ما الذى حدث لتتغير الشخصية المصرية ذات المهارة الذكية - "المفهومية" -والطيبة والشهامة والتدين المصاحب للبساطة والسخرية الضاحكة وحب الإستقرار والبعد عن الخلاف والجدال؟.
ففى مصر وقبل خمسة آلاف عام وبالتحديد فى العام 3200 ق.م وحد الملك نعرمر والمعروف بإسم مينا قطرى مصر الصعيد والدلتا، ولأن آلهة الصعيد اختلفت عن آلهة الدلتا كان لكل معبده فى إقليمه، فلما حدثت الوحدة وتبادل الطرفان حوارا ثقافيا دينيا عميقا اتجاهه نحو هدف العقيدة وهو الوصول لسمو أخلاقى تهذيبى والبلوغ لرضا الإله الواحد، تغاضى الطرفان عن بناء المعابد للألهة الوافدة فى عقر داره، فبنيت معابد ومقاصير لآلهة الشمال فى الصعيد وكذا بنيت مثلها لآلهة الصعيد فى الدلتا، ولما تحقق الغرض من التدين وهو الوصول بالأخلاقيات والسلوكيات إلى رضا الإله، كانت بداية توحد العقيدة تحت لواء واحد، والإيمان بدين ورب واحد ، فتطور الأمر حتى شملت مظلة الآله الواحد والدين الواحد الجميع، وتوحدت مصر عقائديا كما توحدت من قبل جغرافيا.
فما الذى حول الصفات الحميدة إلى صفات لها وقع سىء وسلبى على الوطن وأهله؟.
فتحولت المهارة والذكاء إلى فهلوة، وانتشر التلوث الفكرى وعشوائياته فتعددت صور التدين ليصبح منها الأصيل ومنها المشابه، ومنها غير الأصيل، وأصبحت الطيبة نوعا من الضعف ليوصف الرجل الطيب بالغفلة والضعف وتحل محلها العدوانية والعنف الصريح والمختبىء، وتحولت السخرية ذات الطابع الفكاهى إلى استهزاء لاذع وفج وقاس ويحمل طابع التحدى غير الهادف، وبعدما زرع نهر النيل فينا حب الإستقرار، أصبح البعض يتمنى الخروج والهروب إلى خارج القطر ويرى فيه حياته ويرى فى هوائه ونسيمه ما يملأ رئتيه، ويحقق له أحلامه التى انطفأت جذوتها فى بلده.
هل تعلم أن المصرين أخطئوا من ثورة عبد الناصر أن يسيروا مغمضى العينين هاتفين بلا دليل خلف زعيم كاريزمى دون تريث فى إعمال العقل والحكم على قراراته، واتخذوه قدوة فى استبداده برأيه وقسوته على خصومه، وقهره لمعارضيه، وتصديق أعمى بإدعائه الزعامة والحكمة ورجاحة العقل فأحدث ذلك انهيارا فى العقيدة النفسية والقيمية للمصرين، حيث تشبث كل برأيه وعقيدته فأصبح كل فرد زعيما داخل نفسه ومستبدا وقاهرا للآخرين؟.
هل كانت لنكسة 67 دور فى تغيير المجتمع من محبين لتجربة اشتراكية انهارت وصدمت بهزيمة زعيم ينادى بها وتنحيه عن القيادة فى مشهد دراماتيكى مأساوى، إلى البحث عن منقذ يأخذ بيد الوطن، وهو كالعادة اللجوء إلى الدين، ففقد الفكر الاشتراكى رونقه ليحل محله الفكر المتعصب – المسلم والمسيحى – الذى لايرى مخرجا ومتنفسا من أزمة الدنيا إلا التشبث والإنحياز إلى المسجد والكنيسة ؟
وازداد هذا التشبث والإنحياز تصاعديا بمواجهات بوليسية من النظام، وازداد هذا التعصب بظهور حمايات خارجية – خليجية وغربية - تؤجج اللهيب بين الطرفين وتوحى لهما باستعدادات الآخر لنفيه وطرده وقتله، وربما وعدته بإستقلاله عن الآخر، لييفقدوا جميعا هويتهم المصرية ويكتسبوا هويات أخرى بعيدة عن كونها مصرية!.
كان ظهور طبقات شديدة الثراء تسكن أرض المهجر أو داخل مصر رغبة فى تحقيق تفوق طائفى توقظ به صراعا طائفيا لتربح مزايا شخصية من الخارج والداخل ويدفع ثمنها فقراء ومحتاجوا مصر من مسلمين ومسيحيين الذين يقفون معاً فى طوابيرالخبز بعيدا عن هؤلاء الأثرياء؟.
هل غابت صفة الإستقرار التى آمن بها المصرى فسافر إلى دول الخليج لتنمو داخله مظاهر خليجية أثرت فيه يعايشها نهاره وليله، ليرفض بعدها كل ماهو قائم فى مصر من حكومة ونظام وعادات وتقاليد نشأ عليها؟.
هل كان لانفتاح مصر على العالم انفتاحا مفاجئا غير متدرج لملاءمة نفسية الثقافة المصرية مع ثقافة الغرب دور فى صدمة الجميع بتغيير أشبه بشلال يغمر العقول التى كانت ترقد خلف باب الجهل والإهمال الفكرى؟.
فلما فتح باب الأنفتاح المواكب للثورة التقنية وظهور الإنترنت بمعلوماته اللا محدودة حدث هرج ومرج فكرى، وتخيل معى شلالا يغرق من هم خلف الباب الموصد ويبعثر أفكارهم ويعبث بها .
هل كان لهذا الأنفتاح الأقتصادى دور فى بناء جدران الفساد داخل النفوس التى آمنت بالكسب والثراءالسريع بخفة وفهلوة وانتهازية بدون رقيب ولا حسيب ؟
هل زدات الفروق بين الطبقات جراء فساد عاش محتميا بنظام مبارك فكثر تولى قليلى الخبرة والكفاءة والضمير للمناصب بسبب المحسوبية واختفت الكفاءات وانعزلت وأصبح العامة الذين يريدون لقمة العيش صامتين عن حقوقهم خوفا وهلعا ليتعلم البعض منهم فنون الفهلوة والتحايل والإلتواء والتنازل عن قيم مصرية كالشهامة والكرامة والصدق والضمير ويستبدلون حلاوة العمل " بتصبب العرق" بمد اليد رشوة أو تسولا أو غيره من احتراف البلطجة وغيرها؟
هل سبب هذا التغيير فى شخصية المصريين واحد مما سبق أم بعضها أم هى كلها؟
هل يستطيع الدكتور مرسى أن يصلح ما أفسده السابقون؟ وكيف السبيل إلى الإصلاح ؟ وكم يستغرق من وقت؟.
لابد أن تحشد الدولة جهودها التعليمية والإعلامية خاصة الشاشات الفضية لمحو آثار هذه الكوارث المعقدة التى استقرت فى ضمير المصريين، ويجب أن يعود المفكرون لعقد ندواتهم فى برامج هادفة تعيد للمصريين ذاكرة قيمهم ومبادئهم، فهذا هو وقت وموعد عودة الضمير الأعلامى واندلاع الثورة الثقافية لتقضى على فساد ثقافة مكاسب الذات.
صورة أرشيفية