أود أن أؤكد أننى من المتابعين جيداً لكتابات الزميل أ. محمد الدسوقى رشدى، فيعجبنى أسلوبه وحبكة كلماته وبلاغته الشديدة، رغم أننى أختلف كثيراً معه فى الكثير من القضايا التى يتعرض لها، ولكن هذه هى الحرية وهذا هو قانونها، وعلينا أن نلتزم به جميعاً إذا أردنا التقدم لهذا البلد.
ومن بين ما كتب الزميل الأستاذ محمد رشدى مؤخراً مقال عنوانه "إيمان تفضح رجولتك يا عزيزى"!، تعرض المقال لحادثة يقول إنها حدثت فى صعيد مصر، مع فتاة تعرضت لمضايقات من شباب تافه، وعندما بادرت بالدفاع عن نفسها قضت نحبها على أيدى هؤلاء التوافه، وذلك على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن يحرك أحد ساكناً!! هذه هى باختصار الحادثة التى ركز المقال من خلالها على إبراز عيوب الشخصية المصرية، يخلص القارئ من المقال إلى أن قضايا مثل الشهامة والرجولة والنخوة.. إلخ لم تعد موجودة وأننا كمصريين أعطينا لأنفسنا حجماً أكبر من حجمنا.. إلخ، وهو بهذا الكلام يؤكد ما يردده بعض العرب المتفرنجين ومحدثى النعمة، الذين يحملون كرهاً غير عادى لمصر والمصريين، بأن المصريين فنجرية بق ولا يعرفون غير الكلام.. إلخ.
أختلف معك تماماً أخى الفاضل فى كل ما ذكرته، لقد أتيحت لى الفرصة للاحتكاك بالكثير من الجنسيات سواء خلال فترة بعثتى فى إنجلترا أو خلال سنوات عملى فى الخليج العربى، أستطيع القول أخى الفاضل، وبقلب مطمئن وراحة بال، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أوصى بأهل مصر وعندما أكد على أن أبناء مصر هم خير أجناد الأرض لم يقل هذا من أو عن فراغ، كما أن ورود اسم مصر على وجه الخصوص فى أكثر من موضع فى كتاب الله هو الآخر أمر بالغ الدلالة على عظمة هذا البلد وعظمة شعبه.
نحن لا ندعى سمواً على باقى الأجناس أو الشعوب وحاشانا أن ندعى هذا، ولكن الحقيقة المؤكدة هى أن شعب مصر وتاريخه لا يمكن أن يأتى شخص- أياً ما كان- ويختزله فى حادثة، ربما تكون غير حقيقية، فى وقت نسمع كل يوم عن انقضاض الناس فى قرية كذا على مجموعة من البلطجية وقتلهم على أيدى الأهالي.
أدعوك عزيزى القارئ ونفسى، وكل يغرق فى سكرات اليأس والإحباط، أدعوك لأن تتذكر تاريخ رجال وأبناء هذه الأمة، مؤكد أننى لا يمكننى أن أختصر عظمة شعب مصر فى مقال محدود الكلمات، يكفينى أن أذكرك ونفسى بأمثلة أضاءت الكون بعظمتها، هل تتذكر فضيلة الشيخ محمد صديق المنشاوى، قيثارة السماء، الذى يصدح بصوته ليل نهار فى كافة أرجاء المعمورة، هل تتذكر عبد الباسط عبد الصمد.. إلخ؟ ألا يعنى توفيق الحكيم أو طه حسين أو لطفى السيد أى شىء بالنسبة لك؟ بل هل تتذكر أم كلثوم وعبد الوهاب وحليم وفريد.. إلخ.
هل تتذكر العالم مصطفى مشرفة أو نبوية موسى أو مصطفى السيد أو مجدى يعقوب أو زويل.. إلخ؟ هل استطاعت أمة أن تجود بمثل هؤلاء العظماء؟
لا يمكن لشعب أنجب الآلاف من أمثال العظماء الذين أشرت إليهم أعلاه، أن يكون شعباً مفتقراً إلى النخوة أو الشهامة أو الرجولة، إذاً أين تكمن المشكلة حقيقة يا أستاذ محمد؟ فى اعتقادى المتواضع أن المسئول عما آلت إليه الأحوال فى مصر هو بالطبع النظام البائد، الذى جرف وخرب الحرث والنسل، لقد عملت آلة النظام لعقود لتحقيق هدف أساسى، ألا وهو تخريب موروثات وقيم هذا الشعب، وتحويل شبابه إلى هوام توافه، وقد لعب الفن وأهله دور رئيس فى هذا الاتجاه، وإلى الله المشتكى.
