فى الحادى عشر من أغسطس الماضى، مضى عام ونصف على تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، وبعدها بيوم واحد، وتحديدًا فى الثانى عشر من أغسطس، أصدر الرئيس محمد مرسى قراره بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل وإقالة المشير طنطاوى والفريق عنان، لتنتهى بذلك مرحلة إدارة المجلس العسكرى للبلاد، وتبدأ مرحلة جديدة باستلام أول رئيس مدنى منتخب بنزاهة سلطاته كاملة، بعد أن نجحت ثورة 25 يناير فى إسقاط رأس النظام السابق ورموزه.
وترصد دراسة أعدها الباحث والمحلل السياسى "مشهور إبراهيم أحمد" أهم الأخطاء التى حدثت من جانب القوى السياسية فى الفترة الانتقالية التالية لثورة 25 يناير، ليس من باب نقد سلوك وأداء القوى السياسية، ولكن بهدف الاستفادة من تلك الأخطاء فى سعينا للعبور نحو مرحلة جديدة تتكاتف فيها القوى السياسية المختلفة من أجل البناء وتتنافس فى مناخ ديمقراطى سليم، خاصة أننا مازلنا نتلمس الطريق نحو عبور آمن للوطن فى ظل عدم وجود دستور أو برلمان، وفيما يلى أبرز الأخطاء التى رصدتها الدراسة:
1 ـ عدم تدشين قيادة موحدة للثورة فور إسقاط النظام:
فى كل بلدان العالم، تنجح الثورات وتحقق أهدافها، حين يدير البلاد عقب الثورة من يمثل ويعبر عن مطالب الجماهير وأهداف الثورة، وحين يتم تدشين آليات عادلة للحكم تقوم على المساواة والشفافية، وحتى أيام قليلة ـ قبل أن يصدر الرئيس محمد مرسى قراراته بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل ـ لم تكن الثورة تحكم منفردة، فى ظل وجود المجلس العسكرى والإعلانات الدستورية التى كانت تحكم البلاد.
كل ذلك يجعلنا نعود إلى يوم 11 فبراير، اليوم الذى تنحى فيه مبارك عن الحكم، إذ كان من الخطأ مغادرة الميدان فى ذلك الوقت، قبل تدشين قيادة موحدة للثورة، تقود البلاد وتنظم سبل التحول الديمقراطى وتدير مصر بعد ثورة 25 يناير، أو على الأقل تشارك المجلس العسكرى، فى إدارة تلك المرحلة، لأن خيرة أبناء الشعب هم من دعوا وقاموا بالثورة، ومن البديهى أن يشاركوا فى رسم مستقبل الوطن بعد 25 يناير لتحقيق الأهداف التى قامت من أجلها ثورتهم.
وليس فى ذلك انتقاصًا من قدرة الجيش، ولكن لأن الجيش له مهام محددة تشمل حماية حدود الدولة واستقلالها، وليس من مهامه إدارة البلاد سياسيًا، وكان يمكن الاستعانة به للحفاظ على كيان الدولة بحفظ الأمن، أما الدعوة برعونة لأن يتولى الجيش إدارة البلاد سياسيًا، فقد كان فيها تقويض للجيش نفسه بإنهاكه بالدخول فى معارك سياسية تضعف من قدرته فى مواجهة الخارج.
وعلى الرغم من أنه كانت هناك إشكالية تتعلق بتدشين قيادة موحدة للثورة متفق عليها تتحدث باسم الثورة، إلا أن أنسب وقت لذلك كان هو 11 فبراير، فى ظل روح الثورة وفى ظل الوحدة والتماسك بين رفاق الميدان، إذ أن كل يوم كان يمر بعدها كانت الفجوة تتزايد بين رفاق الثورة، وكان الطابور الخامس الداعم للنظام القديم يخترق ويشق الصف ويكسب أرضًا جديدة، وانتهى بنا الأمر، بأنه حتى فلول النظام البائد أصبحوا يتحدثون باسم الثورة مع أنهم أكثر كارهيها، وبدلا من أن تُتخذ الخطوة فى يوم باتت تتحقق فى شهور بسبب محاولات عرقلة خطوات الإصلاح والتطهير، وهو ما تسبب فى طول المرحلة الانتقالية ودخولها فى منعطفات حادة.
