قد نتفق أو نختلف حول كل الأحداث السياسية الدائرة فى مصر الآن، قد نتفق فى تنزيه بعض اللاعبين السياسيين عن الغرض، أو نتفق فى شيطنة بعضهم الآخر وصب اللعنات عليهم.. قد نتفق حتى حول ما إن كان ما حدث فى مصر فى العامين الماضيين يندرج تحت بند العمل الثورى أم لا.. ولكننى لا أظن أننا نختلف حول أن كل ما حدث هو جزء من تاريخ الوطن.. وأن توثيقه يعد صناعة لذاكرة الأمة، وأن توثيقه واجب على كل مصرى سواء كان معه أو ضده.. من هذا المبدأ أنطلق نحو تساؤل عن طمس جرافيتى شارع محمد محمود.. هل كان من أمر بذلك يعى ما أسلفت القول؟ إن كان لا يعى فتلك مصيبة وإن كان يعى فتلك جناية فى حق تاريخ الأمة.
لم يكن جرافيتى محمد محمود كتابة ليوميات الثورة كما يحلو للبعض أن يصفها، إنما كانت استلهاما لروح مصرية صميمة تسربت عبر التاريخ فى عروقنا لتتشربها الذهنية المصرية، وتتمثلها تمثيلا روحيا ووجدانيا يربط بين ما هو الفن المصرى القديم، وما هو الروح المصرية الحديثة.. وبقيت روح الفن المصرى القديم محفوظة فى ركنها البعيد داخل شخصية الفنان المصرى الحديث، ليبرزها من حين إلى آخر فى فنونه، لتصبح كالبصمة الوراثية، لا يشبهه فيها أحد، ولا ينازعه فى ميراثه منازع.. لتبقى طاهرة غير مهجنة ولا معرضة لدنس من فنون أخرى أو من ثقافة مختلفة.. كان جرافيتى محمد محمود هى البرهان على أن الفنان المصرى القديم حين غادر الدنيا ترك وراءه جيلا من الفنانين الذين استطاعوا عبر الزمن تناقل راية الفن المصرى القديم، من جيل إلى جيل، ليغرسوها فى قلب كل حدث سياسى واجتماعى مصرى، فتختلط دماؤه بألوانها، فينبت منها راية أخرى يحملها جيل آخر يحمل روح مصر ونهضتها.. جيل مستعد فى أى لحظة أن يستخرج من قلبه روح مصر الأصيلة.
الآن وقد ضاع جرافيتى محمد محمود، لم يبق لنا إلا أن نبحث عمن وثقها، وقد قام آلاف المصريين بتصويرها فوتوغرافياً.. ولكن - على حد ما أعلم- لم يقم أحد بتوثيقها توثيقا كاملا إلا الفنان أسامة بشرى الذى أمضى شهوراً كاملة فى ميدان التحرير فى أوقات كان دخول الميدان وفى يدك كاميرا، يعد مغامرة جنونية، فغالبا لن تخرج بالكاميرا، وربما لن تخرج أنت نفسك سالماً.. لقد اجتهد أسامة بشرى فى تصوير كل بوصة من جرافيتى التحرير تصويراً توثيقياً كاملاً، ثم عمل عليها بشكل فنى ليخرج منها مئات اللوحات الفنية، وضعها فى صور كان يعدها لمعرضه القادم فى شهر نوفمبر.. وكان الفنان أسامة بشرى يريد لهذا المعرض أن يكون خطوة أولى نحو انطلاقة للتوثيق الفنى لجرافيتى التحرير.. يعقبها معارض أخرى يقوم بها فنانون آخرون ليوثقوا تاريخ تلك اللوحات العظيمة، ففى النهاية ما يقوم به أسامة هو مجهود فردى غير مدعوم من أية جهة.
أما الآن وقد تم طمس جرافيتى التحرير، فإننى أدعو الدولة إلى دعم كل من وثق جرافيتى التحرير، أسامة بشرى وكل أقرانه من فنانى التصوير الفوتوغرافى.. أدعو وزارة الثقافة إلى دعم معرض أسامة بشرى القادم فى نوفمبر حول جرافيتى التحرير، أدعو هيئة التنشيط السياحى لاستخدامها فى تنشيط السياحة إلى مصر الثورة التى احترمها العالم وأراد دعمها.. أدعوا كل الشركات الكبرى لدعم سفر معرض جرافيتى محمد محمود ليجوب العالم حاملاً فنا مصريا جديداً يفتح بابا لفصل جديد فى تاريخ الفن المصرى العريق.. الآن وقد فقدنا أصل جرافيتى التحرير، أدعوكم لدعم كل من استطاع أن يوثق هذا الجزء من تاريخ مصر بعدسة كاميراته.. فلدينا هنا الآن فريق من أبناء الفراعنة الذين آمنوا بمصر وفنها يحاول أن يحفظها وتاريخها.. إنهم الفنان أسامة بشرى ورفاقه.
طه أمين يكتب: توثيق جرافيتى التحرير.. أٰسامة بشرى ورفاقه
الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012 05:06 م
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة