علمنا نبينا الكريم أن نبنى أوطاننا على الوحدة والإخاء وإصلاح ذات البين ونبذ الفرقة والخلاف، فكان أول ما ابتدأ به عهده فى المدينة هو بناء المسجد الذى يلتقى فيه المؤمنون خمس مرات فى اليوم والليلة توحيدا للصف ونبذا للفرقة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأصلح بين الأوس والخزرج، وأحسن معاملة المنافقين على بغضهم لحكمه، وأنصف فى معاملة اليهود على كفرهم بدعوته.
لقد صنعت هذه السياسة النبوية القائمة على العدل والتسامح وسيادة القانون معجزات على المستويين الاجتماعى والاقتصادى، وحققت نجاحات عسكرية مذهلة، جعلت هذه الدولة الوليدة قوة ظاهرة لا يستهان بها؛ إذ استطاعت فى أقل من عشر سنوات أن تفرض نفسها، وأن تقهر أعداءها، وأن تخضع مكة لحكمها.
ففى العام الثامن من الهجرة خرج النبى قاصدا فتح مكة، وبينما المسلمون على مشارفها، قال سعد بن عبادة وهو أحد قيادات الجيش الكبار: "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ، الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا"، فاستنكر النبى ذلك، وقال: "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ فِيهِ قُرَيْشًا"، وأصدر قرارا بعزل سعد بن عبادة وتعيين ابنه قيس ابن سعد الذى كان معروفا بالحكمة والتؤدة خلفا لأبيه.
ولما دخل النبى مكة قام عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: "لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ.. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُم عندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
ثُمّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تُرَوْنَ أَنّى فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ "قَالُوا: "خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ"، قَالَ: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ".
وقد أسفرت سياسة التسامح التى أظهرها النبى فى التعامل مع أعدائه عن ضم أعاظم الرجال ودخولهم الطوعى إلى الإسلام، كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص اللذين أسلما قبيل الفتح، وأبى سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبى جهل وصفوان بن أمية وغيرهم ممن أسلم يوم الفتح، وهكذا استفادت الدولة فى عهد النبى من كل الخبرات والكفاءات وبكل الرصيد الحضارى لدى العرب جميعا؛ بفضل الابتعاد عن سياسة الإقصاء، فكانت سياسة التسامح أفضل سياسة للحكم فى مجتمع يتميز بالتنوع والاختلاف.
إننى أدعو الرئيس محمد مرسى أن يتبع سنة النبى محمد فى التعامل مع خصومه السياسيين، وأن يعقد مؤتمرا للحوار الوطنى، تشارك فيه كل القوى والرموز الوطنية وعلى رأسها قيادات الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسى والدكتور محمد البرادعى والسيد عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد سليم العوا والأساتذة حمدين صباحى وحازم صلاح أبو إسماعيل وجورج إسحاق وممدوح حمزة وأحمد بهاء شعبان وغيرهم من رموز وقيادات العمل الوطنى.
وأدعوه أن يتواضع فى حضرتهم تواضع المصطفى يوم فتح مكة، وأن يقول لهم قول النبى لرعيته: "أشيروا على أيها الناس"، رافعا شعار حملته الانتخابية فى جولة الإعادة "قوتنا فى وحدتنا".
وأذكره بقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة"، فلا تحملها وحدك يا سيادة الرئيس فتحاسب عليها أمام الله وحدك.
لقد كان لسياسة التسامح التى انتهجها النبى فى التعامل مع خصومه أثرها القوى فى نفوس وعقول كثير من قادة وزعماء التحرر الوطنى على مستوى العالم كالمهاتما غاندى الذى عبر فى رسالةٍ له من السجن: "لا أحب التسامح، ولكنى لا أجد أفضل منه للتعبير عما أقصده".
أما نيلسون مانديلا الزعيم الجنوب أفريقى، الذى مكث فى السجن 27 عاماً وقاد مقاومة سلمية ضد نظام التمييز العنصرى فقد نصح ثوار الربيع العربى قائلاً: "أذكر جيداً أنى عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهنى هو أن قطاعاً واسعاً من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكننى وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب أفريقيا إما إلى الحرب الأهلية وإما إلى الدكتاتورية من جديد؛ لذلك شكلت (لجنة الحقيقة والمصالحة) التى جلس فيها المعتدى والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر، إنها سياسة مُرَّة؛ لكنها ناجعة"!
إننى أدعو الرئيس محمد مرسى إلى تشكيل (لجنة المصارحة والمصالحة) لإنهاء حالة التشفى والانتقام التى تمارس ضد رموز النظام السابق، وعلى رأسهم منافسه فى الانتخابات الرئاسية الفريق أحمد شفيق.
يا سيادة الرئيس لا تنه عن خلق وتأتى مثله، فقد عانت مصر وعانيتم من إطلاق اسم "المحظورة" على جماعة الإخوان فى عهد الرئيس السابق، فلا تجعلها تعانى ونعانى من إطلاق اسم "الفلول" على كفاءات الوطن فى عهدكم.
وأدعوك إلى الاقتداء بتسامح النبى، الذى استشهد به نيلسون مانديلا مختتماً رسالته إلى ثوار الربيع العربى: "أتمنى أن تستحضروا مقولة نبيكم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وائل شفيق يكتب: متى يقول لهم الرئيس: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟
الجمعة، 21 سبتمبر 2012 02:43 م
الرئيس محمد مرسى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن
كلمة حق
عدد الردود 0
بواسطة:
fatehia
سر على بركة الله
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو اسماعيل
من اجمل ما قرأت....
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام
السويسى
عدد الردود 0
بواسطة:
ديدى المصريه
إذهبوا وانتم الطلقاء ......... من يستحق ان تقال له هذه الكلمة ؟؟؟؟؟ !!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد السعيد كابريتى
الله ينور