بعد ثورة كثيرة المشاركة..قليلة الدماء..متعددة الأعداء قبلها وأثنائها وبعدها ..ورغم قلة حيلة أنصارها الحقيقيين، وخفوت صوتهم فى مواجهة الآلة الإعلامية الفلولية الصاخبة، إلا أن الشعب المصرى لا يزال يلهمنا ، ولا يزال يحمى ثورته، وفاجأنا كعادته بما يبهرنا و يبهر سائر شعوب المحروسة .
فحين كتب أحد الأدباء المصريين المشهورين قبل الثورة بشهور كتابا سمّاه ( لماذا لا يثور المصريين ؟؟) كى يؤصل لنا أننا شعب يستحيل أن يثور لأسباب كثيرة، أسقطها من مخيلته إلى كتابه.
وكذلك حين علق أبرز نجوم الليبرالية فى مصر بعد ثورة تونس مباشرة باستحالة حدوث ذلك فى مصر لأن الشعب المصرى أقل تعليما ... وعلمانية من الشعب التونسى _ ولكن شعبنا خيب ظن النخبة المصطنعة ، بل فاجأ شبابه الحر الذى دعاه للثورة على الظالمين يوم 25 يناير ، فنزل الشعب كله بالملايين يوم جمعة الغضب 28 يناير فى مشهد مهيب أذهل الجميع ، نزل فى كل ميادين مصر ، وأطاح بالدولة البوليسية فى ساعات قليلة فى كل محافظات مصر ، فى سابقة لا أظنها حدثت فى أى ثورة فى العالم .
وكذلك لا ننسى حين راهن الحاقدون على قدرة رجال امن الدولة السابقين، وفاسدى الحزب الوطنى ، ورجال أعماله المنتفعين الناهبين لمقدرات وطننا ، وكلهم يستخدمون اعلام كاذب ملفق يحق الباطل ، ويبطل الحق ، وانهار من المال الحرام ... يسعون جميعا لتجميل و تسويق أقبح رموز النظام السابق فى الانتخابات الرئاسية .. وفى الوقت ذاته يشوهون رجلا من أبرز المقاومين للنظام السابق هو وجماعته مهما اختلفنا أو اتفقنا مع مواقفها السياسية ..وكانوا من أهم المشاركين فى نجاح ثورة يناير، ولا ينكر هذا إلا جاهلا أو حاقدا ، واستمرت آلة الشائعات المخابراتية – كما فضحهم السياسى المعارض للإخوان عبدالحليم قنديل - والتضليل الإعلامى، و الرشاوى الانتخابية الهائلة حتى ظننا وظنوا أنهم سيسرقون ثورتنا، كما سرقوا وشوهوا عقول الكثير من اهالينا الطيبين وظننا أن مسخهم سيفوز وسينخدع شعبنا ، ففاجأنا هذا الشعب بأنه أذكى بكثير من الجميع ، وانتخب رئيسه من الميدان ، سانده حتى وصل للقصر الرئاسى ... بل دعمه وهتف له و افتخر به حين استرد صلاحياته .. و أنهى حكم 60 سنة من الديكتاتورية العسكرية المقيتة .
السؤال الآن ما علاقة ما سلف من المقال بعنوانه المثير نسبيا للابتسام ....؟؟
حين اتذكر كل ما سبق وهو قليل من كثير، أرى شعبا قويا أطاح بأكبر رأس فى الدولة..ثم أطاح برموزه الفاسدين من حكومة ورجال أعمال وبرلمانيين مزورين، وجمعهم فى طره ، بل واستطاع أن يطيح بالصف الثانى من الفلول فأحالهم إلى التقاعد، أو شتتهم فى البلاد ، حتى سمعنا أنهم ذهبوا يعتمرون بدبى، ويحجّون بامريكا، و يصلون القداس بلندن.
حقا -هذا الشعب برجاله ونسائه وشبابه - تمكنّوا تماما وقدروا على الحمار ، ورغم ذلك لا يكاد يرى الشعب أى تحسن فى حياته اليومية ..النظافة والخبز والوقود والمرور والأمن و .... والسبب واضح جدا لكل من له عين ترى ..السبب هو البردعة، نعم البردعة ، وبمعنى أدق ( الجهاز التنفيذى ) بالدولة.
