الخوف والرجاء من الله عز وجل صفتان من الصفات التى يتمتع بها المؤمن الكامل، وقال الإمام الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين (الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طريق الآخرة كل عقبة كئود والخوف هو فزع القلب من كل مكروه يناله أو محبوب يفوته)، ويعبر عن الخوف بالفزع والروع والرهبة والخيفة والخشية والرعب، والخوف من الله محمود، وقد وعد الله من خاف مقام ربه جنتين فقال تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) 46 الرحمن ، والخوف ممن سواه وما سواه لا يليق بكمال المؤمن إلا ما شاء الله، ذلك أن الخوف من الله ينزع الخوف ممن سواه وما سواه وكيف يخاف المؤمن وهو فى معية الرحمن يحفظه ويؤيده بنصر من عنده ويجعل له من يدافع عنه وينصره قال تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) 38 الحج، فالمؤمن الحق لا يخشى إلا الله ، ولا يتوكل إلا عليه وهو موقن دائما بأن الله معه ومؤيده كما ذكر فى القرآن الكريم عندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام ووصديقه فى الغار قال تعالى ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) 40 التوبة.
فالمؤمن لا يخشى إلا الله وهو يؤمن أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ فلن ينفعوك إلا بشئ كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء فلن يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، هذا ونجد أن الآيات التى تبث الخوف من الله عز وجل فى قلب المؤمن كقوله تعالى (وإياى فارهبون) و( إن بطش ربك لشديد) وقوله تعالى: (إن أخذه أليم شديد) نجد بجانبها الكثير من الآيات التى تبث الأمن والطمأنينة فى قلب المؤمن من ذلك قوله تعالى: (قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) 53 الزمر وقوله تعالى: (ورحمتى وسعت كل شئ) 156 الأعراف.
ونجد أيضا أن أخوف الناس من الله أعرفهم بالله قال تعالى:(إنما يخشى الله من عباده العلماء) ثم المؤمنون بوجود الله وكمال قدرته قال تعالى: (وخافون إن كنتم مؤمنين) فلا ينفك المؤمن من خوف من الله عز وجل وإن كان قليلا، فمن خاف الله دله خوفه على فعل الخيرات حتى يتوب الله عليه ويغفر له ذنوبه وهذا هو رجاؤه من الله أن يتوب الله عليه، والمؤمن ينبغى أن يجمع بين الخوف والرجاء من الله فإذا ارتكب معصية أو سيئة هذه السيئة تثمر ثمرتين الخوف من عقاب الله ورجاء الله فى العفو عنها وقبول توبته، فتصبح السيئة أشبه بثعلب وهو حيوان خبيث وشرير ولكنه ضعيف بين أسدين هما الخوف والرجاء فيفترسانه ويقضيان عليه، وشعور المؤمن الذى وقع فى المعصية فهى سوف تورثه ذلا وانكسارا فهو يدرك خطر المعصية وجبروت الله عز وجل فيسارع إلى التوبة وصالح الأعمال، وهذا سيدنا أبو بكر يقول (لو كانت إحدى قدمى فى الجنة، والأخرى خارجها ما أمنت مكر ربى، فالخوف يلازمه حتى يدخل الجنة، بقدميه الاثنين لا بواحدة فقط، فلا ندخل الجنة إلا برحمة من الله ولطفه وكرمه وليس بعملنا فقط، ولا ينالها إلا من يستحقها وعمل لها خالصا لوجه الله تعالى.
وما أحوجنا هذه الأيام لأن نعمل لآخرتنا ونبتعد عن حب الدنيا ومتاعها وشهواتها فمهما طالت فهى قصيرة، ولا يستحق النعيم المقيم فى جنة الرحمن إلا من عمل لها وأخلص لله فى كل عمله، قال رسولنا الكريم (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) رواه الترمذى، والإدلاج هو السير من أول الليل ليصل إلى المنزل الآمن قبل أن يلحق العدو به، والمراد من هذا الحديث هو المسارعة إلى الطاعة قبل فوات العمر فالعمر وإن طال قصير ولا يبقى إلا وجه ربك ذى الجلال والإكرام، وكلنا رجاء وأمل أن يرضى الله عنا ويتوب علينا، ويغفر لنا ويرحمنا وهذا هو كل رجائنا وأملنا فى هذه الحياة، اللهم تقبل منا صالح الأعمال وقربنا منك وأرض عنا جميعا يا أرحم الراحمين.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
معتز لطفي
جزاك الله خيرا
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى خاطــر
الرقابة الذاتية تكملة للخوف والرجاء من الله
عدد الردود 0
بواسطة:
وسام البحيري
بين الخشية و الخوف
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
يارب ان عظمت ذنوبى كثرة ... فلقد علمت ان عفوك اعظم
عدد الردود 0
بواسطة:
عابر سبيل
بين الخوف والرجاء أمن و فوز يوم الفزع الأكبر
عدد الردود 0
بواسطة:
وفاء أحمد التلاوي
شكر وتقدير
عدد الردود 0
بواسطة:
وفاء أحمد التلاوي
شكر وتقدير