أكد الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، أنه من السابق لأوانه الحكم على النظام السياسى الجديد فى مصر بعد ثورة 25 يناير، وقال إنه يجب إعطاء الفرصة له حتى نحكم عليه بعد ذلك من خلال الأداء.
وقال غالى: "إنه يجب على مصر أن تستعد لمواجهة التحديات والمشاكل المترتبة على "الثورات التكنولوجية المتلاحقة وما أسفرته العولمة"، مشيرا إلى أنه يجب على سبيل المثال مواجهة مشكلتى الانفجار السكانى والمياه، وحذر من أن عدد سكان مصر سيتجاوز خلال سنوات حاجز المائة مليون نسمة.
جاء ذلك فى محاضرة للدكتور بطرس غالى فى إطار سلسلة المحاضرات التى يتلقاها الملحقون الدبلوماسيون الجدد بالمعهد الدبلوماسى بوزارة الخارجية.
واقترح غالى ضرورة إنشاء منظمة إقليمية لدول حوض نهر النيل، وقال "فشلنا فى إقناع الرأى العام المصرى بأهمية هذه المنظمة التى يجب أن تهتم بالكهرباء والطاقة والنقل والمياه فى دول هذه المنظمة، ومواجهة المشاكل التى ستواجهها هذه الدول فى السنوات القادمة"، مشيرا إلى أن هناك منظمة إقليمية لدول "نهر لميكونج فى آسيا تقوم بتنظيم مياه النهر التى تتشاطأ حوله دول آسيوية.
ونبه غالى إلى أن الثورات التكنولوجية المتلاحقة وتداعياتها وانعكاساتها تتطلب منا البحث فى أفكار وقواعد ومفاهيم وقوانين جديدة، لمواجهة التحديات والتعامل مع النظام الدولى وكيف لمصر أن تتعامل مع كل هذه التحديات حتى تسترد مكانتها.
وقال غالى "إنه حتى الآن لا توجد ثقافة عامة بشأن المياه وخصوصا مياه النيل وليس هناك اهتمام فى مصر بهذه القضية"، وحذر من أننا سنواجه فى السنوات القليلة القادمة أزمة مياه حادة ولن نتمكن من التوسع فى استصلاح الأراضى الصحراوية بدون مياه.
وطرح غالى فكرة إحياء منظومة التكامل بين مصر والسودان وليبيا لحل المشاكل التى تواجه هذه الدول، كما يجب تشجيع وتنظيم الهجرة إلى الخارج وإعطاء الاهتمام للوزارة المسئولة عن الهجرة وتنظيم محليات الهجرة والاستفادة من جهود المهاجرين المصريين فى الخارج.
وأكد أنه لا يرى مانعا فى أن تكون مجتمعات المصريين فى الخارج ممثلة لهم فى البرلمان أو حتى تكوين برلمان خاص بهم يجتمع ولو مرة واحدة كل عام، وذلك للاستفادة منهم والحفاظ على الروابط بين هؤلاء المصريين ووطنهم الأم مصر.
واستعرض الدكتور غالى تطورات وأوضاع النظام الدولى الراهن، وقال "إن دور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى سوف يتعاظم فى إطار عالم العولمة الذى نعيشه مما سيكون له دور فى صياغة النظام الدولى الجديد والعلاقات الدولية".
وأشار إلى أن علاج القضايا الوطنية الآن هى على مستوى دولى وليس على المستوى الوطنى مثل قضايا البيئة والأمراض ومكافحة الإرهاب، مشددا على أنه يجب أن تكون هناك ديمقراطية فى العلاقات والنظام الدولى، وبالتالى فإنه من المهم الانفتاح على العالم الخارجى والاهتمام بالشئون الخارجية إلى جانب الشئون المحلية.
ولفت إلى أن التنوع الموجود فى أمريكا وأوروبا هو سر نجاح هذه الدول، وأننا رأينا على سبيل المثال أن 50% من قيادات ونخب أمريكا هم من أصول غير أمريكية.
وقال الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة: "إن العبرة ليست بالدولة الكبيرة لكن بالإدارة السياسية وليس العبرة بأهمية وحجم الدولة بأن يكون لها دور سياسى دولى"، مشيرا إلى أن قطر تلعب دورا على الساحة الدولية، لأن لديها إرادة سياسية تخدمها إمكانيات مالية للعب هذا الدور.
ونصح غالى الملحقين الدبلوماسيين الجدد بضرورة أن يتفهموا حقيقة الوضع الدولى وهم يتعاملون مع المشاكل المصرية، وأنه من الضرورى أن يتعلموا اللغات الأجنبية لاسيما اللغة الصينية والأسبانية ثانى أكبر اللغات انتشارا فى العالم ويتعلم اللغة السواحلية الإفريقية، باعتبار أن مصر لها امتداد وعمق إفريقى مهم، وخصوصا أن المشاكل لم تعد مشاكل مرتبطة بالإقليم وأن معالجتها على مستوى الأزمة انتقلت من الدولة إلى المستوى العالمى.
ولفت إلى أن العالم العربى ينقسم الآن وأن أوروبا مختلفة حول مشكلة اليورو ومن ثم فإن علاج الأزمات الاقتصادية أصبح الآن على مستوى دولى، وفى ظل العولمة تغير مفهوم سيادة الدولة ودورها لم يعد قاصرا عليها وحدها، فهناك لاعبون جدد فى العالم لهم دور وتأثيرهم البالغ على القرار والنظام الدولى.
وانتقل غالى للرد على استفسارات الملحقين الدبلوماسيين، حيث أكد أن هناك تغييرا جذريا فى النظام الدولى بسبب الثورة التكنولوجية الجديدة، وأنه ينبغى على الدولة أن تتعامل مع المفاهيم الجديدة فى عالم العولمة.
وحول الأزمة السورية، كشف غالى عن أنه جرت اتصالات معه وأنه اعتذر بسبب تقدمه فى العمر، معتبرا أن "الأزمة السورية لا تلقى الاهتمام اللازم من المجتمع الدولى من أجل حلها، ونحن فى المنطقة فقط الذين نهتم بها".
وتطرق غالى إلى الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة فأشار إلى أن التغيير التكنولوجى الكبير والمرتبط بالعولمة وانتهاء الحرب الباردة يوجب التغيير الجذرى فى تكوين الأمم المتحدة وإصلاح مجلس الأمن، لافتا إلى أن هناك أفكارا بأن جيلا جديدا من المنظمات الدولية سوف ينشأ ويحكم العلاقات الدولية.
وأضاف "أن الرأى العام الدولى يطالب بإصلاح مجلس الأمن، وأنه قد حاول خلال عمله كأمين عام للأمم المتحدة ولكن لم ينجح"، مشيرا إلى أنه لا يرى فى الأفق أن مصر يمكن أن يكون لها مقعد فى مجلس الأمن.
بطرس غالى فى محاضرة بالمعهد الدبلوماسى: يجب إعطاء النظام الجديد فرصة حتى نحكم عليه.. ومصر تواجه تحديات بالجملة.. وإصلاح الأمم المتحدة أصبح حتميا
الخميس، 27 سبتمبر 2012 11:30 ص