د. رضا عبد السلام

قرض من صندوق النقد أم من دول الخليج؟!

الإثنين، 03 سبتمبر 2012 01:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نتابع جميعًا الجدل الدائر حاليًّا فى الشارع المصرى بشأن القرض الذى تتفاوض الحكومة المصرية للحصول عليه من صندوق النقد الدولى. ولا يمكن بالنسبة لى، كأستاذ للاقتصاد السياسى والمالية العامة، أن أترك هذا الموضوع يمر دون تعليق أو وقفة سريعة، فصندوق النقد الدولى - على وجه الخصوص - يحظى بسمعة غير طيبة، خاصة فى علاقاته بالدول النامية أو "النايمة".

فصندوق النقد الدولى ببساطة شديدة يشكل أداة طيِّعة، تستخدمها الدول الكبرى لتنفيذ سياساتها فى الدول المتخلفة. ولا يمكننا أن ننسى ما فعله هذا الصندوق، بالتعاون مع عصابة عاطف عبيد وبطرس غالى، مطلع الألفية، عندما ربط تقديم التمويل بتحرير الاقتصاد وتحرير سعر صرف الجنيه، فهبط الجنيه بين عشية وضحاها أمام الدولار الأمريكى من 330 قرشًا إلى حوالى سبعة جنيهات!! تبعات هذا الانهيار فى سعر صرف الجنيه تكتب فيها مؤلفات، والفضل فى كل هذا لصندوق النقد والعصابات التى تولت شئون مصر.

الأمر الآخر هو أننى لست الوحيد فى العالم الذى يشكك فى سياسات هذه المؤسسة، فقد كتب قبلى عشرات الأمريكيين والأوربيين أن هذا الصندوق كان لا يتردد فى منح التمويل للدول التى تتوافق فى سياساتها مع سياسات الولايات المتحدة، خاصة أثناء ضرب العراق وتكوين التحالف! فالدول التى عارضت ضرب العراق فى مجلس الأمن كان جزاؤها أن صندوق "النَّكَد" الدولى رفض منحها قرضًا ينقذ اقتصادها المتهاوى! وبالتالى فإن تاريخ صندوق النقد الدولى مع الدول النامية، ومن بينها مصر، تاريخ غير مشرف على الإطلاق.. إذ لم تحركه الاعتبارات الاقتصادية، وإنما كانت الاعتبارات والمواءمات السياسية هى محرِّكَهُ الرئيسَ.

إلا أننى، ورغم كل هذا الإدراك، أدرك أيضًا واقع مشكلة الاقتصاد المصرى.. فنحن الآن تحولنا بقدرة قادر إلى مجتمع مستهلك غير منتج.. توقف الكثير من المصانع والمشروعات، سواء عن قصد أو عن غير قصد، وكأننا فى منافسة للسقوط فى الهاوية.

إلى الآن لم تتحرك عجلة الإنتاج بالمستوى الذى يترتب عليه أن يصبح ما ننتجه يفوق ما نستهلكه، فالمجتمع الذى يستهلك أكثر مما ينتج هو مجتمع فاشل اقتصاديًّا، ومن أين سنغطى الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك؟ بالطبع من خلال الواردات، وحتى نحصل على تلك الواردات علينا أن نوفر أولاً العملة الصعبة.. ومن أين سنأتى بهذه العملة الصعبة فى ظل عدم كفاية ما لدينا؟ بالطبع من خلال الاقتراض.

ما يتوجب علينا فعله الآن هو أن نُشعِر هذه المؤسسة الدولية بأن مفاوضى مصر بعد الثورة يختلفون كثيرًا عن مفاوضى مصر قبلها. علينا أن نحصل على هذا القرض بأقل الخسائر الممكنة. بالطبع سيضع الصندوق شروطًا لتقديم القرض، وعلى رأسها دائمًا خفض الإنفاق العام والدعم.. إلخ. علينا أن نبرز قضيتنا جيدًا، وأن نخرج من بين أيديهم بأقل الخسائر الممكنة.

كنت أتمنى أن تحصل مصر على هذا القرض الكبير من الأشقاء فى دول الخليج العربى، وحتى أكون منصفًا فإن المملكة العربية السعودية ودولة قطر لم تقصِّرَا فى دورهما تجاه الشقيقة الكبرى، ولكن ماذا عن باقى دول مجلس التعاون التى خسرت مئات المليارات من الدولارات أثناء تداعيات الأزمة العالمية بسبب استثماراتها فى الأسواق الأمريكية والأوروبية؟

فدول الخليج العربى تستثمر ما يزيد على 3 تريليونات دولار (ثلاثة آلاف مليار دولار) فى الأسواق الأمريكية والأوروبية، وجانب كبير منها يستثمر فى أذون الخزانة الأمريكية بأقل من 4% سنويًّا. كنت أتمنى أن تتحرك وزارة المالية المصرية لطرح أذون خزانة أو استثمارات على الأشقاء العرب، وبالتالى كانت الأموال العربية ستدور دورتها فى الجسم والدم العربيين؛ فتستفيد مصر ويستفيد الأشقاء العرب.

مؤكدٌ أن قرض صندوق النقد الذى يدور حول خمسة مليارات دولار لن يكون كافيًا، لذا علينا أن نولى وجوهنا شطر الأشقاء العرب، وألاَّ تأخذنا العزة بالإثم. علينا أن نتحرك بوصفنا مصر الجديدة، التى تسعى لاستعادة المجد العربى، وفى الوقت نفسه تحترم خيارات الشعوب العربية. فنحن لا نسعى إلى تصدير الثورات، لأن لكل بلد قسماته وثقافته، لذا علينا أن نُسكت أصوات الفتنة والوقيعة، لأن مستقبل مصر فى علاقتها بالأشقاء العرب أكبر من مغامرات السفهاء والمراهقين فكريًّا.

لو أشعنا جوًّا من الثقة بيننا وبين الأشقاء العرب فلن نكون بحاجة إلى مؤسسات - كصندوق النقد – أو غيرها. الأمر الآخر أن رأس مال مؤسسة كصندوق النقد، أو غيرها، يتشكل من مساهمات الدول كما نُعلِّم أبناءنا، ودول الخليج العربى من بين أهم المساهمين فى رؤوس أموال المؤسسات الدولية. إذًا هى أموالنا العربية تعود إلينا، ولكن بشروط قاسية. فلِمَ لا نختصر الطريق ونضع رؤية لحفز الاستثمارات الخليجية من السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين للقدوم إلى الشقيقة مصر؛ فتستفيد مصر ويستفيد الأشقاء الخليجيون دون أن تكون لطرف يد على الآخر؟ علينا أن نتخلى نحن العرب عن هذه الثقافة المخجلة ونعرات الجاهلية، وأن ننظر إلى المستقبل بتفاؤل، تمامًا مثلما فعل أعداء الأمس فى أوروبا، هل تتذكرون فرنسا وألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية؟ هل توقفت بهم عجلة الزمن أم واصلوا الرحلة نحو مستقبل مشرق؟! مؤكدٌ أن ما يجمعنا كعرب لا يتوافر لأى أمة أخرى على وجه الأرض. فهل من مجيب أم أن السياسة ستواصل رحلتها فى تقطيع أواصرنا؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة