سؤال حير الكثيرون واستبد بعقولهم.. واجتهد الكثيرون للإجابة عنه وللأسف كان كثير منها خاطئة.. فلو رأى رسول الله (عليه أفضل الصلاة وأذكى التسليم) ما فعله بعض المسلمين اليوم من أحداث عنف واشتباكات أمام السفارات حتى وصل الأمر لقتل السفير الأمريكى فى ليبيا..
وهو ما لا يرضى به الله ورسوله ولو كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيا بيننا كنت أظنه سيغضب لذلك أكثر من غضبه من صنع تلك القذارة (المسماة فيلما)..
فإن يسئ الكفار والمشركون والجهلاء والسفهاء والحاقدون لرسول الله هو أمر غير مستغرب.. أما أن يسىء المسلمون لصورة الإسلام ويشوهوها أمام العالم أجمع بارتكابهم جريمة حرمها الإسلام واستنكرها استنكارا شديدا.. فهو الأمر غير المقبول.
قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} (سورة التوبة: 6)
قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية الكريمة: (وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم استأمنك فأجبه إلى طلبه حتى يسمع كلام الله أى القرآن، وهو آمن مستمر الإيمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه.
يقول (ابن القيم): [المستأمن هو الذى يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام: رسل وهم (السفراء بلغة عصرنا) وتجار، ومستجيرون (وهم اللاجئون)، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية.. والثلاثة أصناف: الزمى والمهادن والمستأمن: من أصحاب النفس المعصومة، التى ثبتت عصمتها فى القرآن والسنة.
قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8).
ولكن يبقى السؤال: كيف ننصر رسول الله (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام).
وفى رأيى المتواضع أن نصرة رسول الله يكون بعدة أمور.. منها:
1- أن تتعاون الدول الإسلامية جميعها فى الضغط من أجل سن تشريع قانونى ملزم لكافة دول العالم بتجريم وتحريم ازدراء الأديان أو إهانة أى من رسل الله عليهم أفضل الصلاة والسلام أو أى من الشخصيات المقدسة (وهو على غرار قانون معاداة السامية.. كما ذكرت فى مقالى السابق) كما يجب الملاحقة القضائية لكل من تسول له نفسه الإساءة لمقدساتنا.. خاصة إذا علمنا أنه سيطرح قريبا فيلما عن حياة سيدنا (عيسى عليه السلام) ويسمى (يسوع الناصرى) والسيدة العذراء (مريم ابنة عمران) البتول (سيدة نساء العالمين) فيه الكثير من الإسفاف.. وهى كارثة جديدة تأتينا بحجة حرية الرأى المزعومة.
2- لابد من إنشاء هيئة عالمية للتعريف بالرسول الكريم، ويتم الإنفاق عليها بسخاء من كافة الدول الإسلامية لكى يتم نشر وطبع كتب ومجلات دورية وصنع أفلام وبرامج تعليمية وإرشادية ومسلسلات وبرامج حوارية وكافة الوسائل الإعلامية، التى يمكن من خلالها توصيل الصورة الحقيقية لسيد البشر وخير خلق الله عليه أفضل الصلاة والسلام، ويقوم بالإشراف على تلك الهيئة نخبة من علماء العالم الإسلامى ويتم توسيع نشاطاتها لتشمل كل بقعة من بقاع العالم.
3- إعادة النظر فى مناهجنا التعليمية وما تقدمه من معلومات وحقائق عن الإسلام.. وتكثيف الجرعة المعرفية، التى نقدمها فى مناهجنا عن ديننا الإسلامى وعن رسولنا الكريم.. لابد أن نرى جيلا يحفظ عن ظهر قلب كل كبيرة وصغيرة فى حياة رسولنا الأعظم.
4- إعادة النظر فى المنظومة الإعلامية العربية.. والتى من خلال نظرة سريعة على مئات القنوات، التى تبث على الأقمار الاصطناعية نايل سات وعرب سات وبحسبة بسيطة لنسبة القنوات الدينية والعلمية لباقى القنوات (والتى يعلم الجميع ما هى المحتوى الذى تقدمه تلك القنوات) سنعرف أن من أساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو نحن وليس الآخرين.. وحينما تعرف أن عدد المسلسلات، التى كان من المقرر أن تعرض فى شهر رمضان لعام 1433 اقترب من السبعين مسلسلا (كما ذكر موقع cnn بالعربية) بتكلفة تتعدى المليار ومائتى مليون جنيه، وكان عدد المسلسلات الدينية فيها هو اثنين فقط هما مسلسلا (الإمام الغزالى) ومسلسل (عمر بن الخطاب)، وكما تابع أغلب الناس الاستفتاءات الكثيرة، التى قامت بها العديد من الصحف والمجلات العربية.. كان موسم رمضان الماضى هو الأسوأ على الإطلاق فى مجال الدراما.. وكان عدد المسلسلات- المسفة والمبتذلة والخادشة للحياء، والتى تدعو صراحة لهدم القيم والأخلاق لدى أبناء المجتمع- يفوق الوصف.. والطامة الكبرى حينما تعلم أن أكثر من ثلثى ميزانية تلك المسلسلات التافهة كان يذهب إلى الممثلين بها.. فإذا تخيل أحدنا أن المليار ومائتى مليون جنيه تم إنفاقهم على إنتاج ثلاثة أو أربعة أفلام عالمية تصف الصورة الحقيقية للإسلام، وتظهر عظمة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.. كيف سيكون مردود ذلك على المليارات من البشر التى تعانى من ظلمة وضيق الكفر والشرك بالله.
