لم يعد شارع قصر العينى فى المسافة المطل عليها البرلمان بمجلسيه "الشعب والشورى" ومجلس الوزراء يتسع لمزيد من المحتجين حالياً حيث يعتصم عمال مصنع الحديد والصلب وقاطنو مساكن 15 مايو وعمال شركة بتروجت وعشرات من عمال مصنع الإنتاج الحربى، وهؤلاء رغم اختلاف طبيعتهم ومطالبهم يجمعهم هتاف واحد هو "عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية".
على رصيف مجلس الشعب تتناثر القصص والروايات والمآسى.. فالجميع حمل همه على ظهره وجاء إلى هذه المنطقة الحساسة بقلب العاصمة للبحث عن مخرج بعضهم ترك أطفاله ومنازلهم خالية من "العيش الحاف" للمطالبة بحقهم فى معيشة كريمة تغلفها العدالة الاجتماعية.
المشهد الذى نرصده حالياً لم يختلف كثيراً عن مثيله منذ عام و9 أشهر فعلى نفس الرصيف تجمع عمال الغزل والنسج والحديد والصلب وأصحاب المعاشات وعمال القطاع الحكومى خوفا من شبح الخصخصة وقضوا أياما وأحيانا شهورا فى محاولة لاقتناص أبسط حقوقهم فى الكرامة الإنسانية.
ورغم شعور الكثير من أصحاب المظالم بفقدان هذا الرصيف "نقصد رصيف مجلس الشعب" لأثره فى إجبار المسؤولين على النظر للمظالم لكنه ما يزال يشهد العديد من الاعتصامات النابعة من أتباع مختلف القطاعات بالدولة حتى إنه شهد أربع وقفات احتجاجية فى الآونة الأخيرة جاء معظم المشاركين فيها من محافظات بعيدة بعدما قضوا شهورا يطالبون بحقهم لدى الجهات الرسمية فى نطاق إقامتهم دون جدوى.
لكن الملاحظ وربما المثير للدهشة والحزن أحيانا هو استمرار تجاهل المطالب التى تعترف الحكومة بأن غالبيتها إن لم تكن جميعها مشروعة وهذا التجاهل يرى كثيرون أن من أبرز أسبابه هو الروتين الحكومى فى التعامل مع قضايا العمال بدليل عمال مصنع الحديد والصلب ما زالوا يجلسون على رصيف مجلس الشعب لليوم السادس ، مطالبين فقط بعودتهم إلى العمل من جديد بعد تسريحهم من قبل من وصفوه بـ"الإدارة الفاسدة" وأكد السيد إسماعيل عضو لجنة النقابة بالمصنع أن اعتصامهم تعبير عن غضب وليس بلطجة وفرض السيطرة كما يحلو للبعض تصويره، موضحا أنهم يطالبون بنزع المصنع من أيدى الإدارة الفاسدة التى استحلت عرق العامل ومجهوده ثم تلقى له الفتات بل وتوقف عن تزويد المصنع بالمعدات وعمل الصيانة الدورية اللازمه له لتطوير وتحديث كفاءة إنتاجه الذى تضاءل من 15 مليون طن تقريباً سنوياً إلى النصف فى أقل من 10 سنوات ومنذ عدة شهور توقفت الإدارة عن دفع رواتب العاملين بحجة تعرض المصنع إلى خسارة.
رفض عمال الحديد والصلب تعرضهم للاستغلال كان سبباً كافياً لاعتصامهم أمام مقر محكمة بلبيس دون مجيب لينقلوا اعتصامهم الذى طال 15 يوما إلى رصيف مجلس الشعب لعل وعسى يجدون مخرجا لمأساة طالت أكثر من 350 عاملا معظمهم أنفق ما لديه فى إقامة دعوى لاسترداد حقه المنهوب.
على بعد 15 مترا من عمال الحديد والصلب يقف مجموعة من ربات البيوت مرعوبات من التشرد فى الشوارع بعد طرد أسرهن من شقق – تابعة لجهاز 15 مايو - حصلوا عليها من بلطجية استولوا عليها وقت الثورة مقابل دفع 5 آلاف جنيه عن كل شقة لهم وبعد استقرار الأوضاع رفضت الحكومة استمرارهم فيها رغم عرضهم دفع إيجارها الشهرى ولو وفق عقد جديد لكن إدراة الجهاز طالبت كل أسرة بدفع مقدم 35 ألف جنيه وقسط شهرى 375 جنيها وهو ما يفوق قدرات هذه الأسر.
"هاله السيد" - 43 عاما وأم لثلاثة أطفال - معتصمة على رصيف المجلس منذ أربعة أيام تطالب بحقها فى مسكن كريم مؤكدة استعدادها للتفاوض مع محافظة القاهرة لكن بشىء من الرحمة.. تقول: "فوجئا برفض المحافظة التفاهم مع حوالى 500 أسرة مقيمة بمساكن الشباب قبل إخلائنا لهذه الشقق وهذا مستحيل حيث أطفالنا وأهالينا العجائز لا يستطيعون تحمل قسوة الشارع وأغلبنا لا يملك مساكن بديلة بعد هدم منازلنا القديمة التى كانت آيلة للسقوط والمفاجأة الأكبر كانت فى شروط المحافظة المبالغ فيها لاستئجار الشقق والأموال التى طلبتها منا للاستمرار فيها ونحن على باب الله".
على رصيف مجلس الوزراء جلس عمال تابعون لجهتين حكوميتين الأولى هى شركة بتروجت، والثانية هى مصنع الإنتاج الحربى.. قصتهم جميعاً تتلخص فى العمل بالعقود التى لا تتجدد بعد انتهاء الفترة المتفق عليها إضافة إلى أن الأجر باليومية التى تتراوح بين 10 و15 جنيها، مع قصر تجديد العقود على أبناء العاملين.
يقول محمد عباس عبدالتواب "اشتكينا للهيئات المختصة كثيراً، وتحدثنا مع رئيس الوزراء أكثر من مرة وكان يطالبنا بالانتظار فترة بعد انتهائها لا يحدث شىء إطلاقاً وتستمر المشكلة".
رصيف مجلس الشعب.. قبلة المطالبين بحياة كريمة... عمال وفلاحون وصنايعية يلقون همومهم على عتبات مجلس الوزراء.. ولا يجدون مجيباً
الإثنين، 17 سبتمبر 2012 01:22 م