2 ـ عدم وجود قيادة موحدة لشباب الثورة تحديدًا:
على الرغم من أن الثورة اندلعت واشتعلت فى شتى أنحاء البلاد، وهو ما يعنى تعدد الائتلافات الثورية، وذلك أمر طبيعى، فى دولة مترامية الأطراف، مثل مصر، إلا أن عدم وجود قيادة موحدة تمثل شباب الثورة وتنسق بين تلك الائتلافات، أدى إلى ظهور الكثير من الرؤى المتضاربة، كما أدى إلى ظهور مجموعات جديدة تتحدث باسم الثورة مع أنها صُنعت من قبل الموالين للنظام القديم لتشويه صورة الميدان ولشق الصفوف.
ونتج عن ذلك حالة من الجفاء لدى قطاع من المواطنين تجاه شباب الثورة بسبب تضررهم من التظاهرات والاعتصامات وغلق مداخل ميدان التحرير، ومع مرور الوقت، تطور الأمر ليصل إلى حالة من الإحباط تجاه أوضاع البلاد بشكل عام بعد الثورة، وظهرت نبرة عدائية ضد شباب الثورة مع أنه لو كانت هناك قيادة موحدة ومتماسكة لشباب الثورة تمثلهم وتتحدث باسمهم وتنسق المواقف لأعطى ذلك للثورة دعمًا أكبر ولأعطى لشباب الثورة الدعم والمكانة التى يستحقونها.
3 ـ الصدام بين البرلمان والميدان:
سعت معظم القوى السياسية بعد الثورة إلى التنسيق مع المجلس العسكرى باعتباره هو السلطة الحاكمة والمسيطرة على مقاليد الأمور، وهو ما جعل بعض هذه القوى، تبتعد رويدًا رويدًا عن الميدان.
وبعد الانتخابات البرلمانية تحديدًا، بدأت المواجهة تحتدم بين "الإخوان" كأغلبية مسئولة فى البرلمان وبين الميدان ومطالبه المتجددة والمتحمسة للتغيير، والتى تطالب بالتصدى للمجلس العسكرى وإسقاطه، واصطدمت رؤية الإخوان القائمة على عدم الصدام مع المجلس العسكرى إلا إذا تم تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة فى ثلاث مسائل جوهرية (إجراء الانتخابات البرلمانية بنزاهة فى موعدها ـ تدشين الدستور بدون تدخل ـ تسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب)، اصطدمت تلك الرؤية برؤية فصيل كبير من الثوار يرى أن أى مهادنة للمجلس العسكرى ستكسبه أرضًا جديدة على حساب الثورة، وأن الوقت فى صالح المجلس العسكرى، ولذلك قرروا التصعيد،، وهو ما أدى إلى الصدام بين البرلمان والميدان بدلاً من التنسيق والتعاون.
واتضحت خطورة هذا المسلك، مع الأزمات والأحداث المختلفة، إذ وقع الإخوان فى فخ تبرير القرارات والدفاع عنها، ووقع الثوار فى فخ المساهمة فى تقويض شرعية البرلمان المنتخب مع أنه كان أحد أهم ثمار الثورة فى ذلك الوقت، وبمعنى آخر، فإنه بدلاً من أن يكون "البرلمان معبر عن الميدان" و"الميدان داعم للبرلمان"، فى مواجهة قوى النظام القديم التى بدأت فى ترتيب خطوطها من جديد، أصبح البرلمان والميدان على خط المواجهة معًا، وكان من أكبر تجليات هذا المشهد، ازدواجية التعامل من قبل البرلمان مع قضيتى زياد العليمى ومصطفى بكرى رغم تشابه المسألتين، وفى المقابل، من جهة الميدان، محاولة اقتحام البرلمان وإسقاطه.
