أرسلت (م. أ) إلى افتح قلبك تقول:
أنا شابة عمرى 25 سنة, خريجة كلية نظرية, وأعمل فى مجال محترم والحمد لله, ابتلانى الله منذ صغرى بمرض (شلل الأطفال), ولكنه لم يشمل جسمى كله, إنما كان تأثيره على النصف الأيمن فقط, مما أثر على طريقتى فى المشى, التى هى إلى حد كبير طبيعية لكن طبعا يشوبها المرض.
كنت قد هيأت نفسى أنى لن أحب ولن أتزوج, ولن أستطيع أن أعيش الحياة كأى فتاة طبيعية, وحتى وإن تزوجت فكنت معتقدة أنى سأتزوج زواج تقليدى بكل تأكيد, أكون فيه مسئولة عن بيت ورجل, وكنت سأحاول أن أرضى الله فيه وحسب, أما العواطف والمشاعر كنت قد أخرجتها من قاموسى.
ولكنى فوجئت بشخص ما ظهر فى حياتى, أحبنى, وأنا أيضا أحببته جدا, تقدم لخطبتى وقابله أخى الأكبر, واتفقا وأنا الآن مخطوبة إليه, ولن تصدقى يا دكتورة ما أشعر به الآن, خائفة ومرتبكة وقلقة إلى أبعد الحدود, لا أعرف إذا كان عرف مرضى بالتحديد أم لا, لأنى لم أجلس معه هو وأخى أثناء الاتفاق, ولا أدرى هل سأستطيع أن أتزوجه أم لا, أحيانا كثيرة أشعر بأنى أريده أن يتركنى ويرتبط بأخرى سليمة معافاة, فما ذنبه هو فى أن يرتبط بى؟
قد تتعجبين من كلامى, ولكنى فى مشكلة حقيقية, أشعر بأنى فى كابوس, أعلم أن الله منحنى هدية كبيرة وهى خطيبى المحب, ولكنى خائفة لا أعرف إذا كنت سأقدر عليها أم لا؟
وإلى (م) أقول:
أولا أعانك الله وثبتك وزادك صبرا ورضا, جميل منك أنك قلتى فى بداية رسالتك أن الله قد ابتلاكى بكذا, ولكن الأجمل أن تستحضرى دوما فى ذهنك (أن الله إذا أحب قوما ابتلاهم), وأن تتذكرى دائما أنه ما ابتلاكى إلا ليرفع قدرك ويعظم أجرك, عندما تصبرين صبرا جميلا, فرزقك الله الصبر والاحتمال.
ولكن الله لطيف بعبادة أيضا, قد يكون حرمك من شىء ما موجود لدى الآخرين, لكنه أراد أن يكافئك بآخر لا يجده إلا قليلون, ألا وهو الحب والود, و شريك الحياة المحب المتفهم, أفبدلا من أن تفرحى وتهنأى وتطمئنى, تخافى وتقلقى وتنقلب حياتك إلى كابوس كما تقولين؟
سبحان الله.. كم أنت معقد أيها الإنسان!
لماذا تتعاملين مع نفسك بهذه القسوة؟ لماذا قررتى_ مسبقا_ أن تجردى حياتك من كل عاطفة, وأن تحرمى نفسك من كل مشاعر لمجرد أنك مريضه؟ قد أتفهم أنك فكرتى فى ذلك من قبل كنوع من أنواع الدفاع عن نفسك, بأن تجنبيها الدخول فى أى تجربة , ثم الشعور بالخيبة والفشل بعد ذلك, أعرف أنك كنت تقين نفسك من الإحساس بالرفض والإهانة, وكنت تبعدين نفسك عن أى تجربة ولو فى خيالك حتى تنئين بها عن أى ألم.. أفهم ذلك, ولا ألومك عليه, لكن هذا كان فى الماضى, حينما كنتى بمفردك فى هذه الحياة, أما الآن وها قد جاء من يخيب لك كل هذه الظنون السيئة, ويؤكد لك أنه يريدك أنت, وأنك لن تكونى بمفردك مجددا, فلماذا الخوف والرفض؟, لماذا تبخلين على نفسك بأن تسعدى به, وأن تحمدى الله على هديته كما تقولين؟
أرى أنك شخصية حساسة جدا, ومن فرط حساسيتك تحاولين أن تبدين قاسية, حتى لا يستضعفك أحد ولا يجرحك أحد, لكنك أول ما قسوتى قسوتى على نفسك, وهى قسوة فى غير محلها, اسمحى لنفسك أن تفرح وأن تحب وأن تعيش, من المؤكد أن الرجل يعرف أنك مريضة, لأنك تقولين أن ذلك يبدو على مشيتك, وسواء كان يعرف ما هو المرض أولا, لكنه يعرف, اسألى أخوكى ما إذا كان أخبره بنوع المرض أم لا, وإن لم يكن أخبره فأخبريه أنت, ولكنى متأكدة أن هذا لن يغير فى الأمر شيئا, لأن الرجل قبل بك, وأحبك, وأقدم على دخول بيتكم, وخطبك, أتريدين أدلة أكثر من ذلك؟
