تعرفهم من وجوههم اليائسة ومطالبهم التى جمعتهم -أحيانا- تحت لافتة واحدة إنهم من يطلق عليهم "العمالة المؤقتة" الذين لم نر اعتصاما أو وقفة احتجاجية سواء قبل أو بعد ثورة يناير، إلا وكانوا عنصرا مشتركا بها.
إنهم يسخرون من تصريحات المسؤولين التى تصف مطالبهم بـ"الفئوية"، يتعجبون من انتقاد رؤسائهم لسعيهم فى الحصول على حياة كريمة أسوة بغيرهم من حيث التمتع بالرعاية الصحية والإجازات الرسمية أو حتى توفير وسائل نقل تقلهم إلى أماكن عملهم البعيدة، خاصة أن النقود القليلة التى يتقاضونها فى عملهم بـ"اليومية" أو فى إطار عقود مؤقتة تكفى احتياجاتهم الضرورية بالكاد وربما لا تكفى.
أحلام ما يقرب من 350 ألف عامل مؤقت بالجهاز الإدارى للدولة، تدفعهم للمشاركة بالمئات فى مظاهرات واعتصامات للمطالبة بإدراجهم على قوائم العمالة المثبتة والتأمين على حياتهم كغيرهم من العاملين بالدولة، خاصة بعدما جاءت تصريحات المسؤولين مطمئنة لهم إلى حد كبير فى شهر مايو الماضى ووعدتهم بالسعى لاتخاذ إجراءات تضمن لهم الاستقرار وتوفيق أوضاعهم الوظيفية بما يحل المشكلة التى باتت تؤرق بالهم على المدى القصير والطويل وعجزت أمامها الأجهزة الحكومية طوال السنوات الماضية فى عهد مبارك.
لكن التصريحات ظلت وعودا، وحتى وقتنا هذا مازال بعضهم يفترش رصيف مجلس الشعب الذى ناقش قبل حله بفترة قصيرة -عبر لجنة القوى العاملة- تعديل الفقرة الثانية من المادة 23 بالقانون 47 "قانون العاملين المدنيين فى الدولة" بما يؤكد حق المؤقت فى التثبيت بعد مضى 6 أشهر من نقله على الباب الأول "أجور"، أو قضائه ثلاث سنوات فى الوظيفة ومازالوا أيضا يصطفون أمام مقر مجلس الوزراء من قطاعات ومؤسسات وهيئات مختلفة بحثا عن سبل تنفيذ ما يحلمون به.
فى السطور التالية "اليوم السابع" تسلط الضوء على أحلام ومعاناة مجموعة من العاملين المؤقتين الذين لا يرغبون فى شىء سوى أن يعيشوا حياة آمنة لا يحملون فيها هم تدبير مصروفات طعام وشراب اليوم التالى أو تكاليف العلاج ونفقات مدارس أطفالهم.
"نفسى أطلع رسام" كان هذا حلم محمد خضر الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره إجابته عندما يبادر أى شخص بسؤاله عن حلمه فى الكبر والمجال الذى يرغب أن يسلكه.
بالفعل حقق خضر الحلم لكن بشكل مختلف فبدلا من أن يكون له معارضه ولوحاته الخاصة قرر أن ينقل موهبته للأطفال فعمل بإحدى المدارس الابتدائية التابعة لإدارة منطقة العجوزة التعليمية.. كان ذلك منذ ثلاث سنوات لم يتقاض فيها سوى 657 جنيها شهريا -تحت بند العقد المؤقت الذى يتجدد مع كل موسم دراسى بزيادة لا تتجاوز الخمسين جنيها- يقول: عندما رأيت المبالغ الزهيدة التى تمنحها لنا وزارة التربية والتعليم قررت أن أتجه للعمل فى استوديو تصوير لأستطيع سد احتياجاتى، فأنا كأى شاب أريد أن أتزوج لكن هذا الحلم مازال بينى وبينه مسافات طويلة وكل ما أتمناه الآن هو أن تنظر لنا الحكومة بعين الرحمة وتسعى لتثبيتنا فى أسرع وقت حتى لا يضيع مستقبلنا أكثر من ذلك.
الدكتور محمد زهران، نقيب المعلمين بمنطقة المطرية المتضامن مع المعتصمين أمام مجلس الوزراء، قال إن هناك نحو 8 أنواع من العقود المؤقتة فى وزارة التربية والتعليم منها ما يسمى بالعقد المميز والعادى، مجلس الأمناء، صناديق خاصة، وعقد الـ%10 من نسبة الكتب وعقد الحصة والمكافأة الشاملة، وجميعها يبدأ راتبها من 110 جنيهات فقط وتصل إلى 500 و600 جنيه وهذه العقود يتم تجديدها بشكل موسمى أى مع نهاية كل عام دراسى وفق شروط تحددها المديرية التعليمية، ويتابع: تثبيت العاملين المؤقتين يشترط خوض امتحانات الكادر والحصول على دبلومة فى مجال التربية ودورة "ICDL" ورغم أن بعض العاملين فى مواقعهم منذ 8 سنوات لم يتم تثبيتهم وهذه مأساة فلا يعقل فى وقتنا هذا أن يصل أجر المدرس فى الحصة الواحدة 2 جنيه.
"محمود سليمان" واحد من بين 4700 عامل تابع لهيئة التجمعات العمرانية بمدينة 6 أكتوبر، لا تتوقف شكواهم من الراتب الزهيد الذى يتقاضونه يوميا.. يبلغ من العمر 45 عاما يعمل فى قطاع التشجير التابع للهيئة منذ 3 سنوات ينام ويستيقظ يوميا على وعود المسؤولين بتثبيته فى أقرب وقت لكنها تبقى وعودا ويقول: عندما جاءت الثورة ظننا أن كل شىء سيتغير وأن الحال سينصلح وطالبنا بزيادة اليومية التى لا تتجاوز 30 جنيها أو التعاقد معنا وسمعنا كثيرا من الوعود بزيادة اليومية لكن لم يحدث أى شىء رغم أننا وفرنا للهيئة عمالة كثيرة تقوم بمهام التجميل والتشجير بدلا من الشركات التى كان يتم الاتفاق معها وتكلف الهيئة الكثير من الأموال، وما نتمناه هو أن يصل صوتنا للمسؤولين ويشعروا بنا، فلا يعقل أن أتقاضى 30 جنيها فى اليوم أنفق منها 10 على المواصلات، حيث أسكن بالشرقية وأعمل فى 6 أكتوبر إضافة إلى 600 جنيه أدفعهم شهريا لإيجار مسكنى. "يا ماما عايز أخد درس خصوصى".. هكذا قال "محمد" لأمه "أشجان عيسى" مع بداية الفصل الدراسى فردت عليه "أجيب منين يا ابنى العين بصيرة والإيد قصيرة.. اصبر هانت بكرة أتعين والحال يتصلح"..
أشجان ذات الثمانية والأربعين عاما، تعمل فى إدارة المخازن بمركز البحوث الزراعية منذ 14 عاما وتتقاضى 170 جنيها فقط وتقول: عندما بدأت العمل فى المركز كنت أتقاضى 70 جنيها، وشكونا كثيرا من ضآلة هذا المبلغ فتم زيادته لـ170 جنيها، وعندما قامت الثورة وبدأت معظم القطاعات فى تثبيت العمالة المؤقتة لديها، ظننا أن نفس الشىء سيحدث معنا لكن ذلك لم يحدث.
170 جنيها فقط لا غير هو دخل أشجان التى لم تفكر فى البحث عن مصدر دخل إضافى لانشغالها برعاية أبنائها وزوجها الذى يعمل معها فى ذات المكان لكن لا يتفوق راتبه عليها، تضيف: "الوضع صعب للغاية وكل ما أتمناه تثبيتى.. نفسى ما حرمش أولادى من أى شىء يحتاجوه".
