كشفت تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" أن حكومة لندن قد فشلت فى الالتزام باتفاقات تجميد أموال وأصول خاصة بنظام حكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، مشيرة إلى أن هناك أصولا لم يتم إدراجها بعد ضمن الممتلكات المجمدة بينها شركة أسسها جمال مبارك، إلى جانب منزله الفخم فى لندن.
وقالت بى بى سى، فى تقرير مطول على موقعها الإلكترونى العربى، إنه وفقا لمستندات يمكن التوصل إليها على مواقع إلكترونية، تم الكشف عن ممتلكات وشركات مملوكة لمسئولين بارزين فى نظام مبارك لم تتأثر بالعقوبات التى فرضت عليهم.
وكان مسئولون فى مصر قد وجهوا اتهامات لبريطانيا بإخفاء ثروات نظام مبارك وانتهاك الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، فيما قالت الحكومة البريطانية، إنها تبذل قصارى جهدها لتتبع هذه الأصول والكشف عنها.
وتذكَر بى بى سى بأنه على الرغم من أن وزير الخارجية البريطانى وليام هيج كان قد أعلن بعد ثلاثة أيام من سقوط مبارك أمام البرلمان البريطانى أن حكومته ستتعاون مع السلطات المصرية، من أجل تجميد أصول وممتلكات مسئولين سابقين، إلا أن هذه الخطوة جاءت بعد 37 يوما وتمثلت فى اتفاق بريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبى على فرض عقوبات عليهم.
واعتبرت مصر أن هذه الفترة قد سمحت للمقربين من مبارك بنقل أموالهم وأصولهم قبل اتخاذ إجراء ضدهم.
وصدر قرار بتجميد أصول بقيمة 85 مليون جنيه إسترلينى فى بريطانيا يملكها مبارك وزوجته سوزان ثابت ونجلاه علاء وجمال، إضافة إلى 15 مسئولا آخرين.
غير أن التحقيقات التى أجرتها الهيئة البريطانية قد كشفت عن ممتلكات وأصول لم تدرج ضمن العقوبات، حيث تشير بيانات مكتب تسجيل الشركات فى بريطانيا، وهى متاحة للاطلاع عليها من قبل العامة، إلى أن نجلاء الجزايرلى زوجة وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربى تمكنت فى نوفمبر تشرين الثانى 2011 من تسجيل شركة باسمها فى لندن، على الرغم من أنها مدرجة على قائمة المسئولين المستهدفين من العقوبات بعد مرور 7 أشهر على تجميد ممتلكاتها.
كما أثبتت وثيقة مشابهة أن شركة "ميدانفيست" لندن للاستثمارات، التى أسسها نجل مبارك الأصغر جمال وهى مملوكة لشركة قبرصية أدارها جمال أيضا، واصلت نشاطها حتى فبراير الماضى، أى بعد مرور 11 شهرا على صدور قرار تجميد الأصول.
من ناحية أخرى، أكدت بى بى سى على أنه لا توجد أى مؤشرات على أن مكتب تسجيل الأراضى فى بريطانيا اتخذ قرارا بشأن المنزل الذى كان يقيم فيه جمال مبارك لسنوات عدة، ويقع فى منطقة "ويلتون بلاس" فى نايتس بريدج وسط لندن ويقدر ثمنه بنحو ما بين 8 الى 10 ملايين جنيه استرلينى.
يذكر أن جمال مبارك سجل عنوان هذا المنزل فى الأوراق الرسمية، باعتباره محل الإقامة عام 2010 وظهر فى شهادة ميلاد ابنته فريدة.
وعلى الرغم من أن ملكية العقار تعود إلى إحدى الشركات فى بنما، إلا أن العقوبات المفروضة يجب أن تسرى على المنتفع من العقار حتى وإن لم يكن المالك.
وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت على طلب السلطات المصرية بمساعدتها على تتبع وتجميد هذه الأصول، ولكن مصر تقول إن بريطانيا تطلب معلومات قبل الشروع فى اتخاذ قرارات، وهى معلومات تقول السلطات فى مصر إنها لا يمكن الحصول عليها.
