«اليوم السابع » تخترق العالم السرى للاجئين السودانيين فى مصر..فى دفتر الحكايات: سرقة أعضاء واغتصاب نساء وتغيير الديانة.. والمأساة تبدأ من شمال السودان إلى جنوبه
الأربعاء، 19 سبتمبر 2012 11:44 ص
صورة أرشيفية
أعد الملف هدى زكريا -تصوير دينا رومية
تستدل عليهم من بشرتهم السمراء، تراهم فى تجمعات كثيرة أمام الكنائس والأديرة، يتمركزون فى مناطق سكنية محددة، فإذا كنت من أبناء مناطق مثل عين شمس، مدينة نصر، حدائق المعادى، حدائق حلوان، المهندسين، 6 أكتوبر والعاشر من رمضان وغيرها، بالتأكيد ستلمح عددا منهم خلال حركتك اليومية، تعرفهم من طول قامتهم، وبشرتهم الداكنة وملامحهم الحادة، تسمع لغاتهم المتباينة، تدفعك تعاملاتك اليومية بمحل سكنك للاحتكاك بهم من وقت لآخر، وقد تتدخل أحيانا كثيرة لفض مشاجرة هم طرف فيها.
تفعل كل هذا دون أن تعلم ما هى جنسياتهم وما الذى أتى بهم إلى بلدك، تتعامل معهم دون أن تنخرط فى عالمهم وتدخل مجتمعهم لتدرك معاناتهم وتسمع قصصهم المختلفة، بدءا من بيع الأعضاء أو محاولة التسلل لإسرائيل خوفا من المصير المجهول، إلى اضطرار الفتيات إلى العمل بالدعارة للحصول على لقمة العيش.
اللاجئون الأفارقة يتوافدون إلى مصر للاحتماء بها من جميع أشكال العنف والاضطهاد العرقى والدينى فى وطنهم أو نتيجة لملاحقتهم من قبل أجهزتهم الأمنية فى بلدهم، ظنا منهم بأنها ستكون الملاذ الوحيد لهم من الشقاء، إلا أنهم يتعرضون لأشكال جديدة من المعاناة. ومع ذلك يواصلون التدفق على الحدود المصرية، فمصر هى الدولة الأقرب لهم، إضافة إلى أنها واحدة من الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الخاصة بحماية اللاجئين عام 1951 ضمن 130 دولة، وهى الوثيقة التى تلزم الدول الموقعة عليها باستقبال المواطنين الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب الجنس، القومية، الاعتناق الدينى أو السياسى.
ويبلغ عدد الأفارقة اللاجئين وطالبى اللجوء إلى مصر 49 ألف وخمسمائة وأربعة لاجئين، من بلاد مختلفة مثل: السودان وجنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا، والصومال، وذلك وفقا لإحصائية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتى أجرتها فى شهر يوليو الماضى، وهى الجهة المنوطة بحمايتهم من الترحيل القسرى وتلبية احتياجاتهم المختلفة وتوفير الرعاية اللازمة لهم بالتعاون مع مجموعة من الجهات الأخرى مثل، منظمة كاريتاس الملزمة بتقديم الرعاية الطبية والمؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين المعنية بالجانب القانونى لهم والدفاع عنهم، إضافة إلى مجموعة من منظمات المجتمع المدنى وعدد من المدارس والكنائس والمستشفيات التى تقوم جميعها بتوفير الخدمات المختلفة لهؤلاء اللاجئين بالتعاون مع المفوضية مثل مركز «القديسة بخيتة» للتعليم الأساسى، جمعية نهضة وتنمية المرأة، كنيسة القلب المقدس، مركز عزة لتنمية المرأة والطفل، جمعية الشروق للمشروعات الصغيرة، المجلس العربى لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان، مستشفى بهمان، مستشفى العباسية للصحة النفسية، مركز النديم لضحايا التعذيب والعنف والائتلاف من أجل حلول لفشل الأعضاء البشرية وغيرها من الجهات. حكايات متباينة، تجسد معاناة الآلاف من اللاجئين فى مصر الذين تتضاعف أعدادهم عاما تلو الآخر، الجميع داخل هذا العالم الصغير الذى توحده عادات وتقاليد ولغات متقاربة يخشى التكيف مع مجتمع أكبر، فيظل منغلقا على نفسه محروما من التعليم والتجنس والعمل نتيجة تحفظ مصر على هذه البنود أثناء توقيعها على الاتفاقية سالفة الذكر، فيحاول كل منهم التغلب على مصاعب الحياة التى يعاصرها هنا بطرق شتى تنتهى إما بالموت أو خلف قضبان السجون، أو التشرد فى الشوارع.
«اليوم السابع» اخترقت العالم السرى للاجئين الذين بدأ عدد منهم حاليا فى الاعتصام أمام المفوضية للشهر السادس على التوالى، لتسلط الضوء على مشكلة حقيقية توشك أن تتحول إلى قنبلة موقوتة داخل المجتمع المصرى إذا لم ينتبه لها المسؤولون ويستمعوا لاحتياجاتهم بتسفيرهم إلى بلد آخر أو توفير احتياجاتهم للعمل والتعليم والعلاج، حتى لا يتكرر مشهد اعتصام اللاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود عام 2005 والذى راح ضحيته الكثيرون.
هذا الملف يتعرض لمأساة اللاجئين السودانيين لمصر بعد أن عاد الرئيس السودانى عمر البشير إلى السودان بعد زيارة إلى مصر ومعه 122 سجينا سودانيا.. لكنه لم يسمع هذه الحكايات التى تفطر القلب للاجئين السودانيين فى مصر.
«عبدالوهاب».. عصابات تجارة الأعضاء سرقت كليته
لم يعلم يوما أن دكانا خشبيا، يحتوى على ماكينة وحيدة لتصوير الأوراق فى الخرطوم، سيكون سبب شقائه إلى الأبد، فيكفى أن تسأله عن سبب لجوئه إلى مصر ليقص عليك حكايته التى بدأت هنا عام 2007 عندما هرب من موطنه بسبب ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية واعتقاله بتهمة معاونة إحدى الحركات المناهضة للنظام السودانى الحاكم وتشجيعها على نسخ وتداول المنشورات المحظورة.
محمد عبدالوهاب، شاب فى الثلاثينيات من عمره لا يجيد القراءة والكتابة، أصيب بحالة نفسية سيئة نصحه أصدقاؤه المقربون بعد خروجه من المعتقل الذى تسبب فى إصابته بحالة نفسية سيئة نتيجة عمليات التعذيب التى تعرض لها فيه ومحاولات اغتصابه المتكررة دخل على أثرها مستشفى نفسى لتلقى العلاج، بالسفر إلى مصر وذلك لسببين الأول: للزيارة والسياحة والثانى لاستغلالها للهجرة إلى دولة أخرى، ولكن نظرا للتحذيرات الأمنية التى وُجهت له بعدم مغادرة البلاد وتحديد وضعه تحت عيون سلطة النظام، قام بتغيير بعض البيانات الخاصة به فى جواز السفر مثل: اسم الجد وتاريخ الميلاد والسن وذلك بمعاونة أحد أقاربه - موظف بالجوازات، لينجح فى الهروب إلى مصر وقضاء ما يقرب من عامين فيها تم خلالها الاعتراف به كلاجئ من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
حياته فى مصر كانت مقتصرة على المبيت داخل منزل أحد معارفه، بعدما تعرض لمضايقات كثيرة فى المنزل الذى أقام فيه بمفرده بإحدى المناطق الشعبية، فلم يسلم عبدالوهاب يوما من مضايقات البلطجية له ومحاولاتهم المستمرة للاستيلاء على ممتلكاته، وعندما ساءت حالته النفسية بسبب الذكرى الأليمة التى تتردد على ذهنه بين الحين والآخر سواء داخل المعتقل أو المشاكل الأسرية التى عاصرها منذ الصغر بين أهل الوالدين، أدخلته المفوضية مستشفى العباسية لتلقى العلاج اللازم، وبعدما تحسنت حالته خرج من المستشفى، ولكن سرعان ما ساءت مرة أخرى لدرجة أنه أقبل على الانتحار أكثر من مرة فنصحته المفوضية بالعودة إلى أهله للموت بينهم، وبالفعل أغلقت ملفه الخاص بطلب اللجوء فى مصر ورحلته لموطنه الأصلى.
خلال فترة العامين التى قضاها عبدالوهاب فى مصر، تعذرت حالته المادية، فلا أحد يساعده ولا يوجد مصدر رزق له، يقول عبدالوهاب: عانيت من التشرد فى مصر وتنقلت بين أكثر من سكن وكانت المعونة التى تنفقها على المفوضية لا تتجاوز 470 جنيها فقط، وبالتأكيد فهى لا تكفى احتياجاتى، بمرور الوقت تعرفت على مجموعة من السودانيين والأردنيين، كانوا يترددون بشكل مستمر على مقاهى وسط البلد، عرضوا على ذات مرة بيع كليتى مقابل 10 آلاف دولار، بعدما رأوا حالتى المادية الصعبة ولكنى رفضت، فتركونى فترة ثم عادوا لى من جديد وأقنعونى بأنهم نسوا الفكرة تماما وبدأوا يصطحبونى للبارات، وفى يوم شربت معهم كمية كبيرة من الخمور حتى فقدت الوعى تماما فنقلونى إلى أحد المستشفيات، وبالاتفاق مع الطبيب قاموا بسرقة كليتى، ولم أتذكر من هذا اليوم إلا السرير والملاءة البيضاء التى استيقظت فوجدت نفسى مستلقيا عليها.. حاولت تحرير محضر ضدهم ولكن كانت أسماؤهم غير حقيقية ولا أعرف محل سكنهم ولا أى شىء عنهم.
ويتابع بشفاه مرتعشة وعين دامعة: سرقة كليتى كانت واحدة من العوامل التى زادت حالتى النفسية سوءا، واضطرتنى للعودة للسودان مرة أخرى، فلم أعد أتحمل الغياب عن أسرتى أكثر من عامين تعرضت خلالهما لسوء المعاملة والضرب والإهانة، وفى كل مرة لم أستطع الدفاع عن نفسى بسبب مرضى النفسى ونوبات التشنج التى كانت تنتابنى من وقت لآخر، مكثت هناك 6 أشهر، حاولت فيها مساعدة أمى ولكن دون فائدة، حتى بدأ الجيران يتداولون فى منطقة سكنى أننى بعت أعضائى من أجل المال، إضافة للمضايقات الأمنية التى كنت أتعرض لها من وقت لآخر ومحاولات اعتقالى أكثر من مرة، حتى عدت من جديد لمصر وأقنعت المفوضية بإعادة فتح ملفى مرة أخرى بحجة أننى لا مأوى لى فى السودان وأن أخى اعتقل هناك ويتعرض للمضايقات بسببى وأمى هجرت المنزل وانتقلت للعيش فى الضواحى.
وقوع الأفارقة كفريسة فى يد سماسرة تجارة الأعضاء، مشكلة تؤرق بال المجتمع الدولى المعنى بحقوق الإنسان، والذى يتولى رصد عدد الحالات التى تخضع لهذا النوع من المتاجرة والأماكن المعروف عنها إجراء مثل هذه العمليات وتقديم اقتراحات للحد من هذه الظاهرة، وهذا بالفعل ما فعلته منظمة «كوفس» المهتمة بمحاربة تجارة بيع الأعضاء البشرية واستحداث وسائل قانونية لنقل أو توريث الأعضاء البشرية عن طريق قنوات شرعية، وقد كشف التقرير الصادر حديثا عنها أن مهربى الأعضاء البشرية الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة «السودان، مصر، الأردن، ليبيا» يستغلون حاجة اللاجئين السودانيين وطالبى اللجوء فى مصر ويمارسون ضدهم مجموعة انتهاكات تشمل إزالة الكلى إما عن طريق الموافقة أو الإكراه، أو السرقة الصريحة.
وأكد التقرير أن جميع الضحايا يتعرضون لتدهور حالتهم الصحية بالإضافة إلى الآثار السلبية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية نتيجة التجربة، وقدرت المنظمة أن هناك على الأقل مئات الضحايا السودانيين من عمليات الاتجار بأعضاء البشر فى مصر، فضلا عن كثيرين من الأردن وإريتريا، وإثيوبيا، والصومال، والعراق وسوريا، ووفقا للرصد الذى أجرته المنظمة على عدد من ضحايا يصل إلى 57 فردا، وصلت نسبة أبناء إقليم دارفور فى هذه العينة إلى %39 وهى النسبة الأعلى مقارنة بالجنسيات الأخرى وأوصت المنظمة النقابات الطبية فى مصر، والحكومة الحالية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بوضع حد لهذه الظاهرة الناجمة عن معاناة هؤلاء اللاجئين فى الدولة المضيفة وقمع ومعاقبة مرتكبى مثل هذا النوع من الجرائم، وفقا للقوانين والتشريعات المتعلقة بعمليات زرع أو بيع الأعضاء وأخيرا إنشاء قنوات للإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات، خاصة أن معظم ضحاياها يكونون حديثى السن وأميين.
عبدالله إدريس حنظل، مسؤول قسم البحوث والدراسات بمركز السودان المعاصر للدراسات والإنماء، يقول إن اللاجئين جاءوا إلى مصر هربا من اضطهاد عانوا منه فى موطنهم ولكنهم اصطدموا بواقع مرير فتحفظ الأولى على بعض البنود الخاصة بالتعليم والعمل والتجنس خلق أزمة كبيرة تدفع هؤلاء المتضررين للتغلب عليها بشتى الطرق حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم، ويضيف: اللاجئون يقعون ضحايا فى يد سماسرة وشبكات تجارة الأعضاء من السودان وسوريا ومصر وفلسطين، وعن الحلول التى يمكن العمل عليها للحد من هذه الظاهرة، يقول حنظل، يجب أولا أن تقوم الأمم المتحدة بزيادة موارد مكتبها المعنى بشؤون اللاجئين فى مصر، لتلبية احتياجاتهم، إضافة إلى الإسراع فى توطينهم، إلى جانب وضع آليات لحماية اللاجئين وطالبى اللجوء من هذه المخاطر.
«إيهاب سليمان» تسلل
إلى إسرائيل وغادرها
«التسلل إلى إسرائيل» أحد الحلول التى تراود أذهان الكثيرين من اللاجئين الأفارقة فى مصر، خاصة بعد تجاهل مطالبهم، فلا يبقى أمامهم سوى المساعدة المالية التى يحصلون عليها من المفوضية التى تبلغ 300 جنيه كحد أدنى تكفى حاجتهم بالكاد وفى كثير من الأوقات لا تكفى من الأساس، ووقوع اللاجئ الراغب فى دخول إسرائيل بعدما أوصدت فى وجهه جميع سبل المعيشة هنا، كفريسة فى يد عصابات البدو التى تقوم بسرقة أعضائه مقابل مساعدته فى عملية الدخول وتلقيه جثة هامدة فى الصحراء، أمرا حتميا ينتظر كل من يرغب فى الهروب إلى هناك، إلا من رحم ربى، وهذا ما حدث مع «إيهاب سليمان» ذو الخمسة والأربعين عاما الذى نجح فى التسلل لإسرائيل زاعما أنها الملاذ الوحيد مما يتعرض له ولكنه اكتشف العكس تماما.
تبدأ قصة لجوء إيهاب لمصر عام 2003 عندما اشتدت الصراعات والنزاعات فى إقليم دارفور على خلفيات عرقية وقبلية، فتعذرت تجارته هناك وتم اعتقاله أكثر من مرة بسبب تنقله ما بين دارفور والخرطوم عدة مرات بحجة التجارة، وتم توجيه تهم عديدة إليه على رأسها تسريب معلومات للحركات المتمردة هناك، ظل معتقلا لمدة 21 يوما أطلق سراحه بعدها بشرط الالتزام بزيارات دورية لأقسام الشرطة فى نهاية كل أسبوع لمتابعة نشاطه، حتى ساعده أحد أقاربه فى السفر إلى مصر، وقدم طلب التماس للجوء إلى مكتب المفوضية السامية وبناء عليه تحدد له موعد المقابلة بعد شهرين.
يقول إيهاب: عانيت كثيرا فى القاهرة فانتقلت للعمل فى سيناء وبالفعل هناك أصبح لدى علاقات من الأصدقاء المصريين والإسرائيليين على حد سواء، حتى جاء عام 2005 وعدت إلى القاهرة من جديد لأشارك إخوتى المتضررين فى الاعتصام الذى نظموه فى مصطفى محمود بمنطقة المهندسين وانتهى بموت كثير منهم أمام عينى لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم وترحيلهم إلى دولة أخرى، طالما أن مصر فشلت فى رعايتهم، وبعدما تم فض الاعتصام كان أمام اللاجئين أربعة حلول إما العودة إلى السودان فهذا قد يكون صعبا، أو التسلل إلى ليبيا وهذا سيدخل مصر فى مشكلة كبيرة أو النزوح إلى إيطاليا وأخيرا دخول إسرائيل وبالفعل كثير منهم اختار الخيار الأخير وأنا كنت واحدا منهم.
ويضيف: دخلت إسرائيل فى 6 مايو 2007، عن طريق مساعدة أصدقائى البدو، بعد ما طلبت من أحد أصدقائى البدو تسهيل دخولى لإسرائيل مقابل 1000 جنيه مصرى، كل ما أملك وقتها، بالفعل نقلنى إلى العريش فوجدت فى انتظارى ما يقرب من 6 سودانيين و2 من ساحل العاج الجميع أتى للرغبة نفسها وهى الرحيل إلى إسرائيل، بدأنا التحرك فى منتصف الليل عن طريق عربية «جيب» مغطاه ببطانية سيرنا بها مسافة 8 كيلو ثم عاودنا السير على أقدامنا بعدما اقتربنا قليلا.
ويتابع: كان برفقتنا ثلاثة من البدو أخبرونا بأن اقترابنا بهذا العدد لا يجوز، فقمنا بتقسيم أنفسنا على مجموعات، المجموعة الأولى مكونة من 5 أفراد كنت واحدا منهم ومعنا بدوى واحد فقط، اقترب معنا ثم تركنا ونصحنا بالتشبث بالأسلاك جيدا حتى وإن كشفنا الجنود، فلا سبيل للرجوع أمامهم، وبالفعل تمسكنا بالسلك جيدا ولكنه انقطع وسقطنا على الأرض وأحدثنا صوتا، وانتبه لنا حرس الحدود من الجنود المصريين الذين سارعوا فى إطلاق النار علينا كما يفعلون دائما مع أى متسلل أفريقى، ولكننا نجحنا فى الهروب وتجاوز الحاجز حتى وجدنا أمامنا عربتين للجيش الإسرائيلى، نصحت أصدقائى بالثبات ولكنهم فروا، ورغم ذلك تم الإمساك بهم، أما أنا فسلمت نفسى للجيش الإسرائيلى دون خوف لأننى أعرف طبيعتهم لتعاملى معهم لفترة وعلى يقين بأنهم لن يؤذوننى، بعدها قاموا باحتجازنا فى معسكر لمدة 10 أيام قضيناها فى العمل بمزرعة المعسكر من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء فى غرفة لا تتجاوز بضعة أمتار، دون مقابل مادى.
استمر تنقل إيهاب هكذا بين السجون لمدة شهر و15 يوما قضاها بين معتقلى حركة حماس والجهاد والبدو وعرب 48 حتى جاء موعد إطلاق سراحه بعدما تم استجوابه من قبل السلطات الأمنية هناك ومعرفة أسباب لجوئه إلى إسرائيل، فحصل على موافقة العمل فيها بشرط عدم تشجيع أبناء قارته على الاحتماء بإسرائيل، وتكرار ما فعله والحرمان من التجنس مهما طالت مدة إقامته هناك، وبالفعل تم نقله للعمل فى إحدى فنادق مدينة إيلات كعامل نظافة، ولكن نظرا لسوء معاملته هو وكل السودانيين العاملين معه بالفندق من قبل العاملين الروس وعرب 48 والادعاء عليهم بأنهم يقومون بسرقة العملاء ترك الفندق وانتقل للعمل فى إحدى شركات النظافة استمر فيها لمدة ثلاثة أشهر ثم تركها ليعمل كحارس أمن فى إحدى الشركات.
يقول إيهاب: كانوا دائما يعتبروننا ضيوفا عليهم وبدأت معاملتهم تسوء لنا تدريجيا، وبالتالى لم تكن إسرائيل هى الملاذ لنا كما ظننا، حتى قررت العودة بمفردى مرة أخرى لسيناء فى 6 مايو 2010 والحمد لله لم تحدث لى أى مشاكل أثناء العودة، بعد رجوعى طلبت من أحد أصدقائى تسهيل عودتى للسودان وبالفعل ساعدنى وأبلغت المفوضية بذلك وأغلقت ملفى وبطريقة ما دخلت السودان ولكنى سرعان ما عدت إلى مصر بسبب ما تعرضت له عندما عرف أهل المنطقة أننى عدت من إسرائيل، وواصلت عملى فى سيناء مع أصدقائى حتى شهر إبريل من العام الجارى وقتها، ثم ذهبت المفوضية وطلبت إعادة فتح الملف الخاص بى، فكانت المفاجأة أنه لم يغلق أصلا ولكنهم رفضوا منحى بطاقة اللجوء للتنقل بها فى آمان بحجة سفرى إلى إسرائيل، هددتهم بالإضراب عن الطعام حتى منحونى إياها والآن أنا لا أريد أى شىء سوى ترحيلى من هنا.
أحمد بدوى، رئيس المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين، يقول إن اللاجئين الأفارقة يأتون إلى مصر لأنها الأقرب لهم حتى تتم إعادة توطينهم فى دولة أخرى، وعلى الرغم من أن مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو المعنى بهم، فإن هناك كثيرا من المشاكل تتعلق بسماع موظفيه لشكوى هؤلاء الناس واحتياجاتهم، وتحاول المؤسسة بقدر الإمكان تقديم الدعم القانونى لهم.
ويشير بدوى إلى أن غالبية المشاكل القانونية المتعلقة بأوضاع اللاجئين ترتبط بالتسلل لإسرائيل، والخطورة التى يتعرضون لها، وإلى جانب قضايا التسلل هناك مشكلة أخرى تتعلق بالشجارات التى يدخل هؤلاء الأفارقة كطرف فيها، خاصة فى المناطق العشوائية، وقضايا عدم الحصول على الرواتب جزاء القيام ببعض الأعمال وقضايا الزواج والطلاق والحق فى تسجيل الأطفال والذى يتم بالتعاون مع مجلس الأمومة والطفولة».
ويشير بدوى إلى أن تكدس اللاجئين فى مصر مثلّ ضغطا كبيرا على مواردها على الأقل علينا أن نحدد أماكن سكن هؤلاء الناس بدلا من أن يتكدسوا فى المناطق العشوائية، لابد من وضع خطة مستقبلية يتم الإعلان عنها مبكرا، خاصة أن التعليم متاح للمرحلة الأساسية فقط وأصبح حديثا يتم رفض علاج أصحاب الأمراض المزمنة».
«عمر» سابقا وفيكتور «حاليا»..
«نظام الحكم السودانى صدمنى فى دينى وأعطانى وجهة نظر سيئة عنه» بهذه الكلمات البسيطة بدأ عمر عبدالحميد، فى العشرينيات من عمره، حديثه حول الاضطهاد الذى كان يتعرض له من قبل الجماعات الدينية المتشددة فى موطنه بولاية الخرطوم، والتى تسببت فى تغيير صورته الذهنية عن دينه ودفعته لاعتناق الدين المسيحى، يقول «عمر» سابقا وفيكتور حاليا: فى السودان إذا رأت الجماعات الدينية شابا مسلما لا يصلى فقط بانتظام تعتبره كافرا، ما بالنا بالشاب الذى لا يصلى من الأساس.
النشاط السياسى لعبدالحميد والد عمر، تسبب فى تعرض نجله للمضايقات الأمنية، فهذا الشاب الذى تخرج فى كلية حاسب آلى جامعة الخرطوم، لم يسلم من بطش الأجهزة الأمنية فى السودان والتى اعتقلته عدة مرات كانت تقوم خلالها بإهانته وتعذيبه فى «بيوت الأشباح» كما يفضل أن يطلق عليها دائما، فأثر ذلك كثيرا فى نفسيته وجعله يتساءل: كيف يجرؤ شخص مسلم أن يهين أخاه هكذا ويقدم له الطعام بقدمه؟
يضيف: جئت إلى مصر فى المرة الأولى فى شهر أكتوبر 2005 هربا من الملاحقات الأمنية لى، ومكثت فيها لفترة أربع سنوات، ثم عدت إلى السودان مرة أخرى، بمجرد دخولى إليها تم احتجازى من جديد فى وادى حلفا وتوجيه تهم لى بمناهضة النظام الحاكم بعدما قام أحد المكاتب السودانية فى مصر بإرسال معلومات مغلوطة عنى للسلطات السودانية، ومن كثرة الإهانة التى لقيتها تمنيت اعتناق الديانة المسيحية خاصة بعدما اندمجت مع صديقى جون، وبدأت فى حضور جلسات الكتاب المقدس والقراءة فيه، وبالفعل تم تعميدى فى كنيسة كل القديسين هناك.
سألونى فى البداية ماذا تعرف عن المسيحية ولماذا تريد تغيير دينك، بعدها بالتأكيد كان استمرارى فى منطقة سكنى أمرا مستحيلا، لأنى كنت على يقين بأن الجماعات الإسلامية ستطبق على حد الردة، وبالتالى قررت الهروب إلى مصر وفعلت ذلك عن طريق حلايب وشلاتين خوفا من إلقاء القبض على مرة أخرى، وقدمت للمفوضية طلب لجوء لأنى ملاحق من الأجهزة الأمنية والجماعات الدينية بسبب تغيير الديانة، ولكن المشكلة التى تواجهنى إلى الآن أنه لم يتم تغيير اسمى فى بطاقة المفوضية، لأننى لم أحضر معى «ورق تعميدى» من الكنيسة السودانية، وبالتالى ما زالت البطاقة مدونا عليها الاسم القديم، وهذا حرمنى من ممارسة الشعائر الدينية فى الكنائس بسبب الاسم.
يقول: إحدى كنائس الحى السابع طردتنى لأنها لم تصدق أنى أصبحت مسيحيا والمفوضية تخبرنى بأنها لا يمكنها مساعدتى، وعلى أن أذهب للسفارة لتغيير الاسم وهى تعلم جيدا أن صلتنا كلاجئين تنقطع بالسفارة، ولدى خوف دائم منذ أن علمت أن أخى جاء لمصر ويبحث عنى، إضافة إلى أننى أعانى أيضاً ماليا، لم أحصل على أى معونة، لأنه لم يتم تحديد وضعى حتى الآن.
وتعد الكنيسة واحدة من الجهات التى ترعى اللاجئين الأفارقة والذين يدين أغلبهم بالدين المسيحى، فتقدم لهم خدمات مختلفة سواء بالسماح لهم بالتعليم فى مدارسها أو تقديم إعانات مالية بسيطة، أو توفير الرعاية الصحية، وبالتالى لم يجد اللاجئون سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين سوى تلك الجهة الدينية ليلقوا منها الرعاية، وقد يضطر بعض اللاجئين لتغيير ديانتهم كوسيلة للتحايل على المفوضية والضغط عليها لإعادة توطينهم فى دولة أخرى بحجة أن الدولة المضيفة مصر لم تعد آمنة وأنهم معرضون للخطر من قبل الجماعات الدينية المتشددة، مثلما فعل بشير أحد الأصدقاء المقربين لعمر وقام بتغيير ديانته فى مصر وفور سفره إلى أمريكا عاد لدينه الأول وهو الإسلام.
«عندى استعداد أن أغير دينى لو عجل هذا من ترحيلى خارج مصر وأقول هذا وأنا فى كامل قواى العقلية» بهذه الكلمات البسيطة أوجز الضو عبدالله الضو أحد اللاجئين السودانيين، استعداده لتغيير دينه مقابل التعجيل من توطينه فى أى دولة، وذلك بعدما سئم من بيروقراطية مكتب المفوضية السامية والذى أخبره منذ عام 2003 بأنه سيتم توطينه فى دولة أخرى وحتى الآن لم يحدث شىء.
يقول: جئت لمصر لأسباب أمنية حيث كنت عضوا فى الحزب الشيوعى السودانى، وعندما تم قبولى كلاجئ عملت لفترة كمرشد سياحى بجنوب سيناء حتى وقعت حادثة مصطفى محمود ورأيت إخوتى يسقطون أمام عينى فأصبت بحالة نفسية سيئة وتعالجت لفترة فى مستشفيات الصحة النفسية ولا أحتاج سوى توطينى فى بلد آخر ولا يلوم على أحد إذا قمت بتغيير دينى فمجتمع اللاجئين هنا والجهات التى نتعامل معها مسيحية لا يعطون امتيازات إلا لمعتنقى نفس الديانة.
يعلق على هذا الأمر أحد رجال الدين المسيحى، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، قائلاً: لا يقبل المجتمع الكنسى الاعتراف بإنسان غير ديانته لظروف معيشية أو لرغبته فى استغلال ذلك لأغراض محددة طالما أن هذا الإيمان الجديد لم يكن نابعا من داخله، مضيفاً أن الكنائس على مختلف طوائفها تقوم بمساعدة اللاجئين بصرف النظر عن ديانتهم، لأنها تنظر لهم من منطلق واحد وهو أنهم شركاء فى الإنسانية ومحتاجون ولا تطلب استخراج البيانات الشخصية لمعرفة ديانة طالب المساعدة إن كان مسلما أو مسيحيا، وتابع: تغيير الديانة فى مثل هذه الحالات لا يمثل عقيدة جوهرية وهذا فى رأيى يعتبر تلاعبا بالأديان، ففى المقام الأول لا يعتد به وقد علمنا الدين المسيحى أن نقدم المساعدة للإنسان أيا كانت ديانته أو جنسيته.
اغتصاب خديجة ومساومتها على جسدها
تلفت انتباهك من بشرتها البيضاء التى تجعلها مميزة عن أبناء قارتها، وجهها المائل إلى الحمرة ملابسها التى تتشابه إلى حد كبير مع ملابس فتيات العاصمة «القاهرة»، جلست فوق النجيل وسط حديقة واسعة أمام مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر تصيح بكل ما لديها من قوة تتحدث عن حقوقها الإنسانية فى الحماية والرعاية والتى غابت عنها طيلة حياتها، فهذه السيدة الثلاثينية تعرضت لحوادث اغتصاب وتحرش كثيرة أثرت سلبيا على نفسيتها وزادتها رغبة فى الرحيل من هذا البلد الذى لجأت إليه لتحتمى فيه ولكن خاب ظنها.
حياة مشردة تعيشها خديجة متنقلة بين بيوت الرجال والأصدقاء بحثا عن أربعة جدران تؤويها من ذئاب الشارع الذين يلاحقونها فى كل مكان تذهب إليه، جاءت إلى مصر عام 2011 مع زوجها بعدما عانت فى جنوب السودان من مطاردات بعض القبائل بسبب بشرتها البيضاء، ولكن سرعان ما تشاجرت مع زوجها فور وصولها لمصر وانفصلت عنه لتلقى المصير المجهول وحدها بلا قريب أوصديق، تتنقل للعمل كخادمة من منزل لآخر، وينتهى حالها بالطرد بسبب ضعف سمعها بشكل يجعل أصحاب المنزل غير قادرين على تحملها فلا تجد مأوى لها سوى الشارع.
تقول خديجة وهى منخرطة فى البكاء: نحن لم نأت هنا لننظف بيوت المصريين، نحن بشر لنا حقوق نريد من المفوضية حمايتنا ورعايتنا، وتتابع تفاصيل الحادث الأليم الذى تعرضت له قائلة: فى الأيام الأولى عقب الثورة كنت عائدة من منزل إحدى صديقاتى فى منطقة بولاق أبوالعلا ركبت «ميكروباص» ينقلنى لمدينة 6 أكتوبر وجدته يتجه بى لمكان مجهول ملىء بالعربات، وفجأة ظهرت أمامى دراجة بخارية يستقلها 4 شباب، قاموا بسرقة حقيبتى وأموالى واصطحبنى أحدهم بالقوة أسفل الكوبرى وقام باغتصابى، وعندما جئت للمفوضية ومعى جميع المحاضر والأوراق لم أجد أحدا يستمع لشكواى ولم آخذ حقى مما تعرضت له حتى الآن.
وتضيف خديجة: تعبت من الحياة كل رجل أسأله المساعدة يساومنى على جسدى، لا يوجد مصدر دخل لى وبعدما كانت المفوضية تساعدنى بالمعونة الشهرية توقفت فجأة ولا أعرف السبب، أنا هائمة فى الشارع وأحيانا أحتمى فى منزل إحدى صديقاتى من شدة الخوف والرعب، لقمة العيش نتقاسمها سويا ونشرب عليها مياه ونحمد الله، أنا حياتى صعبة ولا يعقل أن أختبئ فى البيت طوال حياتى ولا أعمل لأجد لقمة العيش خوفا من البلطجية. من المفترض أن المفوضية هى التى تحمينى من هؤلاء الذئاب الذين ينهشون جسدى، خاصة أنه من الصعب أن أعود للسودان مرة أخرى، حقيقى أنا لا أعلم الآن ما مصيرى وأين أهلى، فأبى وأمى حرقا أمام عينى فى حرب جنوب السودان.
حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، يقول إن مشكلة إعادة توطين اللاجئين ليست فى يد الحكومة المصرية وحدها، ولكن هناك أطرافا أخرى تتعلق بالدولة التى سيتم فيها إعادة التوطين والاشتراطات التى تضعها لهذا الشأن، ومن وجهة نظرى ينبغى على وزارة الخارجية أن تتواصل مع منظمة جنيف وتشرك معها الأمم المتحدة لحل هذه الأزمة الإنسانية، فمصر لم تعد قادرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين.
«مجور ميور» فقد ابنه وأصيب بالدرن وتسولت زوجته
لم يختلف وضعه كثيرا عن بقية اللاجئين الأفارقة الذين فروا إلى مصر، «مجور ميور» ذو السادسة والثلاثين عاما لاجئ من جنوب السودان جاء لمصر فى إبريل 2003 بسبب مضايقات السلطة السودانية له.
لم تقتصر معاناة مجور فى البلد المضيف على مصادر الرزق المتقطعة التى يجدها يوما وتختفى من أمامه عشرة، ولكن أيضاً فى إصابته بمرض الدرن الذى بات ينهش فى جسده بسبب ضعف التغذية يقول: تزوجت فى مصر وأنجبت أربعة أطفال «ميور، زكريا، شمشون، مريم»، بعد المجئ إلى مصر وقبولى إلى لاجئ، بدأت أصابتى بمرض الدرن الذى أثر علىّ كثيرا وأصابنى بشلل نصفى، بدأت أتنقل بين أكثر من جهة بحثا عن علاج لحالتى، فتارة أذهب للمفوضية فتخبرنى بأن تكاليف العلاج غالية لا يمكنها تحملها وتارة أخرى أذهب لإحدى الكنائس لتتدخل فى الأمر وبالفعل، تدخلت الأخيرة واتفقت مع منظمة كاريتاس والتى تولت أيضاً علاجى فى البداية فقط.
ويتابع: لم يقتصر الأمر على مرضى فقط، ولكننى دخلت فى حالة من الحزن والأسى على طفلى الثانى زكريا الذى كنت أراه يذبل أمام عينى يوما بعد يوم، فذات مرة أثناء شهوره التسعة الأولى، قام بابتلاع قطعة حديدية أثناء لعبه مع أخيه، وتنقلت به بين المستشفيات وأهملت علاجى الخاص بمرضى، لأنفق عليه، وجميع المستشفيات التى تنقلت بينها لم تقدم لى حلولا ومارست معى كل أشكال البيروقراطية حتى المفوضية، عندما لجأت إليها وقتها قالت لى إنها لا يمكنها مساعدتى لأن الطفل غير مدون معى فى البطاقة، كل هذا وطفلى محروم من الطعام بسبب القطعة الحديديه العالقة فى المرىء وظل وزنه يتناقص تدريجيا لدرجة أوشكت بموته فى أى لحظة حتى تمكنت أخيراً من إجراء عملية له لاستخراجها وما زال هو ينتظر عملية أخرى لتوسيع المرئ لا أدرى من أين أتحصل على تكاليفها.
«ميور» واحد من اللاجئين الأفارقة المقيمين فى المناطق الشعبية وبالتالى فهو عرضة للمشاكل والمشاجرات فى أى وقت، وهذا ما حدث معه عندما تشاجر معه جيرانه من السودانيين وتسببوا فى إجهاض زوجته ورؤية طفله وهو يموت أمام عينه، ودخوله السجن وتعرضه للضرب والإهانة حتى فقد قدرته على معاشرة زوجته التى أغلقت فى وجهها أبواب الرزق، بعدما تكفلت برعاية أسرتها بسبب مرض زوجها، وأصبح حالها الآن فى الشوارع تجوبها كسائلة بحثا عن لقمة العيش، يضيف ميور: تأخرت عنى المعونة التى كانت تقدمها لى المفوضية أكثر من شهر، حتى قام صاحب السكن بطردى وأنا الآن مشرد مع عائلتى فى الشارع فهو المأوى الوحيد لى، ولأن ليس لى محل سكن فلم أقدر على تقديم أوراق طفلى للمدرسة الكنسية ليلتحق بها مع بداية العام الدراسى، وعلى الرغم من أن المفوضية أخبرتنى بإعادة توطينى منذ سنوات، فإن هذا لم يحدث ومازلت فى مصر أعانى أشد المعاناة، فلا سكن ولا رعاية صحية ولا تعليم لأطفالى.
عبدالرحمن صديق ناشط بالمجتمع المدنى السودانى بالمهجر، يقول: مصر تحفظت على أهم البنود، عندما وقعت على اتفاقية جنيف وافقت والتزمت، بالجانب الذى يعترف فيه باللاجئ دون أن تعترف بحقوقه كاملة، مثل العمل، حق التجنس، المعاملة أسوة بمواطنيها، الحصول على وثائق السفر، التعليم لأبنائهم، الاستثمار، حرية التجمهر والتعبير، على عكس دول أخرى وهذا يشكل عقبة فى أداء المفوضية وشركائها، لأنهم فى النهاية يعملون تحت إشراف وتعاون وزارة الخارجية المصرية، وهذا يعنى أنهم خاضعون لسياسة الخارجية ولا يحق لهم وضع أى قوانين أو سياسات تتعارض مع التوجهات العامة للدولة المصرية، وهو ما ينعكس سلبا على أوراق وحياة اللاجئين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نأمل فى المستقبل القريب والعاجل أن يسن مجلس الشعب التشريعات التى يتم فيها إلغاء هذه التحفظات والقبول بكامل الاتفاقية والعمل على وضع سياسات لمساعدة المفوضية للقيام بعملها بشكل فعال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تستدل عليهم من بشرتهم السمراء، تراهم فى تجمعات كثيرة أمام الكنائس والأديرة، يتمركزون فى مناطق سكنية محددة، فإذا كنت من أبناء مناطق مثل عين شمس، مدينة نصر، حدائق المعادى، حدائق حلوان، المهندسين، 6 أكتوبر والعاشر من رمضان وغيرها، بالتأكيد ستلمح عددا منهم خلال حركتك اليومية، تعرفهم من طول قامتهم، وبشرتهم الداكنة وملامحهم الحادة، تسمع لغاتهم المتباينة، تدفعك تعاملاتك اليومية بمحل سكنك للاحتكاك بهم من وقت لآخر، وقد تتدخل أحيانا كثيرة لفض مشاجرة هم طرف فيها.
تفعل كل هذا دون أن تعلم ما هى جنسياتهم وما الذى أتى بهم إلى بلدك، تتعامل معهم دون أن تنخرط فى عالمهم وتدخل مجتمعهم لتدرك معاناتهم وتسمع قصصهم المختلفة، بدءا من بيع الأعضاء أو محاولة التسلل لإسرائيل خوفا من المصير المجهول، إلى اضطرار الفتيات إلى العمل بالدعارة للحصول على لقمة العيش.
اللاجئون الأفارقة يتوافدون إلى مصر للاحتماء بها من جميع أشكال العنف والاضطهاد العرقى والدينى فى وطنهم أو نتيجة لملاحقتهم من قبل أجهزتهم الأمنية فى بلدهم، ظنا منهم بأنها ستكون الملاذ الوحيد لهم من الشقاء، إلا أنهم يتعرضون لأشكال جديدة من المعاناة. ومع ذلك يواصلون التدفق على الحدود المصرية، فمصر هى الدولة الأقرب لهم، إضافة إلى أنها واحدة من الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الخاصة بحماية اللاجئين عام 1951 ضمن 130 دولة، وهى الوثيقة التى تلزم الدول الموقعة عليها باستقبال المواطنين الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب الجنس، القومية، الاعتناق الدينى أو السياسى.
ويبلغ عدد الأفارقة اللاجئين وطالبى اللجوء إلى مصر 49 ألف وخمسمائة وأربعة لاجئين، من بلاد مختلفة مثل: السودان وجنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا، والصومال، وذلك وفقا لإحصائية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتى أجرتها فى شهر يوليو الماضى، وهى الجهة المنوطة بحمايتهم من الترحيل القسرى وتلبية احتياجاتهم المختلفة وتوفير الرعاية اللازمة لهم بالتعاون مع مجموعة من الجهات الأخرى مثل، منظمة كاريتاس الملزمة بتقديم الرعاية الطبية والمؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين المعنية بالجانب القانونى لهم والدفاع عنهم، إضافة إلى مجموعة من منظمات المجتمع المدنى وعدد من المدارس والكنائس والمستشفيات التى تقوم جميعها بتوفير الخدمات المختلفة لهؤلاء اللاجئين بالتعاون مع المفوضية مثل مركز «القديسة بخيتة» للتعليم الأساسى، جمعية نهضة وتنمية المرأة، كنيسة القلب المقدس، مركز عزة لتنمية المرأة والطفل، جمعية الشروق للمشروعات الصغيرة، المجلس العربى لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان، مستشفى بهمان، مستشفى العباسية للصحة النفسية، مركز النديم لضحايا التعذيب والعنف والائتلاف من أجل حلول لفشل الأعضاء البشرية وغيرها من الجهات. حكايات متباينة، تجسد معاناة الآلاف من اللاجئين فى مصر الذين تتضاعف أعدادهم عاما تلو الآخر، الجميع داخل هذا العالم الصغير الذى توحده عادات وتقاليد ولغات متقاربة يخشى التكيف مع مجتمع أكبر، فيظل منغلقا على نفسه محروما من التعليم والتجنس والعمل نتيجة تحفظ مصر على هذه البنود أثناء توقيعها على الاتفاقية سالفة الذكر، فيحاول كل منهم التغلب على مصاعب الحياة التى يعاصرها هنا بطرق شتى تنتهى إما بالموت أو خلف قضبان السجون، أو التشرد فى الشوارع.
«اليوم السابع» اخترقت العالم السرى للاجئين الذين بدأ عدد منهم حاليا فى الاعتصام أمام المفوضية للشهر السادس على التوالى، لتسلط الضوء على مشكلة حقيقية توشك أن تتحول إلى قنبلة موقوتة داخل المجتمع المصرى إذا لم ينتبه لها المسؤولون ويستمعوا لاحتياجاتهم بتسفيرهم إلى بلد آخر أو توفير احتياجاتهم للعمل والتعليم والعلاج، حتى لا يتكرر مشهد اعتصام اللاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود عام 2005 والذى راح ضحيته الكثيرون.
هذا الملف يتعرض لمأساة اللاجئين السودانيين لمصر بعد أن عاد الرئيس السودانى عمر البشير إلى السودان بعد زيارة إلى مصر ومعه 122 سجينا سودانيا.. لكنه لم يسمع هذه الحكايات التى تفطر القلب للاجئين السودانيين فى مصر.
«عبدالوهاب».. عصابات تجارة الأعضاء سرقت كليته
لم يعلم يوما أن دكانا خشبيا، يحتوى على ماكينة وحيدة لتصوير الأوراق فى الخرطوم، سيكون سبب شقائه إلى الأبد، فيكفى أن تسأله عن سبب لجوئه إلى مصر ليقص عليك حكايته التى بدأت هنا عام 2007 عندما هرب من موطنه بسبب ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية واعتقاله بتهمة معاونة إحدى الحركات المناهضة للنظام السودانى الحاكم وتشجيعها على نسخ وتداول المنشورات المحظورة.
محمد عبدالوهاب، شاب فى الثلاثينيات من عمره لا يجيد القراءة والكتابة، أصيب بحالة نفسية سيئة نصحه أصدقاؤه المقربون بعد خروجه من المعتقل الذى تسبب فى إصابته بحالة نفسية سيئة نتيجة عمليات التعذيب التى تعرض لها فيه ومحاولات اغتصابه المتكررة دخل على أثرها مستشفى نفسى لتلقى العلاج، بالسفر إلى مصر وذلك لسببين الأول: للزيارة والسياحة والثانى لاستغلالها للهجرة إلى دولة أخرى، ولكن نظرا للتحذيرات الأمنية التى وُجهت له بعدم مغادرة البلاد وتحديد وضعه تحت عيون سلطة النظام، قام بتغيير بعض البيانات الخاصة به فى جواز السفر مثل: اسم الجد وتاريخ الميلاد والسن وذلك بمعاونة أحد أقاربه - موظف بالجوازات، لينجح فى الهروب إلى مصر وقضاء ما يقرب من عامين فيها تم خلالها الاعتراف به كلاجئ من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
حياته فى مصر كانت مقتصرة على المبيت داخل منزل أحد معارفه، بعدما تعرض لمضايقات كثيرة فى المنزل الذى أقام فيه بمفرده بإحدى المناطق الشعبية، فلم يسلم عبدالوهاب يوما من مضايقات البلطجية له ومحاولاتهم المستمرة للاستيلاء على ممتلكاته، وعندما ساءت حالته النفسية بسبب الذكرى الأليمة التى تتردد على ذهنه بين الحين والآخر سواء داخل المعتقل أو المشاكل الأسرية التى عاصرها منذ الصغر بين أهل الوالدين، أدخلته المفوضية مستشفى العباسية لتلقى العلاج اللازم، وبعدما تحسنت حالته خرج من المستشفى، ولكن سرعان ما ساءت مرة أخرى لدرجة أنه أقبل على الانتحار أكثر من مرة فنصحته المفوضية بالعودة إلى أهله للموت بينهم، وبالفعل أغلقت ملفه الخاص بطلب اللجوء فى مصر ورحلته لموطنه الأصلى.
خلال فترة العامين التى قضاها عبدالوهاب فى مصر، تعذرت حالته المادية، فلا أحد يساعده ولا يوجد مصدر رزق له، يقول عبدالوهاب: عانيت من التشرد فى مصر وتنقلت بين أكثر من سكن وكانت المعونة التى تنفقها على المفوضية لا تتجاوز 470 جنيها فقط، وبالتأكيد فهى لا تكفى احتياجاتى، بمرور الوقت تعرفت على مجموعة من السودانيين والأردنيين، كانوا يترددون بشكل مستمر على مقاهى وسط البلد، عرضوا على ذات مرة بيع كليتى مقابل 10 آلاف دولار، بعدما رأوا حالتى المادية الصعبة ولكنى رفضت، فتركونى فترة ثم عادوا لى من جديد وأقنعونى بأنهم نسوا الفكرة تماما وبدأوا يصطحبونى للبارات، وفى يوم شربت معهم كمية كبيرة من الخمور حتى فقدت الوعى تماما فنقلونى إلى أحد المستشفيات، وبالاتفاق مع الطبيب قاموا بسرقة كليتى، ولم أتذكر من هذا اليوم إلا السرير والملاءة البيضاء التى استيقظت فوجدت نفسى مستلقيا عليها.. حاولت تحرير محضر ضدهم ولكن كانت أسماؤهم غير حقيقية ولا أعرف محل سكنهم ولا أى شىء عنهم.
ويتابع بشفاه مرتعشة وعين دامعة: سرقة كليتى كانت واحدة من العوامل التى زادت حالتى النفسية سوءا، واضطرتنى للعودة للسودان مرة أخرى، فلم أعد أتحمل الغياب عن أسرتى أكثر من عامين تعرضت خلالهما لسوء المعاملة والضرب والإهانة، وفى كل مرة لم أستطع الدفاع عن نفسى بسبب مرضى النفسى ونوبات التشنج التى كانت تنتابنى من وقت لآخر، مكثت هناك 6 أشهر، حاولت فيها مساعدة أمى ولكن دون فائدة، حتى بدأ الجيران يتداولون فى منطقة سكنى أننى بعت أعضائى من أجل المال، إضافة للمضايقات الأمنية التى كنت أتعرض لها من وقت لآخر ومحاولات اعتقالى أكثر من مرة، حتى عدت من جديد لمصر وأقنعت المفوضية بإعادة فتح ملفى مرة أخرى بحجة أننى لا مأوى لى فى السودان وأن أخى اعتقل هناك ويتعرض للمضايقات بسببى وأمى هجرت المنزل وانتقلت للعيش فى الضواحى.
وقوع الأفارقة كفريسة فى يد سماسرة تجارة الأعضاء، مشكلة تؤرق بال المجتمع الدولى المعنى بحقوق الإنسان، والذى يتولى رصد عدد الحالات التى تخضع لهذا النوع من المتاجرة والأماكن المعروف عنها إجراء مثل هذه العمليات وتقديم اقتراحات للحد من هذه الظاهرة، وهذا بالفعل ما فعلته منظمة «كوفس» المهتمة بمحاربة تجارة بيع الأعضاء البشرية واستحداث وسائل قانونية لنقل أو توريث الأعضاء البشرية عن طريق قنوات شرعية، وقد كشف التقرير الصادر حديثا عنها أن مهربى الأعضاء البشرية الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة «السودان، مصر، الأردن، ليبيا» يستغلون حاجة اللاجئين السودانيين وطالبى اللجوء فى مصر ويمارسون ضدهم مجموعة انتهاكات تشمل إزالة الكلى إما عن طريق الموافقة أو الإكراه، أو السرقة الصريحة.
وأكد التقرير أن جميع الضحايا يتعرضون لتدهور حالتهم الصحية بالإضافة إلى الآثار السلبية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية نتيجة التجربة، وقدرت المنظمة أن هناك على الأقل مئات الضحايا السودانيين من عمليات الاتجار بأعضاء البشر فى مصر، فضلا عن كثيرين من الأردن وإريتريا، وإثيوبيا، والصومال، والعراق وسوريا، ووفقا للرصد الذى أجرته المنظمة على عدد من ضحايا يصل إلى 57 فردا، وصلت نسبة أبناء إقليم دارفور فى هذه العينة إلى %39 وهى النسبة الأعلى مقارنة بالجنسيات الأخرى وأوصت المنظمة النقابات الطبية فى مصر، والحكومة الحالية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بوضع حد لهذه الظاهرة الناجمة عن معاناة هؤلاء اللاجئين فى الدولة المضيفة وقمع ومعاقبة مرتكبى مثل هذا النوع من الجرائم، وفقا للقوانين والتشريعات المتعلقة بعمليات زرع أو بيع الأعضاء وأخيرا إنشاء قنوات للإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات، خاصة أن معظم ضحاياها يكونون حديثى السن وأميين.
عبدالله إدريس حنظل، مسؤول قسم البحوث والدراسات بمركز السودان المعاصر للدراسات والإنماء، يقول إن اللاجئين جاءوا إلى مصر هربا من اضطهاد عانوا منه فى موطنهم ولكنهم اصطدموا بواقع مرير فتحفظ الأولى على بعض البنود الخاصة بالتعليم والعمل والتجنس خلق أزمة كبيرة تدفع هؤلاء المتضررين للتغلب عليها بشتى الطرق حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم، ويضيف: اللاجئون يقعون ضحايا فى يد سماسرة وشبكات تجارة الأعضاء من السودان وسوريا ومصر وفلسطين، وعن الحلول التى يمكن العمل عليها للحد من هذه الظاهرة، يقول حنظل، يجب أولا أن تقوم الأمم المتحدة بزيادة موارد مكتبها المعنى بشؤون اللاجئين فى مصر، لتلبية احتياجاتهم، إضافة إلى الإسراع فى توطينهم، إلى جانب وضع آليات لحماية اللاجئين وطالبى اللجوء من هذه المخاطر.
«إيهاب سليمان» تسلل
إلى إسرائيل وغادرها
«التسلل إلى إسرائيل» أحد الحلول التى تراود أذهان الكثيرين من اللاجئين الأفارقة فى مصر، خاصة بعد تجاهل مطالبهم، فلا يبقى أمامهم سوى المساعدة المالية التى يحصلون عليها من المفوضية التى تبلغ 300 جنيه كحد أدنى تكفى حاجتهم بالكاد وفى كثير من الأوقات لا تكفى من الأساس، ووقوع اللاجئ الراغب فى دخول إسرائيل بعدما أوصدت فى وجهه جميع سبل المعيشة هنا، كفريسة فى يد عصابات البدو التى تقوم بسرقة أعضائه مقابل مساعدته فى عملية الدخول وتلقيه جثة هامدة فى الصحراء، أمرا حتميا ينتظر كل من يرغب فى الهروب إلى هناك، إلا من رحم ربى، وهذا ما حدث مع «إيهاب سليمان» ذو الخمسة والأربعين عاما الذى نجح فى التسلل لإسرائيل زاعما أنها الملاذ الوحيد مما يتعرض له ولكنه اكتشف العكس تماما.
تبدأ قصة لجوء إيهاب لمصر عام 2003 عندما اشتدت الصراعات والنزاعات فى إقليم دارفور على خلفيات عرقية وقبلية، فتعذرت تجارته هناك وتم اعتقاله أكثر من مرة بسبب تنقله ما بين دارفور والخرطوم عدة مرات بحجة التجارة، وتم توجيه تهم عديدة إليه على رأسها تسريب معلومات للحركات المتمردة هناك، ظل معتقلا لمدة 21 يوما أطلق سراحه بعدها بشرط الالتزام بزيارات دورية لأقسام الشرطة فى نهاية كل أسبوع لمتابعة نشاطه، حتى ساعده أحد أقاربه فى السفر إلى مصر، وقدم طلب التماس للجوء إلى مكتب المفوضية السامية وبناء عليه تحدد له موعد المقابلة بعد شهرين.
يقول إيهاب: عانيت كثيرا فى القاهرة فانتقلت للعمل فى سيناء وبالفعل هناك أصبح لدى علاقات من الأصدقاء المصريين والإسرائيليين على حد سواء، حتى جاء عام 2005 وعدت إلى القاهرة من جديد لأشارك إخوتى المتضررين فى الاعتصام الذى نظموه فى مصطفى محمود بمنطقة المهندسين وانتهى بموت كثير منهم أمام عينى لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم وترحيلهم إلى دولة أخرى، طالما أن مصر فشلت فى رعايتهم، وبعدما تم فض الاعتصام كان أمام اللاجئين أربعة حلول إما العودة إلى السودان فهذا قد يكون صعبا، أو التسلل إلى ليبيا وهذا سيدخل مصر فى مشكلة كبيرة أو النزوح إلى إيطاليا وأخيرا دخول إسرائيل وبالفعل كثير منهم اختار الخيار الأخير وأنا كنت واحدا منهم.
ويضيف: دخلت إسرائيل فى 6 مايو 2007، عن طريق مساعدة أصدقائى البدو، بعد ما طلبت من أحد أصدقائى البدو تسهيل دخولى لإسرائيل مقابل 1000 جنيه مصرى، كل ما أملك وقتها، بالفعل نقلنى إلى العريش فوجدت فى انتظارى ما يقرب من 6 سودانيين و2 من ساحل العاج الجميع أتى للرغبة نفسها وهى الرحيل إلى إسرائيل، بدأنا التحرك فى منتصف الليل عن طريق عربية «جيب» مغطاه ببطانية سيرنا بها مسافة 8 كيلو ثم عاودنا السير على أقدامنا بعدما اقتربنا قليلا.
ويتابع: كان برفقتنا ثلاثة من البدو أخبرونا بأن اقترابنا بهذا العدد لا يجوز، فقمنا بتقسيم أنفسنا على مجموعات، المجموعة الأولى مكونة من 5 أفراد كنت واحدا منهم ومعنا بدوى واحد فقط، اقترب معنا ثم تركنا ونصحنا بالتشبث بالأسلاك جيدا حتى وإن كشفنا الجنود، فلا سبيل للرجوع أمامهم، وبالفعل تمسكنا بالسلك جيدا ولكنه انقطع وسقطنا على الأرض وأحدثنا صوتا، وانتبه لنا حرس الحدود من الجنود المصريين الذين سارعوا فى إطلاق النار علينا كما يفعلون دائما مع أى متسلل أفريقى، ولكننا نجحنا فى الهروب وتجاوز الحاجز حتى وجدنا أمامنا عربتين للجيش الإسرائيلى، نصحت أصدقائى بالثبات ولكنهم فروا، ورغم ذلك تم الإمساك بهم، أما أنا فسلمت نفسى للجيش الإسرائيلى دون خوف لأننى أعرف طبيعتهم لتعاملى معهم لفترة وعلى يقين بأنهم لن يؤذوننى، بعدها قاموا باحتجازنا فى معسكر لمدة 10 أيام قضيناها فى العمل بمزرعة المعسكر من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء فى غرفة لا تتجاوز بضعة أمتار، دون مقابل مادى.
استمر تنقل إيهاب هكذا بين السجون لمدة شهر و15 يوما قضاها بين معتقلى حركة حماس والجهاد والبدو وعرب 48 حتى جاء موعد إطلاق سراحه بعدما تم استجوابه من قبل السلطات الأمنية هناك ومعرفة أسباب لجوئه إلى إسرائيل، فحصل على موافقة العمل فيها بشرط عدم تشجيع أبناء قارته على الاحتماء بإسرائيل، وتكرار ما فعله والحرمان من التجنس مهما طالت مدة إقامته هناك، وبالفعل تم نقله للعمل فى إحدى فنادق مدينة إيلات كعامل نظافة، ولكن نظرا لسوء معاملته هو وكل السودانيين العاملين معه بالفندق من قبل العاملين الروس وعرب 48 والادعاء عليهم بأنهم يقومون بسرقة العملاء ترك الفندق وانتقل للعمل فى إحدى شركات النظافة استمر فيها لمدة ثلاثة أشهر ثم تركها ليعمل كحارس أمن فى إحدى الشركات.
يقول إيهاب: كانوا دائما يعتبروننا ضيوفا عليهم وبدأت معاملتهم تسوء لنا تدريجيا، وبالتالى لم تكن إسرائيل هى الملاذ لنا كما ظننا، حتى قررت العودة بمفردى مرة أخرى لسيناء فى 6 مايو 2010 والحمد لله لم تحدث لى أى مشاكل أثناء العودة، بعد رجوعى طلبت من أحد أصدقائى تسهيل عودتى للسودان وبالفعل ساعدنى وأبلغت المفوضية بذلك وأغلقت ملفى وبطريقة ما دخلت السودان ولكنى سرعان ما عدت إلى مصر بسبب ما تعرضت له عندما عرف أهل المنطقة أننى عدت من إسرائيل، وواصلت عملى فى سيناء مع أصدقائى حتى شهر إبريل من العام الجارى وقتها، ثم ذهبت المفوضية وطلبت إعادة فتح الملف الخاص بى، فكانت المفاجأة أنه لم يغلق أصلا ولكنهم رفضوا منحى بطاقة اللجوء للتنقل بها فى آمان بحجة سفرى إلى إسرائيل، هددتهم بالإضراب عن الطعام حتى منحونى إياها والآن أنا لا أريد أى شىء سوى ترحيلى من هنا.
أحمد بدوى، رئيس المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين، يقول إن اللاجئين الأفارقة يأتون إلى مصر لأنها الأقرب لهم حتى تتم إعادة توطينهم فى دولة أخرى، وعلى الرغم من أن مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو المعنى بهم، فإن هناك كثيرا من المشاكل تتعلق بسماع موظفيه لشكوى هؤلاء الناس واحتياجاتهم، وتحاول المؤسسة بقدر الإمكان تقديم الدعم القانونى لهم.
ويشير بدوى إلى أن غالبية المشاكل القانونية المتعلقة بأوضاع اللاجئين ترتبط بالتسلل لإسرائيل، والخطورة التى يتعرضون لها، وإلى جانب قضايا التسلل هناك مشكلة أخرى تتعلق بالشجارات التى يدخل هؤلاء الأفارقة كطرف فيها، خاصة فى المناطق العشوائية، وقضايا عدم الحصول على الرواتب جزاء القيام ببعض الأعمال وقضايا الزواج والطلاق والحق فى تسجيل الأطفال والذى يتم بالتعاون مع مجلس الأمومة والطفولة».
ويشير بدوى إلى أن تكدس اللاجئين فى مصر مثلّ ضغطا كبيرا على مواردها على الأقل علينا أن نحدد أماكن سكن هؤلاء الناس بدلا من أن يتكدسوا فى المناطق العشوائية، لابد من وضع خطة مستقبلية يتم الإعلان عنها مبكرا، خاصة أن التعليم متاح للمرحلة الأساسية فقط وأصبح حديثا يتم رفض علاج أصحاب الأمراض المزمنة».
«عمر» سابقا وفيكتور «حاليا»..
«نظام الحكم السودانى صدمنى فى دينى وأعطانى وجهة نظر سيئة عنه» بهذه الكلمات البسيطة بدأ عمر عبدالحميد، فى العشرينيات من عمره، حديثه حول الاضطهاد الذى كان يتعرض له من قبل الجماعات الدينية المتشددة فى موطنه بولاية الخرطوم، والتى تسببت فى تغيير صورته الذهنية عن دينه ودفعته لاعتناق الدين المسيحى، يقول «عمر» سابقا وفيكتور حاليا: فى السودان إذا رأت الجماعات الدينية شابا مسلما لا يصلى فقط بانتظام تعتبره كافرا، ما بالنا بالشاب الذى لا يصلى من الأساس.
النشاط السياسى لعبدالحميد والد عمر، تسبب فى تعرض نجله للمضايقات الأمنية، فهذا الشاب الذى تخرج فى كلية حاسب آلى جامعة الخرطوم، لم يسلم من بطش الأجهزة الأمنية فى السودان والتى اعتقلته عدة مرات كانت تقوم خلالها بإهانته وتعذيبه فى «بيوت الأشباح» كما يفضل أن يطلق عليها دائما، فأثر ذلك كثيرا فى نفسيته وجعله يتساءل: كيف يجرؤ شخص مسلم أن يهين أخاه هكذا ويقدم له الطعام بقدمه؟
يضيف: جئت إلى مصر فى المرة الأولى فى شهر أكتوبر 2005 هربا من الملاحقات الأمنية لى، ومكثت فيها لفترة أربع سنوات، ثم عدت إلى السودان مرة أخرى، بمجرد دخولى إليها تم احتجازى من جديد فى وادى حلفا وتوجيه تهم لى بمناهضة النظام الحاكم بعدما قام أحد المكاتب السودانية فى مصر بإرسال معلومات مغلوطة عنى للسلطات السودانية، ومن كثرة الإهانة التى لقيتها تمنيت اعتناق الديانة المسيحية خاصة بعدما اندمجت مع صديقى جون، وبدأت فى حضور جلسات الكتاب المقدس والقراءة فيه، وبالفعل تم تعميدى فى كنيسة كل القديسين هناك.
سألونى فى البداية ماذا تعرف عن المسيحية ولماذا تريد تغيير دينك، بعدها بالتأكيد كان استمرارى فى منطقة سكنى أمرا مستحيلا، لأنى كنت على يقين بأن الجماعات الإسلامية ستطبق على حد الردة، وبالتالى قررت الهروب إلى مصر وفعلت ذلك عن طريق حلايب وشلاتين خوفا من إلقاء القبض على مرة أخرى، وقدمت للمفوضية طلب لجوء لأنى ملاحق من الأجهزة الأمنية والجماعات الدينية بسبب تغيير الديانة، ولكن المشكلة التى تواجهنى إلى الآن أنه لم يتم تغيير اسمى فى بطاقة المفوضية، لأننى لم أحضر معى «ورق تعميدى» من الكنيسة السودانية، وبالتالى ما زالت البطاقة مدونا عليها الاسم القديم، وهذا حرمنى من ممارسة الشعائر الدينية فى الكنائس بسبب الاسم.
يقول: إحدى كنائس الحى السابع طردتنى لأنها لم تصدق أنى أصبحت مسيحيا والمفوضية تخبرنى بأنها لا يمكنها مساعدتى، وعلى أن أذهب للسفارة لتغيير الاسم وهى تعلم جيدا أن صلتنا كلاجئين تنقطع بالسفارة، ولدى خوف دائم منذ أن علمت أن أخى جاء لمصر ويبحث عنى، إضافة إلى أننى أعانى أيضاً ماليا، لم أحصل على أى معونة، لأنه لم يتم تحديد وضعى حتى الآن.
وتعد الكنيسة واحدة من الجهات التى ترعى اللاجئين الأفارقة والذين يدين أغلبهم بالدين المسيحى، فتقدم لهم خدمات مختلفة سواء بالسماح لهم بالتعليم فى مدارسها أو تقديم إعانات مالية بسيطة، أو توفير الرعاية الصحية، وبالتالى لم يجد اللاجئون سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين سوى تلك الجهة الدينية ليلقوا منها الرعاية، وقد يضطر بعض اللاجئين لتغيير ديانتهم كوسيلة للتحايل على المفوضية والضغط عليها لإعادة توطينهم فى دولة أخرى بحجة أن الدولة المضيفة مصر لم تعد آمنة وأنهم معرضون للخطر من قبل الجماعات الدينية المتشددة، مثلما فعل بشير أحد الأصدقاء المقربين لعمر وقام بتغيير ديانته فى مصر وفور سفره إلى أمريكا عاد لدينه الأول وهو الإسلام.
«عندى استعداد أن أغير دينى لو عجل هذا من ترحيلى خارج مصر وأقول هذا وأنا فى كامل قواى العقلية» بهذه الكلمات البسيطة أوجز الضو عبدالله الضو أحد اللاجئين السودانيين، استعداده لتغيير دينه مقابل التعجيل من توطينه فى أى دولة، وذلك بعدما سئم من بيروقراطية مكتب المفوضية السامية والذى أخبره منذ عام 2003 بأنه سيتم توطينه فى دولة أخرى وحتى الآن لم يحدث شىء.
يقول: جئت لمصر لأسباب أمنية حيث كنت عضوا فى الحزب الشيوعى السودانى، وعندما تم قبولى كلاجئ عملت لفترة كمرشد سياحى بجنوب سيناء حتى وقعت حادثة مصطفى محمود ورأيت إخوتى يسقطون أمام عينى فأصبت بحالة نفسية سيئة وتعالجت لفترة فى مستشفيات الصحة النفسية ولا أحتاج سوى توطينى فى بلد آخر ولا يلوم على أحد إذا قمت بتغيير دينى فمجتمع اللاجئين هنا والجهات التى نتعامل معها مسيحية لا يعطون امتيازات إلا لمعتنقى نفس الديانة.
يعلق على هذا الأمر أحد رجال الدين المسيحى، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، قائلاً: لا يقبل المجتمع الكنسى الاعتراف بإنسان غير ديانته لظروف معيشية أو لرغبته فى استغلال ذلك لأغراض محددة طالما أن هذا الإيمان الجديد لم يكن نابعا من داخله، مضيفاً أن الكنائس على مختلف طوائفها تقوم بمساعدة اللاجئين بصرف النظر عن ديانتهم، لأنها تنظر لهم من منطلق واحد وهو أنهم شركاء فى الإنسانية ومحتاجون ولا تطلب استخراج البيانات الشخصية لمعرفة ديانة طالب المساعدة إن كان مسلما أو مسيحيا، وتابع: تغيير الديانة فى مثل هذه الحالات لا يمثل عقيدة جوهرية وهذا فى رأيى يعتبر تلاعبا بالأديان، ففى المقام الأول لا يعتد به وقد علمنا الدين المسيحى أن نقدم المساعدة للإنسان أيا كانت ديانته أو جنسيته.
اغتصاب خديجة ومساومتها على جسدها
تلفت انتباهك من بشرتها البيضاء التى تجعلها مميزة عن أبناء قارتها، وجهها المائل إلى الحمرة ملابسها التى تتشابه إلى حد كبير مع ملابس فتيات العاصمة «القاهرة»، جلست فوق النجيل وسط حديقة واسعة أمام مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر تصيح بكل ما لديها من قوة تتحدث عن حقوقها الإنسانية فى الحماية والرعاية والتى غابت عنها طيلة حياتها، فهذه السيدة الثلاثينية تعرضت لحوادث اغتصاب وتحرش كثيرة أثرت سلبيا على نفسيتها وزادتها رغبة فى الرحيل من هذا البلد الذى لجأت إليه لتحتمى فيه ولكن خاب ظنها.
حياة مشردة تعيشها خديجة متنقلة بين بيوت الرجال والأصدقاء بحثا عن أربعة جدران تؤويها من ذئاب الشارع الذين يلاحقونها فى كل مكان تذهب إليه، جاءت إلى مصر عام 2011 مع زوجها بعدما عانت فى جنوب السودان من مطاردات بعض القبائل بسبب بشرتها البيضاء، ولكن سرعان ما تشاجرت مع زوجها فور وصولها لمصر وانفصلت عنه لتلقى المصير المجهول وحدها بلا قريب أوصديق، تتنقل للعمل كخادمة من منزل لآخر، وينتهى حالها بالطرد بسبب ضعف سمعها بشكل يجعل أصحاب المنزل غير قادرين على تحملها فلا تجد مأوى لها سوى الشارع.
تقول خديجة وهى منخرطة فى البكاء: نحن لم نأت هنا لننظف بيوت المصريين، نحن بشر لنا حقوق نريد من المفوضية حمايتنا ورعايتنا، وتتابع تفاصيل الحادث الأليم الذى تعرضت له قائلة: فى الأيام الأولى عقب الثورة كنت عائدة من منزل إحدى صديقاتى فى منطقة بولاق أبوالعلا ركبت «ميكروباص» ينقلنى لمدينة 6 أكتوبر وجدته يتجه بى لمكان مجهول ملىء بالعربات، وفجأة ظهرت أمامى دراجة بخارية يستقلها 4 شباب، قاموا بسرقة حقيبتى وأموالى واصطحبنى أحدهم بالقوة أسفل الكوبرى وقام باغتصابى، وعندما جئت للمفوضية ومعى جميع المحاضر والأوراق لم أجد أحدا يستمع لشكواى ولم آخذ حقى مما تعرضت له حتى الآن.
وتضيف خديجة: تعبت من الحياة كل رجل أسأله المساعدة يساومنى على جسدى، لا يوجد مصدر دخل لى وبعدما كانت المفوضية تساعدنى بالمعونة الشهرية توقفت فجأة ولا أعرف السبب، أنا هائمة فى الشارع وأحيانا أحتمى فى منزل إحدى صديقاتى من شدة الخوف والرعب، لقمة العيش نتقاسمها سويا ونشرب عليها مياه ونحمد الله، أنا حياتى صعبة ولا يعقل أن أختبئ فى البيت طوال حياتى ولا أعمل لأجد لقمة العيش خوفا من البلطجية. من المفترض أن المفوضية هى التى تحمينى من هؤلاء الذئاب الذين ينهشون جسدى، خاصة أنه من الصعب أن أعود للسودان مرة أخرى، حقيقى أنا لا أعلم الآن ما مصيرى وأين أهلى، فأبى وأمى حرقا أمام عينى فى حرب جنوب السودان.
حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، يقول إن مشكلة إعادة توطين اللاجئين ليست فى يد الحكومة المصرية وحدها، ولكن هناك أطرافا أخرى تتعلق بالدولة التى سيتم فيها إعادة التوطين والاشتراطات التى تضعها لهذا الشأن، ومن وجهة نظرى ينبغى على وزارة الخارجية أن تتواصل مع منظمة جنيف وتشرك معها الأمم المتحدة لحل هذه الأزمة الإنسانية، فمصر لم تعد قادرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين.
«مجور ميور» فقد ابنه وأصيب بالدرن وتسولت زوجته
لم يختلف وضعه كثيرا عن بقية اللاجئين الأفارقة الذين فروا إلى مصر، «مجور ميور» ذو السادسة والثلاثين عاما لاجئ من جنوب السودان جاء لمصر فى إبريل 2003 بسبب مضايقات السلطة السودانية له.
لم تقتصر معاناة مجور فى البلد المضيف على مصادر الرزق المتقطعة التى يجدها يوما وتختفى من أمامه عشرة، ولكن أيضاً فى إصابته بمرض الدرن الذى بات ينهش فى جسده بسبب ضعف التغذية يقول: تزوجت فى مصر وأنجبت أربعة أطفال «ميور، زكريا، شمشون، مريم»، بعد المجئ إلى مصر وقبولى إلى لاجئ، بدأت أصابتى بمرض الدرن الذى أثر علىّ كثيرا وأصابنى بشلل نصفى، بدأت أتنقل بين أكثر من جهة بحثا عن علاج لحالتى، فتارة أذهب للمفوضية فتخبرنى بأن تكاليف العلاج غالية لا يمكنها تحملها وتارة أخرى أذهب لإحدى الكنائس لتتدخل فى الأمر وبالفعل، تدخلت الأخيرة واتفقت مع منظمة كاريتاس والتى تولت أيضاً علاجى فى البداية فقط.
ويتابع: لم يقتصر الأمر على مرضى فقط، ولكننى دخلت فى حالة من الحزن والأسى على طفلى الثانى زكريا الذى كنت أراه يذبل أمام عينى يوما بعد يوم، فذات مرة أثناء شهوره التسعة الأولى، قام بابتلاع قطعة حديدية أثناء لعبه مع أخيه، وتنقلت به بين المستشفيات وأهملت علاجى الخاص بمرضى، لأنفق عليه، وجميع المستشفيات التى تنقلت بينها لم تقدم لى حلولا ومارست معى كل أشكال البيروقراطية حتى المفوضية، عندما لجأت إليها وقتها قالت لى إنها لا يمكنها مساعدتى لأن الطفل غير مدون معى فى البطاقة، كل هذا وطفلى محروم من الطعام بسبب القطعة الحديديه العالقة فى المرىء وظل وزنه يتناقص تدريجيا لدرجة أوشكت بموته فى أى لحظة حتى تمكنت أخيراً من إجراء عملية له لاستخراجها وما زال هو ينتظر عملية أخرى لتوسيع المرئ لا أدرى من أين أتحصل على تكاليفها.
«ميور» واحد من اللاجئين الأفارقة المقيمين فى المناطق الشعبية وبالتالى فهو عرضة للمشاكل والمشاجرات فى أى وقت، وهذا ما حدث معه عندما تشاجر معه جيرانه من السودانيين وتسببوا فى إجهاض زوجته ورؤية طفله وهو يموت أمام عينه، ودخوله السجن وتعرضه للضرب والإهانة حتى فقد قدرته على معاشرة زوجته التى أغلقت فى وجهها أبواب الرزق، بعدما تكفلت برعاية أسرتها بسبب مرض زوجها، وأصبح حالها الآن فى الشوارع تجوبها كسائلة بحثا عن لقمة العيش، يضيف ميور: تأخرت عنى المعونة التى كانت تقدمها لى المفوضية أكثر من شهر، حتى قام صاحب السكن بطردى وأنا الآن مشرد مع عائلتى فى الشارع فهو المأوى الوحيد لى، ولأن ليس لى محل سكن فلم أقدر على تقديم أوراق طفلى للمدرسة الكنسية ليلتحق بها مع بداية العام الدراسى، وعلى الرغم من أن المفوضية أخبرتنى بإعادة توطينى منذ سنوات، فإن هذا لم يحدث ومازلت فى مصر أعانى أشد المعاناة، فلا سكن ولا رعاية صحية ولا تعليم لأطفالى.
عبدالرحمن صديق ناشط بالمجتمع المدنى السودانى بالمهجر، يقول: مصر تحفظت على أهم البنود، عندما وقعت على اتفاقية جنيف وافقت والتزمت، بالجانب الذى يعترف فيه باللاجئ دون أن تعترف بحقوقه كاملة، مثل العمل، حق التجنس، المعاملة أسوة بمواطنيها، الحصول على وثائق السفر، التعليم لأبنائهم، الاستثمار، حرية التجمهر والتعبير، على عكس دول أخرى وهذا يشكل عقبة فى أداء المفوضية وشركائها، لأنهم فى النهاية يعملون تحت إشراف وتعاون وزارة الخارجية المصرية، وهذا يعنى أنهم خاضعون لسياسة الخارجية ولا يحق لهم وضع أى قوانين أو سياسات تتعارض مع التوجهات العامة للدولة المصرية، وهو ما ينعكس سلبا على أوراق وحياة اللاجئين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نأمل فى المستقبل القريب والعاجل أن يسن مجلس الشعب التشريعات التى يتم فيها إلغاء هذه التحفظات والقبول بكامل الاتفاقية والعمل على وضع سياسات لمساعدة المفوضية للقيام بعملها بشكل فعال.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Mohamed Agami
ههههههههه .. لا حول ولا قوة الا بالله
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد آدم محمد
lتدقيق المعلومات
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
إدعاء وهمي
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدو رجب
السودان الان