نعم سترحل عنَّا أيضًا هى الأخرى مع أجدادها!!
لا تتعجب من استفهامى لكلامى، ولأننا نعيش فى مجتمع يساق ولا يفكر إلا أحيانًا ولا يتخذ القرار إلا بعد فوات الأوان، فمنذ شهرين بدأ بعض الأفراد فى المجتمع وفى معظم المدن والقرى - مثل سائقى الميكروباصات وأيضًا البائعين - يرفضون التعامل مع الأوراق المالية الورقية مثل الجنيه ونصف الجنيه وربع الجنيه دون أسباب ودون وضوح رؤية لجعلهم يفعلون هكذا، ولكن عندما تستنير بعقلك تكتشف أن هذه الأحداث تحدث كل فترة مثلما حدثت من قبل مع الـ "عشرة قروش" والـ "خمسة قروش" الورقيتين، الزمان يعيد نفسه، وكأننا نريد أن ندمر اقتصاد بلد بقوة ودون تدخل يد الدولة لتعلن هيبتها كالعادة، والأكثر من ذلك أنها لم تُعلق ولم تُوَعِّ المواطنين بأن قيمة الجنيه لابد أن نحافظ عليها، ولكن هيهات.
مَن يعبث هكذا باقتصادنا ويريد أن يضعف عملتنا أكثر من ذلك؟ وأخشى أن أجد الدور فيما بعد على الـ "خمسة جنيهات".. وهَلُمَّ جرًّا.. والدولة بعيدة كل البعد عن تلك الأمور الخطيرة وكأنها لا تعلم شيئًا عمَّا يحدث بداخلها.
نعم.. الجنيه – الآن - لا يساوى شيئًا ولا يكفى لشراء "سندوتش" فول، ولا تستطيع أن تذهب أو تنتقل إلى أى مكان به، وذلك لرفع قيمة الأجرة حيث لا تقل عن 1.25 فى وسيلة انتقال واحدة قصيرة، فمن إذًا وراء هذه الأمور ويسير بنا إلى عالمه؟ ومَن يساعده فى ذلك إذا كان هو يملك الملايين ولا يُحس بهؤلاء الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم إلا بالفهلوة ورفع الأسعار التى أصبحت تصل إلى 300%، وكأن الأمر عادىٌّ والسوق السوداء تمارس حياتها بمنتهى اليُسر دون رادع أو هوادة، والذى يريد الشىء عليه أن يدفع وإلا فلن يراه أمامه، مثل البنزين وأنبوبة البوتاجاز ورغيف العيش الذى وصل سعره إلى 75 قرشًا؟
أما إذا سُئلت عن هذا الصمت الرهيب والثبات الأعظم من كلا الطرفين "الشعب والحكومة" فالإجابة: هما فى صراع إمبراطورية الفوضى واللعب بمقدرات شعب عاش طيبًا يريد الستر والصحة والأمان وسرعة الفصل فى العدل وحمايته من يد العابثين.
ولم يتبقَّ لى غير أنى أحتفظ بهذه العملات التى سوف تدخل متحف العملات بصندوق التحف الذى أملكه فى منزلى، والله يرعانى أنا والفقراء أمثالى على المعيشة والترحم على العملة الورقية وهى ترحل عنَّا بعدما صرخت من فؤادها ولم ينقذها أحد.