ولذلك ينبغى علينا خلال المرحلة المقبلة، أن ندرك أن البرلمان الجديد سيحتاج إلى دعم جماهيرى وثورى، لأن المهام المنوطة به مهام كبيرة تتعلق ببناء الوطن من جديد والقضاء على المشكلات المتراكمة من العصر البائد، وعلى البرلمان فى الوقت ذاته أن يستمد فى قراراته من الميدان روح الثورة وأن يحرص على أن تكون قراراته نابعة من مصلحة الشعب الذى انتفض فى 25 يناير من أجل تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
4 ـ خلافات القوى السياسية والتسبب فى طول الفترة الانتقالية:
كان من المفترض بعد نجاح 25 يناير، أن يتم انتقال السلطة خلال ستة أشهر، ولكن ما حدث أن خلافات دبت فى أوساط النخبة وبين القوى السياسية، ومن ضمن الأمثلة الواضحة على ذلك الخلاف حول مسألة الدستور أولا أم الانتخابات أولا، وسواء كان ذلك الخلاف بسبب اختلافات فعلية على أرض الواقع حول رؤية كل طرف لأولويات المرحلة الانتقالية وخارطة الطريق المثلى أو كان بسبب مصالح آنية أو كان مقصودًا ومدبرًا، فإن الأمر الواضح أن تلك الخلافات تسببت ليس فقط فى تأجيل الاستحقاقات الانتخابية وانتقال السلطة، لكنها أعطت الفرصة والوقت أمام فلول النظام البائد والمنتفعين منه والمتضررين من انهياره لتجميع أنفسهم مرة أخرى وتنسيق الجهود فيما بينهم وترتيب الأوضاع والتخطيط من أجل العودة مجددًا.
وما حدث فى الانتخابات الرئاسية أكبر دليلاً على ذلك، فلم يكن أحد يتصور بعد الثورة وبعد نتيجة الانتخابات البرلمانية التى حصل فيها مرشحو الحزب الوطنى المنحل ونظام مبارك على نسبة لا تذكر من مقاعد البرلمان أن يدخل أحد رموز هذا النظام جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية متفوقًا على بعض رموز الثورة الكبار.
وينبغى هنا ألا نكرر الخطأ نفسه فى أى انتخابات مقبلة، وخاصة أننا لدينا انتخابات برلمانية، على الأبواب، ومن المهم إعلاء مصلحة الوطن ومنع أى محاولات للعودة للوراء والانقضاض على أهداف الثورة، ويتحتم على الأحزاب والقوى السياسية التى تتبنى أيدلوجية واحدة وتتشابه برامجها أن توحد من خططها المستقبلية أو على الأقل أن تتعاون فيما بينها خلال أى استحقاقات انتخابية مقبلة أو لمواجهة أى تحديات سياسية طارئة.
5 ـ تعالى وعدم ميل العديد من الشخصيات والقوى السياسية للعمل المشترك:
فى المراحل الحرجة والحساسة، قد لا نملك كثيراً ترف القبول أو الرفض، لأن التجرد وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة الوطن يجب أن يعلو فى هذه المرحلة على أى مصلحة شخصية أو حتى خلاف أيدلوجى، وللأسف الشديد، فإن الكثيرين لم يقبلوا أثناء المرحلة الانتقالية تحمل المسئولية، ورفضوا قبول المناصب المختلفة.
بعضهم رفض التحالف مع التيار الإسلامى حتى لا يقال مستقبلاً أنه تحالف مع الإخوان وشارك فى مشروعهم، وبعضهم رفض أن يكون وزيرًا فى حكومة عصام شرف التى جاء رئيسها من قلب الميدان، خوفًا من أن يُحرق سياسياً فى مرحلة متقلبة، ونفس الأمر ينطبق فى تعاملهم مع حكومة الجنزورى، خاصة بعد أن علا سقف الطموحات لأقصى الدرجات بعد الثورة، وأصبح الذين كانت قمة طموحاتهم أن يصبحوا وزراء فى سن الستين يرفضون الوزارة فى سن الأربعين، لأن طموحاتهم صارت تتجاوز منصب الوزير بمراحل!!.
