعب بالشباب كنوع من الاعتذار الاحترافى، وحين حقق الفريق الفوز لم يغال، وأكد أن المستقبل الأحمر يستحق الاهتمام، وأنتجت تلك القمة التوأم حسن.
ولم تتوقف نجاحات الجنرال على صعيد المنتخب الوطنى والقطبين فقط، بل امتدت للعالم العربى، بعدما قاد المنتخب الأردنى للصعود إلى بطولة كأس الأمم الأسيوية عام 2004 التى أقيمت فى الصين، لأول مرة فى تاريخ البلاد، كما قاد الأردن للحصول على المركز الثالث فى كأس العرب بالكويت، والمركز الثانى فى دورة غرب آسيا.
يأتى هذا فى الوقت الذى تولى فيه تدريب العديد من الأندية والمنتخبات الخليجية على رأسها المنتخب العمانى، حيث قاده فى بطولة كأس الخليج عام 1996، كما تولى تدريب ناديى الشارقة والوحدة الإماراتيين، بالإضافة إلى الاتحاد والأهلى السعوديين وتم استدعاؤه للأخير بعد رحيل الأسطورة البرازيلية تيلى سانتانا لقيادة السليساو فى مونديال 1986 كنوع من التكريم للمدرب المصرى القدير.
الأب الروحى.. يكتشف كتيبة مقاتلين
خلال مسيرته الحافلة مع كرة القدم المصرية، نقل الجنرال محمود الجوهرى عددًا من اللاعبين الصغار والمغمورين من مستنقعات الإهمال إلى عالم النجومية، وقدم أجيالا مميزة للكرة المصرية بدأها فى القلعة الحمراء، عندما أعاد الحياة للنادى الأهلى بجيل فريق الأمل فى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات، والذى كان يضم مصطفى يونس ومحمود الخطيب ومصطفى عبده وزكريا ناصف وغيرهم من النجوم الذين صالوا وجالوا، واحتكروا الألقاب المحلية والأفريقية فى الثمانينيات.
جيل 90:
قاد الجوهرى المنتخب الوطنى لمونديال 90 بإيطاليا، وقدم العديد من النجوم خلال تلك الفترة فاعتمد على الشباب أمثال حسام وإبراهيم حسن وهانى رمزى، وأعاد اكتشاف هشام يكن، فضلا عن هشام عبدالرسول الذى حرمته الإصابة من المشاركة بالمونديال.
جيل 98:
اعتمد الجنرال على طريقته الدفاعية خلال فترة الإعداد لكأس الأمم الأفريقية التى أقيمت ببوركينا فاسو عام 98، ولاقى هجومًا عنيفًا من النقاد بسبب تلك الطريقة الدفاعية لكنه أصر على فلسفته، واعتمد على العديد من اللاعبين المميزين أمثال حازم إمام وعبد الستار صبرى ومحمد عمارة وياسر رضوان، بجانب هانى رمزى ونادر السيد وحسام حسن، ونجح فى خطف اللقب الأفريقى.
وآخر أمثلة النجوم التى قدمها الجنرال كان أحمد حسام ميدو الذى رحل عن الزمالك، وهو فى السادسة عشرة من عمره إلى جنت البلجيكى، وأصر على ضمه للمنتخب الوطنى خلال تصفيات كأس العالم 2002 ليرافق المخضرم حسام حسن فى قيادة هجوم الفراعنة.
كان حسام حسن مهاجم نادى الزمالك فى ذلك التوقيت وصل إلى 35 عامًا، وتوج بلقب عميد لاعبى العالم قبل مباراة السنغال بالقاهرة، ولعب بجواره ميدو ابن الـ17 عامًا، ونجح الأخير فى تسجيل هدف الفوز للفراعنة فى تلك المباراة، ليؤكد أن الجوهرى كان على حق عندما أصر على ضم المهاجم الشاب.
الراهب.. مكتشف الديكودر!
حتى أدق التفاصيل لم تكن بعيدة عن الجوهرى، فهو المدرب الذى كرس كل أوقاته لدراسة الكرة الحديثة رغم التحديات التى كانت تواجهه فى التسعينيات، لذا ظل يبحث عن موافقات لشراء "الدش" الذى لم يكن يعرفه المصريون اللهم إلا فى وزارة الخارجية والسفارات الكبرى.. وفاز بموافقة من المخابرات، ثم اشترك فى ديكودرات قنوات أوروبا الكروية.
قام الجنرال بدراسة أحدث أساليب اللعب والطرق الجديدة التى طرأت على الساحرة المستديرة التى تغيرت ملامحها بشدة خاصة فى التسعينات، فهو دائمًا يعمل بطريقة عملية ومحترفة، حيث فضل إحضار الديكودر الذى كان طفرة فى ذلك التوقيت توفيرًا للنفقات والمجهود الذى يمكن أن يبذله لمتابعة دوريات أوروبا من الملعب.
رفض الجوهرى تولى أى مهمة تطوعية باتحاد الكرة إعمالا للمبدأ الاحترافى الذى يعمل به، وخوفًا من التورط فى دائرة المصالح والصراعات التى ترتبط بالأعمال التطوعية، وعاش حياته كلها بمحراب كرة القدم، حتى اليوم الذى نقل فيه للمستشفى بالأردن كان يفتتح مدرسة للموهوبين، وغادرها إلى غرفة العناية المركزة.