5- نشر الوعى لدى الآباء والأمهات بالأهمية البالغة لتوجيه أبنائهم للاطلاع على سنة حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والعمل بها فى كل مناحى حياتهم والاقتداء بأخلاقه والسير على منهجه القويم.. وتوعية الآباء بالطريقة المثلى التى تحبب أبناءهم فى ذلك ولا تنفرهم منه.
6- نشر الوعى لدى معلمى الأمة بأهمية تعليم الطلاب فى كافة المراحل ما يناسب كل مرحلة عمرية من آداب وقيم الإسلام التى وصانا بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وربطها بشخصه الكريم وغرس فكرة الاقتداء برسولنا وجعله النموذج الذى يحتذى به أبناؤنا الطلاب والأسوة الحسنة لهم فى كل مراحل حياتهم، حتى لا نرى القدوة لشبابنا: مطرب لا يمت للرجولة بصلة أو مغنية لا تعرف من معانى الشرف والحياء شيئًا.
7_ تشجيع العمل التطوعى فى المجتمع وتوجيهه إلى نشر سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من خلال تعليق لافتات فى الطرق والمؤسسات بها سنن مهجورة ينساها كثير من الناس وكذلك أحاديث لرسول الله تشمل أغلب الموضوعات، التى نحتاجها فى حياتنا.
8- تشجيع رجال الأعمال ومتيسرى الحال على التبرع لطبع ونشر كتيبات تتحدث عن رسولنا الكريم وتصف أفعاله وصفاته وتحكى لنا مواقفه وأقواله وترجمتها للعديد من اللغات الحية وتوزيعها على أكبر نطاق - داخل وطننا العربى وخارجه.
9- المقاطعة الشعبية والرسمية لأى دولة تتعمد إهانة ديننا الإسلامى أو رموزنا الإسلامية وتتبجح بذلك، والإعلان عن ذلك من خلال احتجاجات شعبية سلمية تظهر الوجه الحضارى لإسلامنا .
10_ توعية المسلمين بعدم المساهمة فى نشر تلك الإساءات لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من خلال نشر الفيلم المسئ على مواقع التواصل الاجتماعى بحجة التوعية منه.. فبنشره يتحقق مبلغ هؤلاء المسيئين ويصلوا لغرضهم الدنىء.. وكذلك يكون الحال مع أى إساءة تأتى بعد ذلك فى أى صورة كانت (فيلم أو كتاب أو مقال أو رسوم).. لا ينبغى أبدا أن ننشر مثل تلك القاذورات بحجة التوعية منها، وقد سئل الشيخ الشعراوى عن رأيه فى كتاب أحد المستهزئين بالإسلام، وقد كثر الحديث عنه فى التسعينيات، فقال: لم أقرأه ولن أقرأه، قيل له ولكنه كثر الجدال بشأنه، فقرأ عليهم قول الله تعالى {وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين فى جهنم جميعا} (سورة النساء: 140).
وفى النهاية أتصور أنه لن يحزن رسول الله (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم) حينما يعلم أن بعض الرعاع والسفهاء والحمقى من الكفار والمشركين قد تطاول على ذاته الكريمة بعد أن بشره الله تعالى بقوله {إنا كفيناك المستهزئين} (الحجر:95).. ولكنه سيحزن أيما حزنا.. حينما يعلم أن أمته قد هجرت قرآن ربها وضيعت سنته وتخلفت فى كل شىء وأصبحت فى ذيل الأمم.. وأن دماء المسلم فيها أصبحت أهون ما فيها.. بل أراه (حبيبى رسول الله الرحمة المهداة) سيبكى حينما يشاهد المسلمين فى سوريا وبورما وهم يذبحون وينكل بهم تحت سمع وبصر المليار ونصف المليار مسلم...... ولا مجيب!!!!!!!!
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة