وكأننا فوجئنا واكتشفنا أن موريس صادق ومصعب الذى أصبح «جوزيف»، نجل أحد قيادات حماس، ومعهما حفنة من الأفراد على شاكلتهم يكرهون المسلمين، ويرونهم رمزا للشر والانحطاط الأخلاقى، فعبروا عن تلك الكراهية فى الفيلم المسىء، هل أقنعنا أحد قبل ذلك بأنهم يجلون الإسلام والنبى، صلى الله عليه وسلم؟. الأهم من ذلك هل نحن نحب نبينا فعلاً، ونشعر بالغيرة تجاه ما يمس شخصه الكريم ودعوته ومبادئه النبيلة؟، وهل أعمال العنف التى قام بها بعضنا تجاه السفارة الأمريكية بالقاهرة، وغيرها من المدن يتسق مع المبادئ والقيم التى دعا إليها نبينا صلوات الله عليه؟
نحن نمارس النفاق الدينى بامتياز، وحوّلنا رسول الله إلى مادة للمبارزة والمزايدة، من أراد أن يبدو أمام الرأى العام غيورا على الإسلام ونبى الله اندفع إلى هذا المعترك، من أراد أن ينظف اسمه من تهم عالقة ذهب صائحاً ولاعنا الفيلم المسىء وصناعه، وانطلق من ذلك إلى مشروعه السياسى، من أراد الانتقام قتل السفير الأمريكى فى «بنغازى»، ومن أراد الاستعراض رفع علم أسامة بن لادن على السفارة الأمريكية بالقاهرة، ولوّح به حولها.
الفيلم المسىء لا جديد فيه، الرؤية الاستشراقية لنبى الإسلام معروفة منذ قرون، ومدونة فى دراساتهم وكتبهم، وما تزال هذه الرؤية تتردد فى الثقافة الغربية إلى اليوم، وأخذ صناع الفيلم بعض أجزائها ليحولوها إلى صورة على الشاشة.. هذا ما فعلوه وتلك إساءاتهم للنبى، وهى لن تمس ولن تهز صورة النبى الذى تعرض لما هو أكثر من الإساءة فى بداية الدعوة، ومن أهله وعشيرته، وتعامل بتسامح وكبرياء وترفع. وصل الأمر حد الاعتداء البدنى عليه، فقال مناجيا ربه «إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى»، وعانى صلى الله عليه وسلم من جار له يهودى، كان يتعمد إيذاءه والإساءة إليه بوضع القاذورات أمام بيته، فيقوم برفعها، لم يسب اليهودى، ولم يحرق بيته ولم ولم.. القرآن الكريم استعرض الاتهامات والإساءات التى تعرض لها الرسول، وفندها بثقة وهدوء يليقان بالمؤمن الحق «وما صاحبكم بمجنون»، وعلمنا القرآن الكريم آداباً كثيرة هجرناها «ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم».
ليس مفاجئا ولا غريباً بالنسبة لى، أن يقدم تيرى جونز وموريس وصادق ومصعب حسن يوسف على هذا الفعل، هم أخرجوا بعض ما بداخلهم، ولكن ماذا عن إساءاتنا نحن لنبينا الذى قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والذى قال أيضاً: «من غشنا ليس منا»، وسئل رسول الله يوما: هل يزنى المسلم يا رسول الله؟، فأجاب نعم، يزنى المسلم، ثم سئل: وهل يسرق المسلم، فأجاب: نعم، يسرق المسلم، وسئل: هل يكون المسلم كذاباً؟ فأجاب: لا، المسلم لا يكذب أبداً، وكررها.. تأمل حالنا ونحن نعيش الكذب والغش صباحاً ومساءً.. مسلمون كبار يطلقون التصريحات الكاذبة بلا خجل، بعضهم يكذب فى أوراق رسمية، ولا يجرؤ أحد على محاسبته. وما بالنا بشيخ متشدد يجلس مع فتاة فى سيارة ليلاً وسط الظلام والخلاء، ثم يكذب مدعياً أنها ابنة أخته، وأنه كان يحاول إفاقتها لأنها متعبة، وتقام البينة على كذبه وانحرافه، ثم يندفع أنصاره فى مظاهرة دفاعاً عنه، مهددين رجال الأمن والمحافظ، ويمر الأمر هكذا رغم ثبوت كل التهم بحقه، أليست تلك هى الإساءة الفعلية للنبى صلوات الله عليه وسلامه؟.. الحالات عديدة والمواقف يومية تحدث بيننا، لو أننا نحب نبينا فعلا وعملاً لما اهتززنا من ذلك الفيلم، كانت الإساءات من كفار قريش تزيد صحابة النبى والمسلمين ثقة به وبإيمانهم، أما نحن فكما ترى.. الحب والإيمان فعل وليس مجرد شعار نهتف به.