لم تكن ملاحظاتى فى إجازتى السنوية لأرض المحروسة ملاحظات عابر سبيل دفعته الظروف أو الصدف إلى زيارة أرض المحروسة، فقام بتدوين ملاحظاته، ولكنها ملاحظات ابن البلد الذى عايش الواقع من بعيد قبل وبعد ثورة الكرامة، بعض المواقف أشعرتنى بالسعادة والفخر.. وبعضها بعث فى نفسى اليأس لكن بقى الأمل فى الغد بعد الثقة فى المولى عز وجل.
لم تكن سعادتى فقط لمجاورتى رئيس مصر د. محمد مرسى فى الحى السكنى الذى يقطن فيه، ولكنها كانت لاستطاعتى المرور بصورة يومية من أمام منزله دون أن يعترضنى أحد أو أن يُفرض على أى قيود أمنية مبالغ فيها.. ها هو منزل رئيس الجمهورية يستطيع المارة المرور أمامه بكل حرية أيضا سواء كانوا مترجلين أو بالسيارات، وعلى بعد خطوات قليله منه يفترش عمال البناء الذين يعملون باليومية حديقة الميدان دون أن يعترضهم أحد فى سابقه لم نعهدها من سنوات عديدة لم يكن متاحا للمواطن أن يعرف أين يقع منزل رئيس الجمهورية تحديداً، وكان يتم إفراغ الحى كاملاً من الأشخاص غير المرغوب فيهم، وكذلك الأنشطة التى يمكن أن تعكر مزاج فخامة الرئيس.
لم يتغير أى شىء قبل وبعد توليه المنصب فى الحى بصورة مبالغ فيها أو ملفتة للنظر سوى تنظيم الحركة المرورية بصورة تسمح لموكبه بالمرور بصورة انسيابية دون أن تعوق حركة سير المواطنين كما كان يتم فى السابق.
أحسست بالفخر لشعورى أن رئيس الجمهورية أصبح مصرياً مثلنا يشاهد عمال التراحيل الغلابة صباحاً ومساءً ويتعرض موكبه لنفس مطبات الطريق كما نتعرض لها أيضاً، نتمنى أن يبقى الوضع على ذلك وألا يتم بناء جدار عازل بين فخامة الرئيس وبين بسطاء المحروسة، وألا يتم إزالة النباتات من الشوارع بعد مرور موكب فخامته، نريده أن يرى نفس الصورة التى نراها نحن لا تلك التى يريده أن يراها حاشيته.
وبقدر سعادتى لهذا الموقف شعرت بالحزن الممزوج بالتعاطف مع سائقى التكاتك الذين يخرجون عليك ويتقافزون حول سياراتك كالبراغيت التى لا تستطيع أن تخمن إلى أين تنتهى قفزاتها، فهى تعترض طريقك بالطول وبالعرض ومن كل الاتجاهات وكأنها تعيش فى عالم غير عالمنا وتخضع لقوانين خاصة بها فقط، على مضض كنت ابتسم ابتسامة صفراء مملوءة بالغيظ كلما اعترضنى برغوث لينغص على طريقى، وما أن أهم بالدخول معه فى معركة لفظية لا تنتهى فى صالحى فى كل الأحيان حتى أعود عن هاجسى اللعين عندما أشاهد شاباً يانعاً رفض ذل السؤال ورفض الهجرة غير الشرعية ورفض الكسل والتراخى ورفض الاتكال على الدولة، التى باعته فى زحمة الخصخصة وتخلت عنه تماماً، وأصر أن يقتات قوت يومه الحلال والشريف عن طريق عمله على توك توك سائقاً باليومية.