"العمل فى قطاع البترول حلم كل الشباب حيث يكفى أن تنطق أمام غيرك بأنك تعمل فيه كى يعتقد أنك من الأثرياء"، لكن هذا الاعتقاد يتبدد إذا ما استمعت إلى أحمد بهى الدين، ذى الأربعة والعشرين عاما، والذى ترك مجال الإعلام -محل دراسته- واتجه للعمل فى القطاع الإدارى التابع لإحدى شركات البترول الكبرى، ليفاجأ بتقاضيه أقل من أربعين جنيها يوميا.
يقول "بهى الدين": تقدمت للعمل فى المكتب الإعلامى بإحدى شركات البترول الكبرى لكن هذه الشركة وزعتنى برفقة مجموعة من زملائى على إحدى شركات الإنتاج، وفيها التحقت بالقطاع الإدارى وظننت فى البداية أن الحال سيكون أفضل من العمل فى أى قطاع آخر بعدما سمعت معاناة زملائى العاملين فى مجالات مختلفة لكنى وجدت أن حالى لا يفرق كثيرا عنهم.
وتابع: أعمل 15 يوما فقط فى الشهر بمنطقة البحر الأحمر، ويعمل زميل بقية الشهر وأتقاضى ما يقرب من 750 جنيها شهريا وإذا اضطررت لأخذ إجازة لا أحاسب عليها، ونظرا لقلة الراتب أطلب من اخى الذى يعمل فى إحدى دول الخليج أن يرسل لى نقودا كى أستطيع استكمال بقية الشهر وتلبية احتياجاتى فيندهش ويقول لى "إزاى محتاج فلوس.. انت مش شغال فى البترول".. بالطبع أخى لا يعلم شيئا عن حجم معاناتى.
بهى الدين يتساءل دائما: لماذا لا يتم النظر فى طلباتنا؟ هل لأننا ليس على قوة الشركة الجديدة ومجرد عاملين جاءوا إليها من شركة أخرى؟ وهل زميلى "المثبت" الذى يتقاضى 4000 جنيه ويقوم بنصف ما أقوم به أفضل منى؟.. لكن على رأى المثل الشعبى "رضينا بالهم والهم مش راضى بينا" قال بهى الدين إنه مهدد وغيره من المهمشين بالطرد من الشركة فى أى وقت.
الدكتور صفوت النحاس، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة قال فى تصريحات سابقة لـ"اليوم السابع"، إن الجهاز خاطب وحدات الجهاز الإدارى للدولة، لإرسال بيانات %50 من العاملين على الأبواب الأخرى غير "الأول"، للبدء فى تعيينهم بالعام المالى 2012/2013 ولفت إلى أن الجهاز شكل لجنة بالتعاون مع وزارة المالية، لبحث أوضاع العاملين فى الوحدات ذات الطبيعة الخاصة والصناديق الخاصة، لوضع شروط وأولويات التعيين على الباب الأول، تمهيداً لتوفير الاعتمادات المالية لهم خلال العام المالى الحالى.
"العمالة المؤقتة".. مشكلة عجز عن حلها نظام "المخلوع" وتنتظر تنفيذ وعود حكومة الثورة.. 350ألف موظف بالجهاز الإدارى ينتظرون "التثبيت".. و"التنظيم والإدارة" يدرس تعيين نصفهم
الأربعاء، 26 سبتمبر 2012 10:11 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ريهام مدحت احمد
هههههههههههههههههههههه
كلااااااااام ابن عم حديييت
عدد الردود 0
بواسطة:
shs
ماهو مصير الناس اللى مضوا عقود تعين فى 2010
ماهو مصير الناس اللى مضوا عقود تعين فى 2010
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامه سامى
وزاره التربيه والتعليم