رغم كل هذا، ورغم كل عمليات التجريف والتخريب، بقيت الخامة الأصلية دون تخريب، ولهذا عندما أشعل الشباب الثورة، تحرك الشعب خلفه فحدث ما حدث، وخلصنا الله من مبارك وأزلامه، فشعب مصر يا أخى يشبه المعدن النفيس المغموس فى التراب، كل ما هو مطلوب هو أن نلتقط هذا المعدن ونقوم بتنظيفه ليعود له البريق.. هذه هى كل الحكاية.
أما أن نأخذ من حادثة- لم تتأكد صحتها- حكماً ونسعى إلى تعميمه لنزيد من إحباط الناس، فهذا فى اعتقادى تعميم فى غير محله وغير جائز شرعاً أو قانوناً، فالأحكام كما أقول دائماً، تبنى على الكثير الغالب وليس القليل النادر، وأعتقد أن أغلب تصرفات هذا الشعب- الذى كرمه المولى عز وجل ونبيه الكريم- تغلب عليها الشهامة والرجولة والنخوة.. إلخ.
أعتقد أننا فى فترة نحن فيها بحاجة إلى الكثير من الدعم المعنوى قبل الدعم المادى، واستعادة ثقتنا بأنفسنا وبقدراتنا وإمكاناتنا تشكل محدداً مهما من محددات انطلاقنا نحو المستقبل.
أنا لا أطالب بأن نغير الحقائق أو ندعى بطولات وهمية، ولكن كل ما أطالب به هو أن نبث الأمل فى قلب شعب عانى الإحباط والتحقير لعقود. آن الأوان لأن يستعيد الدفة ليبدأ رحلة جديدة مع العالم وذلك على حد قول أوباما رئيس الولايات المتحدة عندما اقتنص هذا الشعب حريته بيده رغم أنف الجميع فى الداخل والخارج.
فقط أختم بأمر سبق أن أشرت إليه من قبل، وهو مرتبط بموضوع المقال، وهو المتعلق بالدكتور محمد الهاشمى صاحب إحدى القنوات الفضائية، الذى تلقى اتصالاً على الهواء من متصل من مصر، استوقفه الدكتور الهاشمى (التونسى الأصل)، وقال له اسمح لى أخى المصرى قبل أن تعرض مداخلتك بأن أقول بأننى كمسلم لم أكن أتخيل أن يكون هناك عالم إسلامى ليست فيه مصر.. لم أكن أتخيل مجداً للأمة فى غياب دور مصر وشعبها.. مصر الأزهر الذى نشر بعلمه وعلمائه صحيح الدين فى كافة أرجاء المعمورة على مدى حوالى ألف عام.. لقد بكى الرجل– وهو غير مصرى– وهو يتحدث عن مصر وشعبها وأبكانا معه.. أبعد كل هذه العظمة نأتى ونختصر تاريخ هذا الشعب فى حادثة إيمان.. آسف أخى الفاضل.
• أستاذ بحقوق المنصورة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلم
ياد كتور رضا
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
اكمل جميلك بمتابعة مقالات السمري واخوانه باليوم السابع
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الفتاح .اوسلو
كفيت ووفيت
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
الشعب المصرى من اعظم شعوب العالم شهامه ورجوله وصبرا وتحملا وجلدا
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
اذا انقطعت الكهرباء ساعه واحده فى نيويورك سرقت البنوك والمحال واقتحمت منازل الاثرياء
عدد الردود 0
بواسطة:
Ranaa
إنها الحقيقة المرة سيدي الفاضل
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو العربى
متفائل اكثر من اللازم واؤيد رقم 6
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد محمد
نحن شعب يعيش على الذكريات و التاريخ
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامه حسن ... المانيا
نعم تغيرنا ...
عدد الردود 0
بواسطة:
د. رضا عبد السلام
شكر وتعليق