بعد انتهاء فعاليات الدورة الـ28 لمهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، كشف رئيس المهرجان د. وليد سيف عن إيجابيات وسلبيات الدورة الماضية، حيث أكد أن المهرجان شهد وجودا قويا لأفلام مميزة وأن الندوات أقيمت فى موعدها وشهدت حضورا مكثفا، كما أن الدورة أقيمت فى ظل ظروف صعبة ونجح فريق عمل المهرجان فى التغلب على الصعاب التى واجهتهم، كما أشار رئيس المهرجان إلى أن هناك أخطاء وقعت فيها إدارة المهرجان.
وقال د. وليد على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك: بانتهاء فعاليات الدورة الثامنة والعشرين من مهرجان الإسكندرية فى نهاية الأسبوع الماضى اكتملت بالنسبة لى دسته كاملة متصلة من الدورات التى حضرتها أوشاركت فيها من هذا المهرجان منذ عام 2000.
وتنوعت أسباب حرصى على حضور المهرجان طوال هذه السنوات سواء كمشاهد أوناقد أومشارك فى بعض اللجان أوالمطبوعات أوكمسئول عن بعض الأقسام والبرامج حتى أصبحت مسئولا مسئولية كاملة كرئيس للمهرجان.
ولكن الحقيقة أن السبب الأهم دائما كان حرصى على التواجد وسط صحبة من الزملاء والأصدقاء لأسبوع كامل نجتمع فيه لنتحاور عن الأفلام والقضايا السينمائية وتتعمق بيننا الصداقات مهما احتدمت بيننا الخلافات، كل هذا كان يدور فى أجواء الإسكندرية الجميلة وبين أهاليها المستنيرين الذواقة للفن والعاشقين للسينما.
لم أكن منشغلا كثيرا بمشكلات مهرجان الإسكندرية والانتقادات التى كانت توجه إليه، وكنت أرى أن هناك رغبة من جانب الصحافة الفنية فى انتقاده واستغلال الصورة الذهنية السيئة التى ترسخت عنه فى دورات قديمة جدا أمكنه أن يتجاوزها باقتدار فى ظل دورات مميزة ترأسها نقاد كبار مثل أحمد الحضرى ورءوف توفيق وخيرية البشلاوى، ولكن الشىء المشترك والمقدر دائما بالنسبة لى فى مختلف دورات المهرجان أنه كان فرصة لى لتحقيق إطلالة رائعة على مختارات من أجمل وأهم الأفلام التى أنتجها فنانو البحر المتوسط بأسلوبيات مختلفة ولكن يضمهم جميعا هذا الطابع الحار والجو الشاطئى المميز.
هذا بالنسبة لى والمفترض أن يكون هو الأهم فى أى مهرجان بعيدا عن دعوات حفلات العشاء ومدى جودة الخدمة الفندقية أو الأحداث التى تدور فى الكواليس وينشغل بها غالبية الحضور من الزملاء عن متابعة الأفلام أو الندوات، فيكون الحصاد فى الغالب أخبارا وتحقيقات ومبالغات وتلفيقات، أو انتقادات صحيحة فى الغالب لمشكلات فى التنظيم أو انتظام المواعيد أو إلغاء بعض الندوات والعروض.
وعلى الرغم من أهمية هذه الجوانب إلا أن الحديث عن صميم المهرجان وفلسفته وفعالياته وخططه وبرامجه وأفلامه طبعا لم يكن يشغل سوى قلة من كبار النقاد الذين يحرصون بالفعل على متابعة العروض والفعاليات بجدية وبرغبة حقيقية فى الاستفادة من المهرجان وإفادته بانتقاده بشكل موضوعى اعتمادا على دراسة مكثفة وإحاطة شاملة بمختلف جوانبه.
كانت لى بالتأكيد ملاحظات عن كل دورة وتشكلت بالنسبة لى رؤى للإصلاح ولم يتبق سوى الفرصة للتجربة التى تحققت لى بالفعل منذ عامين ولكن منقوصة إلى حد ما كنائب لرئيس المهرجان، وها هى تتحقق لى كاملة هذا العام كرئيس ومدير للمهرجان ومسئول مسئولية كاملة عن جميع جوانبه الفنية، فهل أمكننى أن أحقق كل ما تمنيته لهذا المهرجان؟.
أبدأ دائما باختيار التيمة أو الفكرة أو الإطار العام، كان التمسح بالثورة قد بلغ ذروته فى أجندتنا الثقافية طوال العام الماضى لذا قررت أن أبحث عن المفهوم الأهم الذى يجب ترسيخه من وجهة نظرى فى هذه المرحلة وهو مفهوم الكرامة الإنسانية، حيث كان مفهوم الكرامة يتصاعد لدى القطاع الأكبر من الثوريين بينما يتضاءل لدى قطاعات أخرى من الشعب تربت فى العهد المباركى على الذل والخنوع والاستكانة وليس بإمكانها أن تتحمل تبعات الثورة من فترة انتقالية عصيبة نعيشها حاليا.
وكانت الكرامة فى رأيى هى الخلاصة الحضارية والتقدمية لشعارات الثورة فلا عيش بدون كرامة ولا حرية ولا عدالة اجتماعية، وفى هذا الإطار بدأ مكتبنا الفنى ولجان المشاهدة تعمل على البحث عن أفلام متوسطية قريبة من هذا الإطار لتشكل حجر الزاوية للدورة سواء فى المسابقة الدولية أو القسم الخاص بأفلام حقوق الإنسان.
أثناء رحلة البحث واختيارات الأفلام تشكلت الأقسام الأخرى من أفلام مهمة رأينا وجودها ضروريا، فوجود أفلام ذات طابع جرىء فى الدراما أو اللغة السينمائية بغزارة دفعنى لإضافة قسم سينما خارج المألوف عرضنا خلاله مثلا "أركيو" من سلوفينيا و"طريق العودة" من مصر و"شعر" من تركيا، ووجدته برنامجا مناسبا جدا لإطلالة سينمائية على تجارب جديدة ومختلفة ولدفع فنانينا لبذل مزيد من الجهد للخروج عن النمطية التى تعد القاتل الأول للإبداع، ولأن الثورة فى الفن لا تشكلها الحناجر العالية ولا الخطب الرنانة لكن تصنعها جرأة الفكر والخيال السينمائى.
أما البانوراما التركية فقد فرضت نفسها على البرنامج بهذا الزخم من الأفلام بكل التنويعات الممكنة التى جعلتها تشارك فى مختلف الأقسام بل ويتبقى لديها أيضا رصيد كاف لقسم خاص يعرض أفلاما حديثة ومتميزة وجديرة بالمشاهدة منها "مسألة جادة" و"الوطن" و"أصحاب جدى".
وجاءت فكرة برنامج الثورة السورية من الصديق نائب الرئيس الأمير أباظة أطلقها فور عودته من مؤتمر لمناصرة الثورة السورية وتلقفتها على الفور، وكانت شبه مكتملة فى رأسه بضيوفها وندوتها وأفلامها وجاءت مناسبة تماما لموضوع المهرجان الرئيسى عن الكرامة الإنسانية وجاءت مناسبة أيضا لتوقيت حرج نمر به جميعا نطالب فيه بمزيد من الحرية للفن والفنان الذى يلقى صنوف المهانة والبطش والتعذيب فى سوريا الشقيقة من أجل قمع حريته ومنعه من حرية التعبير.
وفى وسط كل هذه الأجواء كان الحوار الراقى واللغة المشتركة بينى وبين د. سيد خطاب رئيس الرقابة الفنان المتفتح والمسئول القدير المتفهم لقيمة الفن وأهميته رغم الظروف التى تمر بها البلاد.
كادت ملامح المهرجان تكتمل رغم كل ما واجهنى من عقبات واعتذارات، وكان فريق عملى يبذل الجهد ليل نهار لاستبدال ضيف أو فيلم بآخر أو عضو لجنة تحكيم بغيره ولكن دون التنازل عن المستوى، وجاءت هدية الصديق د. خالد عبد الجليل رئيس قطاع الإنتاج الثقافى بعرضه الكريم بالمشاركة فى تكاليف الحفل الختامى ومن بعده د. إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا لأتمكن من الاستعانة بالمخرج الكبير خالد جلال وفرقته الرائعة، ثم جاء العرض الرائع من أستاذى وصديقى سعيد شيمى بإقامة ورشة لتعليم تصوير أفلام الفيديو أثناء الفعاليات بدون أى مقابل وبرغبة ملحة فى تقديم هذا العطاء الكريم للمهرجان ولهواة فن السينما فى الإسكندرية.
وبعد كل هذه الجهود تأتى مشكلة الدعوات وتسكين وإقامة الضيوف فى ظل تقلص الميزانية وانخفاضها عن العام الماضى.
وكان علينا أن نعمل وأن نواصل العمل رغم أى ظروف وأن نصمم على أن نقيم مهرجاننا، فرسوخ مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط وانتظام دوراته ودعمه ضرورة لترجمة التقدير الوطنى والدولى للسينما والسينمائيين المصريين فى مرحلة حاسمة ومفصلية فى مسيرة الفن والحرية فى هذا الوطن الكبير العريق وتحديدا فى هذه المدينة العظيمة التى سوف تظل مضيئة بفنها وشعبها.
أمكننى أخيرا على مستوى البرامج والفعاليات أن أحقق رؤيتى كما تمنيتها، وجاء الخطأ الوحيد تقريبا على مسئوليتى الشخصية بتقديم عرضين بتقنية الفيديو فى بداية المهرجان رغم وجود النسخ الـ35 مللى بسبب التباس فى الحوار بينى وبين فريق العروض، ولكن سرعان ما تداركنا الأمر وتم الالتزام الكامل بالبرنامج طبقا للبرنامج المطبوع وربما لأول مرة فى تاريخ مهرجان الإسكندرية.
لا أستطيع أن أزعم أننى تمكنت من الوصول بالمهرجان إلى كل جماهير الإسكندرية فمازالت الهوة الفاصلة بين جمهور المثقفين والجمهور العادى تشكل جدارا صعبا وصلبا يتطلب مزيدا من الجهد، ولم يكن كافيا أن أسافر للإسكندرية فى رحلات مكوكية متكررة للإشراف على الدعاية ومواقع العروض، ولم يكن كافيا تلك الجهود التى بذلها الزميلان السكندريان سامى حلمى عضو مجلس الإدارة والزميلة منى عبد السلام عضو الجمعية، فمشكلة التواصل تتطلب جهدا دائما ومستمرا طوال العام ربما يمكننا أن نحققه لو أمكن للجمعية أن تشكل هيكلا إداريا وماليا ثابتا لمهرجان الإسكندرية.
ولكن الشىء الذى تمكننا من تحقيقه بنجاح واضح هو الحضور الرائع للندوات والمستوى الراقى الذى وصلت إليه بفضل جهود فريق الندوات سواء بالتنظيم أو بتوظيف مختلف وسائل الاتصالات للوصول للجمهور، ولأول مرة فى تاريخ مهرجان الإسكندرية تقام3 ندوات فى وقت واحد فى مواقع مختلفة بمنتهى النجاح، وهو أمر رآه البعض عيبا فى البرنامج ولكن من كان منهم على خبرة فى حضور المهرجانات الكبرى يدرك أن هذا يحدث فى أى مهرجان به زخم من البرامج والعروض، ولا يملك متابعة سوى الاختيار بين مختلف فعالياته.
وجاءت نتائج لجان التحكيم والجوائز لتعكس جهودنا فى اختيار أفضل العناصر والحرص على تكاملها فى مختلف تخصصات السينما لتحصد أهم الأفلام أهم الجوائز دون الالتفات للأسماء أو الدول المشاركة، وبعيدا تماما عن أى تدخل من جانب إدارة المهرجان.
وهى نتيجة قدرها الجميع رغم خروج الفيلم المصرى "وبعد الطوفان" صفر اليدين والذى أدرك من تابعوا الأفلام بالفعل أنه يمكنه أن يشارك ولكن يصعب عليه أن ينافس بقوة لروعة مستوى الأفلام وهو ما أكده لى الصديق فتحى عبد الوهاب عضو لجنة التحكيم الذى اعترف لى فى تواضع نادر أنه لأول مرة يشعر بأنه يتعلم فى لجنة تحكيم بفضل المستوى الرفيع الأفلام.
وفى النهاية ورغما عن كل هذه الإيجابيات فلابد أن أؤكد على أن اعترافى بوقوع خطأ فى العروض وصفته بالجسامة وربما يراه آخرون تافها وربما يتجنب فريق ثالث الإشارة إليه، لم يكن هذا سوى تعبير عن ثقافة الاعتراف بالخطأ وثقافة الاعتذار التى أؤمن بها وأؤمن بضرورة انتهاجها فى المرحلة المقبلة التى نتمنى أن نتجاوز فيها كل صلف وغرور وكذب النظام المباركى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة