بعد كل ما شهده العالم فى السنوات الأخيرة من أزمات وانفراجات وتدابير لسد الثغرات فى السياسات واضطرابات مالية أثبتت الأيام أن من احتفظ باستثماراته فى الشركات العائلية أحسن صنعا.
فرغم ما تثيره الملكية العائلية لدى البعض من أفكار المحسوبية والنزاعات المدمرة ومشاكل التوريث فإن بيانات الأداء تظهر أن الشركات المدرجة التى تملك عائلات حيازات كبيرة فيها تفوقت على أداء المؤشرات العالمية القياسية فى الأعوام الخمسة الأخيرة.
وعلى سبيل المثال تفوق مؤشر لكريدى سويس يرصد أداء 225 شركة تهيمن عليها عائلات فى أنحاء العالم على مؤشر إم.إس.سى.آى لأسهم العالم بنحو 80% منذ أغسطس 2007 رغم خسائر اسمية بنحو 10%.
وفى ظل انخفاض أسهم الشركات الأوروبية الصغيرة نحو مثلى ذلك المستوى على مدى الفترة ذاتها يصبح من الواضح أن الأمر ليس محض مضاربة لمتاجر عائلية أوصناع مكونات محليين أو شركات ناشئة.
ومن المرجح أن يرجع نجاح ذلك القطاع بدرجة أكبر إلى وجود شركات عملاقة مثل فولكسفاجن وبى.إم.دبليو، وسامسونج وول – مارت، وكارفور ولوريال.
وبالفعل تقول مكينزى للاستشارات إن ثلث الشركات على مؤشر ستاندرد أند بورز 500 الأمريكى و40% من أكبر 250 شركة مدرجة فى فرنسا وألمانيا هى من حيث التعريف شركات عائلية أى شركات مملوكة بحصة كبيرة لعائلات يمكن أن توجه مسار قرارات مثل اختيار رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى.
ما سر الأداء المتفوق إذن؟ هل الأمر مجرد حيلة سحرية أم طفرة مؤقتة نتيجة لعوامل ترتبط بصدمة الائتمان؟
يبدو أن السمة البارزة فى كل التقارير التى تتناول الموضوع هى الاستدامة والتفكير للمدى الطويل مما يرفع القبعة لنمط الرأسمالية الألمانية أو القارية فى مقابل - مثلا - الأسلوب البريطانى الأكثر خضوعا لقوى السوق.
وبطريقة أو بأخرى فإن كل تقارير تشريح أزمة الائتمان تشير إلى النظرة الضيقة وقصر البصر لمالكى الشركات ومسئوليها التنفيذيين والمساهمين والمستثمرين - وبخاصة البنوك والشركات المالية - والذى أدى إلى قرارات متعجلة بحثا عن مكاسب سريعة على حساب الاستقرار فى المدى الطويل.
ولعل أكثر ما يسلط الضوء على ما يسمى "الرأسمالية الفصلية" حيث لا تتجاوز النظرة المستقبلية أفق تقرير نتائج الأعمال للأشهر الثلاثة التالية وحيث تستشرى ثقافة المكافآت السنوية المفرطة هو الانهيار فى متوسط مدة حيازة السهم بالولايات المتحدة إلى سبعة أشهر فحسب فى 2007 من عامين فى 1987.
ونحو نصف الشركات التى شملها استطلاع لقطاع الشركات العائلية أجراه كريدى سويس، هى الشركات التى صهرتها الشدائد فاشتد عودها والتى ظلت فى نفس العائلة لما لا يقل عن ثلاثة أجيال أو أربعة، وغالبا ما يظل تركيز تلك الشركات منصبا على ما تجيده أى نشاطها الأساسى.
لكن قد يكون العامل الأهم فى خضم أزمة الائتمان العالمية هو أنها أقل استدانة من نظيراتها ذات المساهمة العامة وأنها تفضل التمويل الداخلى أو الاستثمارات الاستراتيجية الفردية على التمويل المساهم أو الاقتراض فى أسواق رأس المال.
يقول مايكل أوسوليفان مدير استراتيجيات المحافظ والبحوث المتخصصة فى كريدى سويس للأنشطة المصرفية الخاصة: "إنه نموذج متميز بحق ويبدو أنه ناجح"، مضيفا أن شركات عائلية كثيرة ولاسيما فى أوروبا تملك تمويلا مصرفيا طويل الأمد أكثر استقرارا بالمقارنة مع التمويل المساهم.
وأحد الأسئلة المطروحة إن كان الأمر لا يعدو ملجأ قديما للمستثمرين الخائفين والباحثين عن شىء يتسم بالطبيعة المحافظة فى أوقات سمتها الرئيسية عدم التيقن.
لكن شركات الأسواق الناشئة تشكل نحو 21% من مؤشر كريدى سويس كما أن الاستطلاع الذى أجراه البنك يعطى صورة أكثر حيوية إذ يظهر أن أكثر من 50% من الشركات تعتزم التوسع فى دول جديدة.
غير أن الأداء المتفوق فى مثل تلك الأوقات التى يكثر فيها التحوط يشير بالفعل إلى بعض الانحراف القطاعى على الأقل إلى جانب ما قد يكون ميلا غير بديهى صوب الشركات ذات الحجم الجاذب لمراهنات مضمونة.
والتمثيل فى مؤشر الشركات العائلية يرجح بالفعل كفة الشركات المتخصصة فى مجالات مثل السلع الاستهلاكية والفاخرة على حساب الشركات المالية المتأزمة التى وجهت ضربات عنيفة للمؤشرات على مدى تلك الفترة، وعلاوة على ذلك فإن للحجم دور مهم، أيضا حيث أن أكثر من 40% من الشركات التى شملها المسح توظف ألف شخص أو أكثر.
ومن ثم فإن انتعاشا قويا للأسواق العالمية والاقتصاد العالمى فى الأعوام القادمة قد يقوض ذلك الطرح.
وقال أوسوليفان: "إذا حدث فى الأعوام الخمسة القادمة موجة صعود كبيرة للأسهم شديدة التقلب - البنوك والتعدين وما إلى ذلك فإن من المرجح ألا يشمل الشركات العائلية.
"لكن نظرا لأن استقلالية النشاط الخاص تظل كبيرة جدا ولأن من المرجح أن يستمر خفض الديون، فإن الشركات العائلية ستظل مثيرة للاهتمام إذ غالبا ما تكون بديون أقل ورؤية للمدى الطويل".
الاحتفاظ بالاستثمارات العائلية قرار حكيم يؤتى ثماره
الإثنين، 24 سبتمبر 2012 12:05 ص