أكتب فى هذا الموضوع لكى أحدد الخطوات التى يمكن أن يتخذها أى شخص ليصبح داعية دينياً، تلتف حوله الناس، وتطلبه القنوات الفضائية، لكننى فى البداية لا بد أن استثنى بعض الدعاة الصادقين المخلصين، الذين مارسوا العمل الدعوى ابتغاء وجه الله، وحسبة له، وهؤلاء فى العادة بعيدون عن الأضواء، مستترون عن أعين الكاميرات، أما دعاة العصر الحديث، الذى أصبحوا يملأون الجو ضجيجاً، ويحدثون بفتاويهم بلبلة فى المجتمع الإسلامى، وقد تخرج إلى المجتمعات الأخرى فهم قوم وجدوا فى المسلمين جهلاً عاماً بمصدر الإسلام الرئيسى وهو القرآن الكريم، ومصدره الثانى، وهو السنة النبوية الصحيحة، ولذلك قام هؤلاء الدعاة بطرح خطابهم على هذه الجماهير، دون أن يعملوا أى حساب أو اعتبار للعلماء أو المؤرخين العارفين بحقائق الأمور واتجاهاتها .
وفى البداية لابد أن يظهر الداعية بملبس معين، إما جلباب أبيض وفى غاية النظافة والأناقة، وإما عباءة من الأراضى المقدسة مزينة بالقصب، وفوق الرأس: إما طاقية، أو بالتعبير الخليجى: غطرة، مثل رجال الدين هناك، وعليه أن يقتصد فى حركاته وفى نظراته، وأن يمشى ويجلس بهدوء مقلداً كبار السن، حتى وهو شاب صغير وقادر على الحركة السريعة.. وبالطبع يمسك فى يده سبحة مميزة دون أن يتخلى فى معصمه الأيسر عن ساعة أنيقة وغالية، وقد يضع فى إصبعه خاتما فضة كبير الحجم حتى يظهر وهو يلوح بيده أثناء الكلام.
وحين يبدأ هذا العمل يجد حوله مجموعة قليلة العدد، ولكنها شديدة الحماسة له، تلازمه ملازمة الأسماك الصغيرة للحوت الكبير فى البحر، ولا تخلو نفوس هذه المجموعة من غرض دنيوى، فهم يدركون جيداً أن وقفتهم مع الداعية – فى بداية مشواره – سوف تعود عليهم بخيرات كبرى فى آخره.. أما عملهم فيتمثل فى نشر الدعاية اللازمة له بين الجماهير، وأحيانا يطلقون حوله بعض شائعات الكرامات، وصدق تفسيره للأحلام لكى تستقر مكانته لدى العامة الذين يسرعون بتصديقه.
والداعية يجهد كثيراً فى عمله، فهو يظل يقرأ فى الليل بعيداً عن عيون أتباعه، لكى يفاجئهم فى النهار بالقصص والأحاديث التى يختارها من أجل التأثير النفسى فيهم.. وكلما رقق صوته، وتصنع البكاء أو استجلبه إن استطاع كان أفضل، ولا يمر وقت طويل حتى تأتيه صدقات الأغنياء لكى يوزعها على الفقراء.. ومع الوقت يتقن أسلوب استلام الأموال، وكذلك توزيع ما يقرره منها.
وحين يفتح الله عليه بدعوة من قناة فضائية تبدأ شهرته فى الانتشار، وهنا تبدو عليه السمنة، ويكاد يتخلص من فقر الدم الذى كان يلازمه فى صغره.. لا يهتم الداعية بتحريك عقول أتباعه، بل كل همه يتركز فى التأثير النفسى فيهم، فهو لا يدعوهم إلى إتقان العمل، أو تغيير مسار حياتهم البائسة، ولكنه يؤكد لهم على الصبر، والخضوع الكامل للقدر.. وهو يبتعد عن السياسة ما أمكن، وعندما كان نفوذ أمن الدولة طاغياً كان يستدعيه ليضبط إيقاعه فى الدعوة، ويحذره من الألفاظ والعبارات المنفلتة.
وعندما تنصلح حال الداعية المالية، يشترى شقة أو فيلا جديدة، وسيارة بسائق، ويتزوج أكثر من زوجة مقنعاً زوجته الأولى بأن هذا من صميم السنة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عابر سبيل
احلى طريقة لحل مشكلة البطالة
والمرتب بالملايين
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عبد الإلاه
فبكى عذرائيل
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل النجار
أستاذي حنانيك
عدد الردود 0
بواسطة:
حسبنا الله ونعم الوكيل
حسبنا الله ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
samir
هل هذا موضوع؟
عدد الردود 0
بواسطة:
marmar
مقال رائع
مقال اكثر من رائع يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
علي
الأستاذ الدكتور الكبير الفيلسوف الأديب الشاعر حامد طاهر، تحية من درعمي
عدد الردود 0
بواسطة:
تميم المجعاوى
سؤال برئ