معصوم مرزوق

حزم القائد

السبت، 22 سبتمبر 2012 11:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يتفرج الرئيس مثل الجميع ويكتفى بالشكوى من طرف مجهول يعرقل خططه ويشوه أفكاره؟ الرئيس المسؤول فى أى موقع لا يملك هذا الترف، لأن من قلدوه المنصب أو صوتوا له يتوقعون منه أن يقود، يبادر ويقتحم ويقرر بعزم وتصميم.

قبل الاستطراد أود أن أؤكد أن موقع الرئيس يجب أن يلقى من الجميع الاحترام والتوقير اللازم، فهو موقع يعده المجتمع ويمده بسلطات عديدة لا يمتلكها آحاد الناس، كى يتبوؤه أحدهم، لصفات يرونها فيه تؤهله أن يمسك بدفة سفينة الوطن خلال مرحلة معينة.. ومن ناحية أخرى فإن الاحترام والتوقير للموقع لا يحصن شاغله من النقد والاختلاف والمعارضة، والفارق دقيق بين المفهومين، فحين يتجرأ البعض بالحط من موقع الرئيس وقذفه وهز هيبته فهو فى نظرى يرتكب جريمة، ولكنها تختلف عن جريمة «العيب فى الذات الملكية أو الرئاسية»، فالمسألة هنا ليست ذات شخص مهما علا، وإنما موقع ارتضينا جميعا أن نحترمه ونوقره، عارفين أن اهتزازه ينعكس سلبا علينا جميعا، لأن موقع الرئاسة فى نظامنا الدستورى «حتى يتغير» هو سلطة عظيمة الأهمية بين سلطات ثلاث، وبالتالى فإن من يتعمد تحقير هذا الموقع يرتكب جريمة ضد المجتمع كله، لأنه يعتدى على أحد أهم أعمدة ثلاثة تقوم عليها الدولة.. أما الرئيس، أى رئيس، فهو رجل ونحن رجال، يصيب ويخطئ، يصوب ويعدل، بل ويعزل عزلا من الموقع إذا كان أقل قدرا منه أو عجز عن الوفاء بمتطلبات الموقع.
هذا الاستهلال كان ضروريا حتى يتضح الهدف من هذا المقال، وحتى لا يخرج علينا زبانية السلطان، أى سلطان، مهللين صائحين بالشتائم والسباب لأننا تجرأنا وأبدينا بعض الملاحظات للسيد الرئيس.
الحزم فى علم الإدارة أحد أهم مواصفات المدير الناجح، وهو يعنى حسن التصرف واتخاذ المواقف الواضحة بقوة وإصرار، فالقائد الضعيف المتخاذل لا يستطيع أن يقود الجماعة ويوحد صفوفها ويشد من أزرها وقت الرخاء، فكيف به وقت الشدة حيث تزداد الحاجة إلى الحزم والقوة.
وقد قيل إن من لم يقدمه الحزم أخره العجز، ونتذكر أنه عندما احتدمت مشكلة الخلافة فى سقيفة بنى ساعدة لاختيار خليفة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حسم عمر بن الخطاب الموقف قائلا: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، فبادر عمر قائلاً: ابسط يدك أبا بكر، فبسط يده، فبايعه عمر، ثم بايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، وحسم الأمر، بفضل من الله أولا ثم ببداهة عمر ومبادرته وحزمه. ولما اختلف الناس فى قتال مانعى الزكاة قام أبوبكر المشهور بوداعته وسماحته فقال: «والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه».. ولولا هذا الموقف الحازم فربما تغير تاريخ الإسلام.
وربما تبدو مشكلة الرئيس الحالى فى أنه منذ البداية لم يكن الاختيار الأول لجماعته، بل مجرد اسم احتياطى تم الدفع به توخيا لاحتمالات استبعاد المرشح الأول، ثم إنه يدين لهذه الجماعة ليس فقط باعتبارات الأيديولوجية والالتزام الحزبى، وإنما بما وفرته من إمكانيات ضخمة فى الدعاية الانتخابية التى لم يكن يملك كفرد بداهة أن يوفرها لنفسه، ورغم ذلك لم ينجح فى الحصول إلا على ربع الأصوات الانتخابية على أفضل تقدير.
بمفهوم السياسة يكون الرجل مثل البطة العرجاء، فهو لا يمكنه الابتعاد عن حضن الجماعة مهما ادعى عكس ذلك، ولا يستطيع أن يدعى امتلاك تفويض شامل من الأمة وهو يعلم أن ثلاثة أرباع هذه الأمة لم تمنحه ثقتها، وفوق ذلك كله يبدو الرجل حتى الآن مفتقدا إلى الكاريزما الشخصية التى تتيح اتساع مساحة الإقناع والتغلغل لدى الرأى العام.
الحزم يقتضى أن ينفض الرئيس فى أقرب فرصة ممكنة حضانة الجماعة لتحركاته وسكناته، لأقواله وأفعاله، وذلك لا يعنى خلع الرداء الأيديولوجى الذى ارتضاه لنفسه، وإنما التحرر من القيود التنظيمية لعضو فى جماعة محدودة، كى يصبح قولا وفعلا قائدا لكل جماعة الوطن الوطنية بكل مشتملاتها، ولسوف تفعل جماعة الإخوان المسلمين خيرا له ولنفسها لو عاونته على ذلك، أما إذا أصرت على مواصلة الوصاية على الرئيس، واستمرت فى محاولاتها للسيطرة على مفاصل الدولة تحت ظلال موقع الرئيس، فإنها سوف توقظ فى المجتمع خلاياه المقاومة المناهضة لعودة أى شكل من أشكال الديكتاتورية.
وقد يكون صحيحا أن الغالبية العظمى من الناخبين لم تعط أصواتها للرئيس الحالى، ولكن علينا ألا ننسى أن نسبة التصويت لم تتجاوز نصف الأصوات الانتخابية، أى أن هناك ملايين من الناخبين قد اتخذت موقف الانتظار والترقب، وهى النسبة التى يستطيع الرئيس اجتذابها لصالحه، وربما لصالح جماعته، إذا تميزت مواقفه بالحزم الواضح.
وفى النهاية، لا يوجد شىء فى السياسة بلا ثمن، فمثلما قد يؤدى الاندفاع إلى خسارة سياسية، فإن التردد فى اتخاذ القرارات فى وقتها المناسب تكون خسائره أفدح، وأتصور أن حجم الملفات المفتوحة أمام الرئيس يتطلب تحركا عاجلا أولا لوضع أولويات محددة، وثانيا للإقدام بلا تردد فى اتخاذ القرارات الملائمة، وعلى حد قول كلاوزفتز الاستراتيجى العسكرى الشهير فإن الحزم فى اتخاذ القرار السريع حتى ولو شابته بعض الأخطاء، أفضل من القرار الصحيح الذى يتخذ بعد فوات الأوان.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

h.m

العمى - السم فى العسل - الجهل بحقائق الأمور

العمى - السم فى العسل - الجهل بحقائق الأمور

عدد الردود 0

بواسطة:

د أيمن غازي

مقدمات صحيحة ومقدمات خاطئة

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

بين حزم القائد وطاعة المرشد

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

الغاء الاحزاب الدينية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة