بنظرة سريعة إلى أيام الثورة نجد أن شعباً بالكامل قد ثار وتوحد وجمعته همومه، فمنهم من قاده حلم التغيير السياسى ومنهم من قادته ظروفه الاقتصادية، ومنهم من كان القمع البوليسى هو دافعه وجميعهم كانت دوافعهم ناتجة عن ديكتاتورية نظام ترسخت، وامتدت بجذورها إلى جميع مناحى الحياة، وفى هذه الثورة بدا الشعب المصرى، وكأن كل سنوات الفساد هذه لم تؤثر عليه أو تغير فى سلوكه حتى ولو كان تغييراً طفيفاً.
ولكننا الآن وبعد مرور شهور لا سنوات من ثورة قلما تأتى فى تاريخ الأمم، ثورة أتت كهبة من الله.. وأظن أنه لم ولا ولن تستطيع فئة أو جماعة فى مصر كائنة من كانت أن تعيد الكرة أو تقوم بثورة مثلها مهما ادعت هذه الفئة أو الجماعة أو نسبت لنفسها من البطولات أو الأدوار فى إنجاح هذه الثورة.. فنرى الآن أن كل فصيل فى المجتمع أوجماعة أو فلنكن أكثر دقة إذا قلنا إنه بعد زوال نظام ديكتاتورى عاش ثلاثين عاماً لم نكن نعتقد أن هذا النظام خلق بداخل كل فرد فى المجتمع ديكتاتوراً لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته يعيش منعزلاً عما حوله وكأنه هو الإنسان الوحيد فى هذه الدنيا، الذى أنعم الله عليه بنعمة العقل أو خصه بالرؤية الثاقبة.
فنجد شخصاً يتحدث ويتحدث ويدعى لنفسه الديموقراطية التى كفلها الإسلام ولكنه إذا فوجئ بشخص قد خرج عن السياق الذى اعتاده ونقده أو ناقشه أصبح ذلك الشخص ليس فقط محارباً له ولكنه أصبح محارباً للإسلاميين بل للإسلام ككل.
ونجد آخر يتحدث بصفته ليبرالياً مدافعاً عن الحرية وحقوق الإنسان، ولكنه إذا تداخل فى حواره شخص يناقشه أو يعترض على فكرته أصبح من محاربى الحرية والمدنية وأصبح كمن يريد أن يعود بالبلاد إلى الخلف آلاف السنين.
فأصبح كل فرد فى المجتمع يرى من بجانبه على إحدى صورتين: إما إسلاميا رجعيا أو ليبراليا ملحدا.. وأصبح بداخل كل شخص نموذج لابد أن يحتذى به كل من فى المجتمع حتى ينول شرف التكيف للتعامل مع سيادته.. ورأينا كل فئة ترى أن مطلبها هو المطلب الأعظم فى هذه الدنيا وتود لو توقفت الحياة إلى أن يتم تنفيذ هذا المطلب غافلين أنه ليس كل مشروع ممنوح غير مراعين ظروف دولة فى طريقها إلى الانهيار، وكأنهم انتقلوا من شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذى أسقطوا به نظاما فاسدا إلى نفس الشعار، ولكن بمعناه الحرفى، فانتقلنا إلى إسقاط النظام وإعلاء الفوضى بدلاً من النظام.. وكأننا انتقلنا من ديكتاتورية نظام قمعى إلى ديكتاتورية شعب أصبح كل فرد فيه يمارس الديكتاتورية كحق مكتسب.
فالآن ليس أمام هذا الشعب إلا أن يقتل الفرعون الكائن بداخله وأن يسقط ديكتاتورية نفسه وأن يعلى قيمة ديمقراطية الدولة، التى يحكم الشعب فيها نفسه بنفسه، ليس على هوى كل فرد فيها وإنما على أساس نظام ديمقراطى يستطيع كل فرد فيه أن يشارك فى الحياة السياسية والمدنية دون أن يجور على حق غيره وأن يعلم أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأى غيره خطأ يحتمل الصواب.
وليعلم كل منا أننا الآن نصنع مصير بلادنا بأنفسنا، فلنختار بين أن نكون شعبًا صنع الأمجاد أو شعبا صانعاً للأمجاد، ولنختار لأنفسنا إما البقاء أعزاء أو السير فى طريق الفناء.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
the terrorism
bravoooooooo !!!
nice article ,,,, goooooo ahead :)