نقطة أخرى أريد أن أحدثك فيها, لتكن ثقتك فى نفسك أكبر من ذلك, فأنت قد تكونين مريضة فى قدمك أو فى يدك أو فى نصف جسدك, لكنك صحيحة العقل والقلب, إنسانة قادرة على التفكير والعطاء والإنتاج والإبداع والعمل, وقادرة على الحب والحنان والاهتمام والرعاية, إذا ماذا تفتقدين لتمارسى دورك فى الحياة كامرأة كاملة؟, أذكر أنه أثناء دراستى الجامعية كان هناك دكتور محترم جدا ومحبوب جدا, يدرس لنا إحدى المواد العملية الصعبة, وكان متمكن من مادته العلمية, ومتميز فى علاقته الإنسانية بنا كطلبة, وكان زوجا وأبا, وأصبح أحد أولاده زميلا لنا فى الكلية فيما بعد, والمفاجأة أن هذا الدكتور كان مصابا بشلل الأطفال أيضا, وكان يمشى بطريقة غير سليمة, لكنه كان دائما فى نظرنا شخصا كاملا مرفوع القامة والهامة.
وعلى الجانب الآخر هناك الكثير من المرضى بأمراض أكثر خطورة من مرضك, ولا يظهر ذلك على أجسامهم إطلاقا, كالأمراض النفسية, وأمراض المناعة, وأمراض الدم, والسرطان, والكبد و و و...الخ, أيكما أفضل حالا؟, بكل تأكيد أنت, فعلى الأقل حالتك أنت ثابتة ومعروفة, واستطعتى التعايش معها والتأقلم عليها, والسيطرة عليها طبيا ونفسيا, ولا تمنعك من الزواج أو الحمل والإنجاب, على عكس كثير من هؤلاء المرضى (الكاملين ظاهريا) .
أما عن خطيبك فلماذا كل هذا الرثاء له؟, ألم يكن ممكنا أن يتزوج إنسانة عادية, سليمة, جميلة ورشيقة, ولكنها تكرهه؟ أو تسىء معاملته؟, أو تخونه؟, أو لا تنجب له؟, أو تنغص عليه حياته بأى طريقة كانت؟.. القصص كثيرة والأمثلة لا تعد ولا تحصى, هل تعتقدين أنه سيكون سعيدا وقتها؟, هل تظنين أنه سيكون محظوظا حقا بأنه تزوج تلك السليمة المعافاة وتركك أنت؟
ومن ناحية أخرى من منا يضمن لنفسه أو لشريك حياته _ وقد تزوجا سليمان_ ألا يمرض فى المستقبل؟, كيف سيكون الوضع حينها؟, هل ستنهدم الحياة؟, هل سيتوقف الطرف المريض عن ممارسة كل أدواره؟, هل سيهرب الطرف الآخر؟...فى الأحوال الطبيعية لا يحدث أيا من هذا, لأننا كبشر نسير إلى أقدارنا لا نستطيع أن نبتعد عنها أو أن نغيرها, وإنما فقط نتقبلها ونتعايش معها.
هونى على نفسك يا عزيزتى, ثقى بنفسك, وقدريها حق قدرها, فأنت مريضة نعم, لكنك قد تكونين أفضل من أى زوجة عادية بالنسبة لخطيبك, وقد تكونين الأقدر على فهمه, وإراحته, وإسعاده, وتربية أبنائه.. اسمعى منى يجب أن تغيرى نظرتك إلى نفسك من الآن فصاعدا, فأنت إنسانة طبيعية وكاملة, لا ينقصك سوى أن تؤمنى أنت نفسك بذلك.
للتواصل مع د. هبة وافتح قلبك:
h.yasien@youm7.com
(افتح قلبك مع د. هبة يس).. عندما نقسو على أنفسنا
الأربعاء، 26 سبتمبر 2012 04:18 م
د. هبة يس خبيرة التنمية البشرية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
khaled
فعلا انتي قاسيع على نفسك جدا
فعلا انتي قاسيع على نفسك جدا يا صاحبة الرساله
عدد الردود 0
بواسطة:
ورده
يارب تتهني
اتمنى لك كل الهنا و السعاده
عدد الردود 0
بواسطة:
بنوته
احنا كده
عدد الردود 0
بواسطة:
مشمشاوية
جزاكي الله خيرا يا دكتورة
عدد الردود 0
بواسطة:
Mabsot
انا والدتي مثلك
عدد الردود 0
بواسطة:
شيماء
shimaa823@Yahoo.com