ومع أن الطموح ليس عيبًا ولا يُلام عليه صاحبه، إلا أن الخطورة تتمثل فى خطورة التنصل من المسئولية وتغليب المصلحة الخاصة على العامة فى هذه المرحلة، فلو رفض أهل الكفاءة التكليف والمنصب فسيذهب لغير أهله أو على الأقل إلى من لا يحمل فكر ثورة 25 يناير ويسعى لتحقيق أهدافها، ووقتها لا يجب أن نلوم إلا أنفسنا، ولا يجب أن نقول إن الثورة لا تحكم ما دام من صنعوا الثورة ودعموها يتعاملون مع مرحلة حرجة وحاسمة بمثل هذا الترف، مع أن الأمور كان يمكن أن تنقلب رأسًا على عقب فى أى لحظة ويخسرون كل شىء.
6 ـ التأخر فى تدشين وإقرار مواد العزل السياسى:
كاد أن يؤدى عدم إقرار مواد العزل السياسى إلى كارثة على الثورة بأكملها، إذا ما وصل مرشحو النظام البائد للحكم، فعلى الرغم من أن الحديث عن عزل رموز النظام القديم بدأ حتى قبل الانتخابات البرلمانية، إلا أنه لم يتم العمل من أجل تدشينه بشكل ملح إلا مع قرار عمر سليمان وأحمد شفيق بخوض الانتخابات الرئاسية، وجاءت صياغة المواد الخاصة بالعزل الدستورى، لتزيد الطين بلة، إذ بدا كأسير للمواءمات السياسية، ليعزل بعض رموز نظام مبارك ويتجاهل البعض الآخر.
وهنا من المهم توضيح أمرين، إذ عارض البعض "العزل السياسى" بمبرر أنه "سيؤدى إلى عزل فئة من المجتمع، وهو ما لا يستقيم، مع مبادئ الثورة، وهذا القول مردود عليه لأننا حين طالبنا بإقرار قانون العزل، لم يكن الهدف إقصاء 2 أو 3 ملايين عضو فى الحزب الوطنى أو فى الدائرة المرتبطة به، ولكننا طالبنا فقط بعزل قيادات ورموز الحزب وقيادات بعض أجهزة ومؤسسات الدولة التى شاركت فى إفساد الحياة السياسية وتخريب الوطن وهو عدد لا يمثل سوى آلاف أن لم يكن مئات الأشخاص.
الأمر الثانى، وهو أن بعض من عارضوا أو حتى تحفظوا على هذا القرار، كان مبررهم هو رفض الوصاية وترك الشعب يختار، ولا جدال فى أهمية ترسيخ واحترام هذا المبدأ، ولكن فى وقت استثنائى، وفى مرحلة أعقبت ثورة أطاحت بنظام فاسد، لا يمكن أن يُترك رموزه وأركانه بدون عزل، لأنهم بحكم مناصبهم وتغلغلهم فى مفاصل الدولة وعلاقاتهم بكافة أجهزة الدولة يمكن أن يستغلوا ذلك، فى إعادة إنتاج نظامهم القديم أو فى إثارة الفوضى والتخريب والنخر فى بناء الدولة الجديدة.
7 ـ عدم تحالف مرشحى التيار الثورى فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية ومقاطعة جولة الإعادة:
على الرغم من هزيمة النظام القديم ومرشحيه فى انتخابات الرئاسة، إلا أنه بقراءة النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية فى جولتها الأولى، يتبين لنا مدى تفتيت الأصوات الحادث بسبب عدم التحالف بين مرشحى نفس المعسكر، إذ حصل حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح مجتمعين على ما يقرب من 9 ملايين صوت، كانت تضمن لهم خوض جولة الإعادة بسهولة، فإذا ما أضفنا إلى هذا الرقم الـ 5.76 ملايين صوت التى حصل عليها د. محمد مرسى وتحالف الثلاثة (مرسى وأبو الفتوح وحمدين) فى فريق واحد باعتبارهم رغم خلافتهم الأيدلوجية ينضمون لمعسكر التغيير (فى مواجهة معسكر نظام مبارك) لحققوا فوزًا كبيرًا ومن الجولة الأولى لحصولهم على 14.650 مليوناً من إجمالى عدد الأصوات الصحيحة أى بنسبة 63%.
وإذا كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح قد أدرك هذا الخطأ واستوعبه بعد انتهاء الجولة الأولى بتغليبه للمصلحة العامة فى جولة الإعادة ودعمه للدكتور محمد مرسى، إلا أن المرشحين الآخرين كرروا نفس الخطأ وأعلنوا مقاطعتهم للانتخابات، بمبرر أنهم يرفضون مشروعى محمد مرسى وأحمد شفيق، ومع احترامنا لهذا الرأى، إلا أن مصلحة البلاد والثورة التى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من انتكاسة خطيرة والمرحلة الحرجة التى كانت تمر بها مصر فى ذلك التوقيت، كلها أمور كانت تتطلب أولاً منع النظام القديم من العودة، والانتصار للثورة والتغيير، خاصة أنه من السذاجة أن نعتقد أنه لو عاد النظام القديم كانت ستُجرى انتخابات رئاسية نزيهة بعد أربع سنوات، وبمعنى آخر، فإن تلك المقاطعة التى كانت تصب واقعياً لصالح شفيق، لو كانت تسببت فى عودة النظام القديم للحكم، لكان التيار المقاطع للانتخابات أحد أهم الخاسرين لأننا سنكون قضينا على ثورة 25 يناير بأكملها، ولعاد نظام مبارك، بانتخاباته معروفة النتيجة سلفًا.
8 ـ تأخر جماعة الإخوان فى إعلان تعهداتها للقوى السياسية بعد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة:
فى الاجتماع الذى انبثقت عنه ما سميت بالجبهة الوطنية، قبيل ساعات من إعلان نتيجة جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، تم الاتفاق مع الدكتور محمد مرسى والقوى السياسية على عدد من النقاط، منها أن يكون رئيس الوزراء شخصية مستقلة وأن يضم الفريق الرئاسى الذى يشكله الدكتور مرسى ممثلين عن الأقباط والمرأة والشباب.
والخطأ السياسى فيما حدث هو التردد فى اتخاذ تلك القرارات الحاسمة والمهمة وتأخر الإعلان عنها إلى ما بعد انتهاء التصويت وإغلاق صناديق الانتخابات فى جولة الإعادة، فطوال معركة الانتخابات الرئاسية وأثناء جولة الإعادة، ألح الكثيرون على الدكتور محمد مرسى وعلى قيادات الحرية والعدالة فى السؤال حول هوية وانتماء رئيس الوزراء القادم، وكانت الإجابة أنه "ليس بالضرورة أن يكون من الإخوان"، وهو ما كان يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما فيها أن يكون رئيس الوزراء من الإخوان.
والسؤال الذى يطرح نفسه إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين لديها النية والاستعداد لأن يكون رئيس الوزراء شخصية مستقلة ألم يكن من الأولى الإعلان عن ذلك قبل بدء التصويت فى جولة الإعادة لحشد الجماهير وكسب ثقة قطاع مهم كان يعارض فكرة الاستحواذ بدلاً من دخول جولة الإعادة فى مناخ ملبد بالشكوك والتخوفات والاستقطابات.