حلم تحويل الشباب من مرتزقة إلى نجوم يُنهى علاقته بالجبلاية
تسببت المصالح الشخصية فى حرمان الكرة المصرية من الخبرة الواسعة التى يتمتع بها محمود الجوهرى، بعدما قدم ملفا من 323 ورقة لمسئولى اتحاد الكرة تضمن خطة تطوير شاملة خلال عمله مديرًا فنيًا للجبلاية، حيث اقترح إقامة مسابقة الدورى الأوليمبى، تشارك بها أندية الدورى الممتاز باللاعبين دون 23 عاماً، مثلما تقام بأوروبا دوريات "الرديف" من أجل الارتقاء بالمستوى الفنى والبدنى للاعبين منعًا من تحولهم إلى مرتزقة عقب تصعيدهم من فريق تحت 21 عامًا، والانتقال إلى أى أندية لتحقيق مكاسب مادية دون الاهتمام بمستواهم الفنى أو البدنى.
هذا الاقتراح أثار اعتراض أعضاء مجلس إدارة إتحاد الكرة برئاسة سمير زاهر فى ذلك الوقت، وكان من أشد المعارضين لهذا المقترح مجدى عبد الغنى وأحمد شوبير ومحمود بكر، حيث كان يرى الأعضاء أن هذا الاقتراح يتعارض مع مصلحة الكرة المصرية، وكذلك الأندية التى ستتحمل أعباء مالية كبيرة فوق طاقتها إذا ما أقيمت المسابقة، فضلاً عن أنه سيقتل مستقبل اللاعبين، وعدم جدواها من الناحية الفنية، ولن يحقق ثماره بأى حال، والأهم من ذلك أنه لا توجد مسابقة دولية لهذه المرحلة السنية، مما دفع الجوهرى لإنهاء علاقته بالجبلاية.
ومن ضمن الأسباب أيضا التى دفعت الجوهرى للرحيل، هو شعوره بالحرج والإهانة على اعتبار أن دوره داخل الاتحاد لا يتعدى التنسيق لمنتخبى الشباب والناشئين للمباريات الودية، وأنه مجرد ديكور استقدمه المسئولون بالاتحاد للتخلص من المسئولية فى حالة الفشل فى المسابقات التى يشارك بها المنتخب الوطنى، كما رفض أعضاء الجبلاية تنفيذ مقترحات أخرى للجوهرى، والذى كان يتولى منصب المستشار الفنى للجبلاية، والذى لم يدم فى منصبه سوى عام واحد.
الجوهرى صانع تاريخ الكرة الأردنية
بات محمود الجوهرى المدير الفنى السابق للمنتخب الوطنى، الأب الروحى لجماهير الكرة الأردنية، بسبب الطفرة الهائلة التى أحدثها "الجنرال" على مستوى الكرة هناك، منذ أن وطأت قدماه العاصمة الأردنية عمان عام 2002.
نجح الجوهرى فى وضع المنتخب الأردنى على خريطة الكرة الآسيوية، بعدما كان منتخباً متواضعاً، لا يحقق نتائج تذكر، فى المحافل القارية، ونجح فى صناعة الجيل الذهبى للكرة الأردنية، والذى جاء على رأسهم حسونة الشيخ وعامر شفيع وخالد سعد وحاتم عقل ومحمود شلباية وبشار بنى ياسين، وأنس زبون.
قاد "الجنرال" المنتخب الأردني، للصعود إلى بطولة كأس الأمم الآسيوية التى أقيمت عام 2004 بالصين، بعدما نجح فى اجتياز التصفيات المؤهلة لتلك البطولة، ولم يتوقع أحد أن يحقق المنتخب الأردنى إنجازاً تاريخياً بالتأهل إلى الدور ربع النهائى للبطولة، بعدما أوقعته القرعة فى مجموعة من العيار الثقيل ضمت منتخبات كوريا الجنوبية والكويت والإمارات بالإضافة للأردن، وتعادل الأردن فى مباراته الافتتاحية مع كوريا الجنوبية بدون أهداف، ومع الإمارات 1\1، قبل أن يخسر أمام منتخب الكويت بهدفين دون مقابل.
وودع الأردن منافسات البطولة من الباب الواسع، بعد خسارته أمام اليابان 4\3 بركلات الترجيح، بعدما انتهى الوقتان الأصلى والإضافى بالتعادل الإيجابى 1\1، قدم خلالها الفريق واحدة من أجمل مباريات المنتخب الأردنى طوال تاريخه.
كما قاد منتخب الأردن للفوز بالمركز الثالث فى بطولة كأس العرب التى أقيمت فى الكويت، كما تقدم النشامى للمركز الـ 37، وفقاً للتصنيف الصادر من الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" لعام 2004، وقرر الاتحاد الأردنى تعيين الجوهرى مستشارا فنيا بالإتحاد، عقب انتهاء مشواره مع المنتخب، للنهوض بمستوى الكرة هناك، فى مختلف المراحل السنية، وهو الأمر الذى نجح فى تحقيقه.
مما دفع العاهل الملك عبدالله الثانى ملك الأردن لمنح الجوهرى وسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الأولى، وذلك للجهود التى قام بها محمود الجوهرى فى سبيل تقدم ودعم الحركة الرياضية الأردنية.
محمود الجوهرى.. الجنرال.. بطل الإشارة.. ابن الأشراف والمقاومة الشعبية.. رائد ثورة الكرة المصرية.. وضع القطبين بقائمة الشرف الأفريقية.. وقاد ملحمة مونديال 90.. وصانع تاريخ الكرة الأردنية
الإثنين، 03 سبتمبر 2012 01:25 ص