ونقلت بى بى سى عن المستشار عاصم الجوهرى مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع، ورئيس لجنة استرداد الأموال المهربة للخارج "إن الحكومة البريطانية ملزمة بقوة القانون بالتعاون معنا، ولكنها لا تريد بذل أى مجهود لمساعدتنا على استرداد الأموال".
وأضاف الجوهرى قائلا إن كل ما تقوله بريطانيا: "أعطونا أدلة. فهل هذا من المعقول؟ نحن فى مصر ونبحث عن أموالنا فى بريطانيا.
ونتيجة لتحقيقات بى بى سى، أعلنت الخارجية البريطانية أنها قدمت كافة المعلومات التى توصلت إليها تحقيقات بى بى سى، ولكنها رفضت فى الوقت ذاته التعليق على أى من هذه القضايا.
من جانبه، قال اليستر بيرت وزير الدولة البريطانى للشئون الخارجية: "نحن ندرك جيدا الشعور القوى فى مصر تجاه هذه القضية، ونعمل مع السلطات المصرية للكشف عن الأصول التى اعتبرها القضاء المصرى منهوبة وتجميدها". إلا أنه شدد على ضرورة "أن تتم عملية استعادة الأموال والأصول المسروقة بشكل قانونى، فلا يمكن أن تجرد بريطانيا شخصا من أمواله وممتلكاته وترسلها إلى دولة أخرى دون أن يكون مدانا، أو صدور قرار رسمى بمصادرة هذه الممتلكات".
وأضاف بيرت أن بلاده لم يكن باستطاعتها اتخاذ قرار تجميد أى من هذه الأصول بشكل أسرع لمجرد الاشتباه ودون قرار قضائى، كما أن قرارات مثل هذه تتطلب موافقة كافة دول الاتحاد الأوروبى، وهو أمر ضرورى.
ووتقول بى بى سى إنه من المفارقات أن طريقة بريطانيا فى التعامل مع هذه القضية جاءت على النقيض تماما من سويسرا التى جمدت أصولا لمبارك وأعوانه، فى غضون نصف ساعة فقط من تنحيه.
ونقلت عن المدعى العام الفيدرالى فى سويسرا مايكل لوبر قوله، إن لديه فريق يضم أكثر من 20 محققا يبحثون عن أى أصول يعتقد أنها أموال مصرية. وأضاف أن قيمة الأصول التى جمدت حتى الآن بلغت نحو 700 مليون فرنك سويسرى، وذلك منذ فبراير 2011، وكانت آنذاك 410 مليون فرنك، فى حين أن قيمة الأموال المصادرة فى بريطانيا لم تشهد أى زيادة منذ العام الماضى.
من ناحية أخرى، نقلت بى بى سى عن محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية فى مصر قوله إن بريطانيا تعد من أسوأ الدول فى العالم عندما يتطرق الأمر إلى تتبع وتجميد الأصول المصرية فى الخارج. إلا أنه رأى أن التقصير فى متابعة هذه القضية لم يكن فقط فى الخارج بل فى الداخل أيضا، حيث لا تزال بعض العناصر الموالية للنظام القديم تتمتع بسلطة أدت إلى فشل التحقيقات.
وسيتم بث التحقيق الذى كشف عن هذه المعلومات على قناة بى بى سى العربية اليوم الاثنين فى تمام الساعة التاسعة وخمس دقائق، بتوقيت القاهرة.
بى بى سى تكشف عن فشل بريطانيا فى الالتزام بتجميد أموال نظام مبارك.. وتحقيق الإذاعة البريطانية يكشف عن أصول غير مدرجة ضمن العقوبات.. وشركة ميدانفيست التى أسسها جمال مبارك واصلت نشاطها حتى فبراير الماضى
الإثنين، 03 سبتمبر 2012 09:50 ص