رغم أن الجهاز التنفيذى وخاصة ( مديرى الإدارات داخل الوزارات ، والمحافظات، والمدن والهيئات ،...،..) فى كل دول العالم الحرة الديموقراطية لا يتبعوا حزبا أو فكرا أو جماعة محددة ..وانما هم أدوات محترفة متخصصة ، تنفذ خطط الحكام الذين يختارهم الشعب فى انتخابات نزيهة وحرة، كى يستطيع الشعب تقييم ومحاسبة من انتخبهم لرعاية مصالحه تقييما سليما.
ولكن فقط فى مصر ، استطاع مبارك وزبانيته السيطرة على مفاصل الدولة خلال الثلاثون عاما الماضية و استبدل اغلب تلك القيادات التنفيذية بمن هم أقل كفائة واكثر ولاءاً له و اكثر فسادا و نهما ... ولعلكم تذكرون كلمة السيد زكريا عزمى نفسه رئيس ديوانه حين قال فى البرلمان( الفساد فى المحليات للرُكَب )،
بل سارت الرشوة مقننة ومنتشرة لدرجة اننا كدنا نرى يافتة خلف الموظف مكتوب عليها ..( نحن لا نقبل إلا الرشوة المقررة فقط لا غير ) أو ( الشكك فى الرشوة ممنوع ) .. وأصبحت المحسوبية والوساطة جزء من القوانين واللوائح ، بل نادى بعضهم بالاعتصام حتى يجبروا المسئولون على توظيف ابناء العاملين فى نفس مؤسساتهم ، ووصل الأمر أن افتكسوا قانون ( ابناء العاملين ) الذى كان يريد مبارك تعيين ابنه رئيسا من بعده بموجبه .
ومن أمثلة ذلك أن نرى بأعيننا نائب محافظ يحض الباعة الجائلين والبلطجية للانتشار فى ميدانها والتضييق على الشعب الذى أسقط وسجن سيده وابن سيده ، وكذلك بعض قيادات الشرطة التى تسرّح البلطجية و تتعمد نشر الفوضى ، و تتثاقل فى القيام بواجبها الذى تتقاضى عليه أجرا ...سار منزوع الرشوة .. فقل كثيرا فى أعينهم .
ومسئولون بالحى يرون بأعينهم شركات جمع القمامة وهى تلقى بالقمامة فى الشوارع فتتستر عليهم، بل تشجعهم، والكثير، والكثير مما نراه باعيننا يوميا فى كل مكان .
رغم أن هذا السرطان المنتشر فى مفاصل الدولة أقل نفوذا وسطوة ممن سقطوا وسجنوا وهربوا من رموز ذلك النظام البائد ... ولكن عددهم فى الوقت ذاته يصل إلى عشرات الالاف من الفاسدين و المنتفعين و المرتشين ، وكى يصل اليهم الدور فى التطهير كما حدث فى قمة الدولة ... اظنه يستغرق وقتا ليس بالقليل .
لذا فالحل السريع الناجز من وجهة نظرى هو أن تتكاتف جميع القوى السياسية والمؤسسات المدنية فى كل مدينة أو قرية أو حى ولو مؤقتا، لرقابة وفضح المزورين و الفاسدين أولاً بأول، ويتعاونوا معا فى حل مشاكل ذلك الشعب العظيم كى يستحقوا شرف تمثيله.
أيها الشعب العظيم .. أيتها القوى السياسية والمدنية المتنافسة أحيانا والمتناحرة غالبا .. اتحدوا ضد فلوول الجهاز التنفيذى يرحمكم الله، اتحدوا كى لا تغرق بنا سفينة الثورة قبل الوصول لشاطيء الأمان بأمتار قليلة فنندم جميعا ، اتحدوا و لا تفسدوا حياتنا بسبب قرش ملح .
ثوار الميدان القدامى ...اتحدوا ولو مرة واحدة بعد تنحى المخلوع ، لنقضى على اسراب الجراد الفاسد ، كى لا يسخر منا التاريخ ، ويذكرنا متهكّما ... بأننا أول قوم قدروا على الحمار، ولم يقدروا على البردعة.
عماد الدسوقى يكتب: قدرنا على الحمار..ولسه مقدرناش على البردعة
الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012 07:12 م