منذ أكثر من ألف عام قال أبو الطيب المتنبى "وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا" ويبدو أن هذا البيت الذى أصبح كاللعنة التى أصابت المصريين من وقتها، أصبح عاجزا عن التعبير عن حالتنا الآن، فقد وصل الضحك إلى مستوى البكاء بالفعل، ولم يعد تشبيه المتنبى يثير الدهشة، فلننظر مثلا إلى ما نشرته جريدة الحرية والعدالة فى عدد اليوم لنعرف إلى أى حد وصل مستوى الضحك المبكى.
جريدة الحزب الحاكم التى من المفترض أنها تضم أكثر أعضاء الجماعة ثقافة ووعيا نشرت فى صفحتها الثقافية التى من المفترض أنها تضم أكثر من فى الجريدة ثقافة ووعيا تقريرا عن ديوان الشاعر اللبنانى الكبير "بول شاؤول" المعنون بـ"دفتر سيجارة" وتضمن التقرير صورة كبيرة لغلاف الديوان، مبرزة فيها عنوانه، كل هذا تحت عنوان رئيسى هو "وزارة الثقافة تشجع على التدخين" وسبق هذا العنوان عنوان تمهيدى آخر هو "أصدرت ديوان "دفتر سيجارة" من أموال الشعب المصرى" وما أن تناقل شباب المثقفين هذا التقرير على صفحات الفيس بوك حتى انتشر الضحك، متبادلين النكات، لكنه حقا "ضحك كالبكا".
لست هنا لأدافع عن سياسة النشر فى وزارة الثقافة ولا اختياراتها، وقد سبق أن نقدتها مرارا، لكن ما يجب هنا هو أن نستدل بهذا التقرير على طريقة تفكير الإخوان فى الأدب، التى لا تختلف عن طريقة تفكير المخبرين، كما يدل على حالة من الترصد يتبعها الإخوان مع وزارة الثقافة، وهم الذين كانوا يريدون أن يستحوذوا عليها لكى يؤمموها مثلما أمموا غيرها من الوزارات، إذ تنشع فى مقالاتهم وأحاديثهم حالة من الحقد الدفين، لأن الحزب لم يستطع أن يولى أحد الإخوان الوزارة، وأنهم غاية ما قدروا عليه أن يرجعوا صابر عرب إلى مقعد الوزير بعدما استقال منه، مستنكرين أن يكون رجل "غير إخوانى" فى تلك الوزارة، وهو الأمر الذى أصابهم بالإحباط وخيبة الأمل، ومن هنا كان الترصد واضحا.
يتبع الإخوان عادة الأميين التى تقول إن "الجواب بيبان من عنوانه" فبمجرد رؤيتهم لديوان "شاؤول" حتى امتدت أنوفهم المخبرية، ولما لم يجدوا فى الديوان شيئا ادعوا أنه يروج للتدخين، ويكرم السيجارة، غير مدركين أن للشعر منطقه الخاص فى رؤية العالم، وأن الشاعر ربما يرى فى ما يعتقد الآخرون أنه عاديا أو هامشيا ما يستحق الانتباه، وليس الشاعر فقط وإنما الفنانون كلهم، ومن لا يصدقنى فليطالع لوحة "الحذاء" لفان جوخ" وهى من أغلى وأقيم اللوحات فى العالم، وفيها رسم الفنان حذاء قديما مهلهلا، ممزوجا بالطين، ولم يقل له أحد أنه يدعوا إلى "اللعب فى الطين" مثلا، ذلك لأن الفنان وجد أن أكثر شىء يعبر عن بؤس الفلاح هو حذاؤه، وذلك لأنه أكثر شىء يلامس الأرض التى هى مصدر رزق الفلاح، وبمناسبة فان جوخ فإن للفنان العالمى لوحة عالمية شهيرة اسمها "زهرة الخشخاش" كانت محفوظة بمتحف "محمود خليل وحرمه" وأعتقد أنه لو لم تسرق تلك اللوحة لهاجمت جريدة الإخوان الموقرة وزارة الثقافة بسببها، واستهجنت احتفاظها بها وكلفت أحد محرريها بكتابة تقرير مفصل عن اللوحة تحت عنوان رئيسى هو "وزارة الثقافة تدعوا لتناول المخدرات".
لم ينتبه إخواننا الإخوان إلى المراد من ديوان شاؤول وما يرمى إليه الشاعر من معان شعرية غاية فى الخصوصية عبر تخصيص ديوان كامل للحديث عن "دفتر سيجارة" فالسيجارة عند شاؤول هى أنيسه ورفيقه، ولا مجال هنا للحديث مع الإخوان حول مأساوية هذه الرؤية وشاعريتها، فهم لا يعترفون بالشعر إلا إذا كان تحريضا أو مدحا، فبمزيد من الاستهجان أوردت الجريدة مقطعا من الديوان يسرد فيه الشاعر قصته مع السيجارة، ويقول إنها صحبته فى كل مراحل حياته من توترات المراهقة وحتى الفرار من الحرب، ولم تنتبه جريدتنا النابهة إلى الرمز فى تلك السردية التى أراد الشاعر أن يعبر بها عن وحدته وتوتره الدائم للدرجة التى جعلته يصادق "سيجارة" تماما كما كان الشاعر العربى ينادم راحلته، ويصادق حصانه مستغنيا بهما عن ما سواهما.
قديما قالوا "من جهل شيئا عاداه" وقالوا "من عرف لغة قوم آمن شرهم" وبرغم ادعاء الإخوان الدائم أنهم "مثقفون" وأنهم لا يعادون الثقافة، لكن ها هى الأيام تثبت أنهم يكرهون الثقافة ويجهلون مبادئها ورجالها، وليس بمستبعد بعد اليوم أن نرى الإخوان يطالبون يوما بمنع رواية "آنا كارنينا" لأنهم يرونها تدعوا للانتحار، أو يمنعون رواية "الشحات" لأنها تحض على التسول، أو يحرمون سماع قصيدة "لاعب النرد" لأن لعب النرد "حرام" وأخشى وقتها أن يفاجئهم أحد ويقول لهم إن بالقرآن الكريم سورة تسمى "الكافرون".
عدد الردود 0
بواسطة:
أبوالزهراء المصرى
الجواب بيبان من عنوانه!!!!!!! ولست أميا ولا أخوانيا بل أنسان
لا يفل الحديد الا الحديد
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
ولسه
هو إحنا لسه شفنا حاجه؟
عدد الردود 0
بواسطة:
HUSSEINLAB36
بدون عنوان