إن الدرس المستفاد من ذلك، هو أنه إذا كان يمكننا اتخاذ قرارات مهمة وتعهدات مطمئنة حتى لو كانت تحتوى على تنازلات، فإنه يجب الإعلان عنها فى التوقيت المناسب، لأن اتخاذها بعد فوات الأوان إما أن يقلل من المكاسب التى كان يمكن أن تحققها، وإما أنها ستكون عديمة الأهمية، لأنها قد تأتى بعد فوات الأوان، ولنا أن نتخيل ما كان سيجنيه الإعلان عن تلك التعهدات قبل بدء جولة الإعادة من طمأنة للعديد من القوى السياسية ومن ثم حصول الدكتور مرسى على نسبة تصويت أعلى بدلا من نتيجة التصويت المتقاربة التى جعلتنا نحبس أنفاسنا حتى اللحظة الأخيرة.
9 ـ انسياق بعض القوى السياسية وراء خديعة الدولة الدينية فى مقابل المدنية:
إن أحد أسباب نجاح ثورة 25 يناير هو تحالف ووحدة القوى السياسية المهمة ضد نظام مبارك، وهذا ما أدركته فلول النظام المتضررة من قيام 25 يناير، إذ سعت لشق الصفوف بالعديد من الأساليب والخدع والأكاذيب، ومن ضمن ذلك، الترويج قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية لوهم "الدولة الدينية" والإدعاء كذبًا بأن الصراع القائم هو بين الدولة الدينية والدولة المدنية مع أن حقيقة الصراع التى كان من المفترض أن تكون جلية للجميع هو أن "الصراع بين الثورة والنظام القديم"، ولكن للأسف وقع الكثير من الثوريين والليبراليين، وجزء من النخبة بل ومن البسطاء فى الفخ، إذ أيد بعضهم مرشحى الفلول، على اعتبار أن هؤلاء فى نظرهم يمثلون الدولة المدنية، مع أن ذلك ليس صحيحًا بالمرة.
10 ـ عدم التعاون مع الرئيس والتعويل على إقامة انتخابات رئاسية مبكرة:
بعد حل مجلس الشعب، وبعد الإعلان الدستورى المكمل، كان ينبغى أن ندرك أننا قد نعود لنقطة الصفر، بجرة قلم، وأن كل المكتسبات التى تحققت، عقب ثورة 25 يناير، مهددة بالضياع، وأن الحل الأمثل لمنع ذلك، هو دعم الرئيس الذى جاء بإرادة الجماهير، وبأغلبية شعبية، ولكن ما حدث هو أن العديد من القوى السياسية، ما زالت تسعى لإفشال أول رئيس مدنى منتخب وإسقاطه.
إن خطورة السعى لتقويض الرئيس ـ فضلا عن أنها نظرة أنانية وانتهازية ـ تتمثل فى أنها ستقضى على واحدة من أهم قواعد الديمقراطية، وهى احترام إرادة الأغلبية وصندوق الانتخابات، كما ستؤدى إلى القضاء على الجهود الساعية للبناء، وتجعلنا متفرغين فقط للهدم والنقد غير البناء، وهو ما يقوض الحكم المدنى، ويدخل البلاد دوامة من الفوضى، تخسر فيها كل التيارات، لا فرق فى ذلك بين تيار ليبرالى وعلمانى وإسلامى.
بعد مرور 19 شهرا على إسقاط مبارك.. دراسة ترصد 10 أخطاء للقوى السياسية بالمرحلة الانتقالية أهمها "الصراع بين الميدان والبرلمان وعدم التعاون مع مرسى".. وتدعو إلى الاستفادة من الدروس لبناء "مصر الجديدة"
الأربعاء، 26 سبتمبر 2012 06:20 ص
الباحث والمحلل السياسى مشهور إبراهيم أحمد
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وطنى
ليت قومى يعلمون
عدد الردود 0
بواسطة:
وطنى
ليت قومى يعلمون
عدد الردود 0
بواسطة:
شيماء
لافض فوهك استاذنا الفاضل
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس محمود سعيد
دراسة علمية وعملية تبرز الواقع بجلاء
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن موسى السعيد فرج
ربنا يوفقك