بدون أى تمهيد أو مقدمات هل يمكننا أن نحاسب أو نحاكم أحد رجال الدين إذا ما أخطأ فى فتوى تثير البلبلة أو أقدم على فعل قد يؤدى إلى أن يحدث فتنة فى المجتمع؟ رجل الدين هنا مسلم أو مسيحى شيخ أو قس فلا مجال للتفريق لأننا جميعاً مجتمع ونسيج واحد فلا تفريق بين عنصرى الأمة.. وعندما أتساءل حول إمكانية محاسبة رجل دين فيجب أن يتم ذلك طبقاً لأحكام القضاء إذا كنا نريد أن نقيم العدل والمساواة، وحتى نرسخ دولة القانون فإقامة العدل بين كل الناس هى غاية كل الأديان.
ما يحدث أننا أحياناً نذهب إلى تقديس رجال الدين إلى الدرجة التى ينتقل بها شعور للمجتمع بأنهم فوق المحاسبة ودائماً تكون المشكلة فى التابعين لهم فكثير منهم معصوبو العينين والعقل أيضاً ويرفض مجرد حتى التفكير فى أى كلام يصرح به رجل الدين وينقلب إلى تعصب للرجل وليس للدين نفسه، ويعد هذا من أكبر الأخطاء، التى يقع فيها التابعون لهم بل هو الخطأ، الذى قد يؤدى بالمجتمع إلى فتنة وخاصة إذا ما كان الكلام عن عقيدة الآخر.. ففى هذه اللحظة سنذهب جميعاً إلى نتائج سيئة جداً.
فى أوروبا وفى القرون الوسطى تحديداً كان رجال الدين يسيطرون على كل شىء فإذا بأوروبا وبعد ثورات تتجه إلى العلمانية البحتة وإلى عالم مادى لايحكمه أى دين.. أما نحن كمصريين فإن الدين بالنسبة لنا جزء من معتقداتنا ومكوناتنا الشخصية ولن نستطيع أن نفصله عن حياتنا أبداً لاقتناعنا بأن ما حدث فى أوروبا ليس عيبًا فى الدين، ولكن كان عيبا فى رجاله الذين حاربوا العلم والفكر وحريات البشر فجعلوا مجتمعاتهم تكفر بهم وتتجه إلى فصل الدين عن السياسة، وما لبثت تلك المجتمعات مع مرور الزمان أن فصلت الدين عن حياتها أيضاً ثم اتجهت للحريات المطلقة، التى لا حدود لها.
وعندما أتحدث عن محاسبة أو محاكمة رجال الدين فإن القصد هنا يتجه لتلك الفتاوى، التى لا يقبلها عقل ولا يقبلها أيضاً جموع العلماء وأتحدث أيضاً عن تصرفات تبعث برياح الفتنة على المجتمع فتؤدى إلى هلاكه أو خلق نوع من عدم الاستقرار.. أما اختلاف الآراء فى موضوع معين فهو أمر جيد لأنه يدعو إلى التفكير ومقابلة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان وشأن الاختلاف أيضًا أن يثرى الفكر فيجدد كل منا خطابه للمجتمع بما يتلاءم مع متطلبات العصر وفى إطار دينه.. ويجب أن يقدم رجال الدين لنا فى مواضيع الاختلاف النموذج المثالى لطريقة الاختلاف فى الرأى فى إطار الحوار المحترم وسعة الأفق والصدر فى تقبل النقد حتى يكونوا قدوة لنا جميعاً.
للأسف الشديد البعض منا لايقبل أن يتم انتقاد رجل دين معين وكأننا يجب أن نوافق على آرائه مهما كانت.. وقد يذهب اتباعه بتشددهم إلى وصف من يختلفون معهم بأبشع الصفات.. كلنا بشر يصيب ويخطئ وقد كرمنا الله بنعمة العقل فيجب تفعيلها وعدم وضعها فى حيز الاتباع الأعمى فتصدأ العقول ولاتقدم أى جديد، كما أن إعمال العقل أيضاً فى المسائل الفقهية والمشاكل الدينية من شأنه أن يؤدى إلى تطوير المجتمع أما عدم التفكير يؤدى بنا إلى الجمود.
الحديث عن محاسبة أو محاكمة رجال الدين يبدو أحياناً وكأنك قد دخلت فى عش الدبابير ويجب أن تتحمل ما سيفعله وما سيقوله التابعون لأنك اقتربت من مناطق محرمة بالنسبة لهم ولكن إطلاق الفتاوى والتصرفات غير المسئولة دون حساب وعدم الحديث عنها يجعلنا مثل النعامة، التى تضع رأسها فى الرمال إذا ما داهمها الخطر.
