قال تقرير صدر مؤخرا من مركز كارنجى للسلام، عن مستقبل القانون الانتخابى فى مصر،: لم يتوقف مصممو المرحلة الانتقالية فى مصر والمسئولون عن وضع مسودة الدستور، ملياً عند مستقبل القانون الانتخابى المصرى الذى يشكل عنصراً أساسياً فى نظام ديمقراطى قابل للاستدامة، واقع الحال هو أن النواب الذين انتُخِبوا مؤخراً فى مصر منشغلون فى مقارعة المصالح المؤسسية المتجذّرة، وتقليص قوة الجيش، والخوض فى نقاش واسع النطاق عن دور الدين فى السياسة. وقد حال النقاش حول هذه القضايا دون مناقشة قوانين شاملة تنظم الانتخابات والانتقال الشرعى للسلطة السياسية.
وتابع: وقد جاء قرار المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب فى يونيو الماضى، ليجدد الاهتمام بقيام هيئة تشريعية تنافسية ترسى توازناً فى مقابل السلطة التنفيذية، وغالب الظن أن الانتخابات الجديدة ستجرى بعد التصديق على الدستور، ربما قبل نهاية العام الجارى.
وقد تعهد حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين، بتقديم مرشحين فى كل الدوائر الانتخابية، علماً أن بعض التقارير أشارت الأسبوع الماضى، إلى أنه يخوض مباحثات مع المرشحين السلفيين بهدف التنسيق معهم.
واستطرد: وتناقش المجموعات الليبرالية والعلمانية أيضاً شكلاً من أشكال الائتلاف الانتخابى، لكن من المستبعد على ما يبدو ظهور بديل موحَد عن الأحزاب الإسلامية، لقد رُسمت خطوط المعركة: سوف يشير حزب الحرية والعدالة إلى نجاحه فى ضبط الجيش، فيما سيحتج الليبراليون واليساريون على سيطرة الإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة.
وأضاف: على الرغم من هذه المناورات، لم يُبدِ المعنيّون اهتماماً كبيراً بوضع قانون انتخابى منصف، يستند إلى الإجماع، والواقع أن القوانين الانتخابية فى الديمقراطيات الجديدة تمارس تأثيراً عميقاً على تطور الأحزاب السياسية، وفاعلية الحكومة، وتوفير الخدمات الاجتماعية، وفى العراق مثلا، أثّر القانون الانتخابى، الذى نظمت بموجبه الانتخابات البرلمانية التى أُجريَت فى العام 2005 ثم فى العام 2010 والذى أُقِرّ من دون مفاوضات كافية، سلباً فى المرحلة الانتقالية.
كذلك، أدّت المفاوضات حول القانون الانتخابى فى مصر الصيف الفائت إلى منظومة تهدف عمداً إلى تمكين فلول النظام القديم، وإضعاف لوائح الأحزاب الوطنية، وإرباك الناخبين، فيما يستعد المصريون لجولة جديدة من الانتخابات، سوف تُحدِّد ثلاث مسائل على الأرجح مصير القانون الانتخابى، والسياسة الانتخابية فى المستقبل المنظور.
أولاً، يدور جدل واسع حول طريقة التفاوض على القانون الانتخابي. تاريخياً، كان مجلس الشعب مسئولا عن وضع "قانون مجلس الشعب"، وإدخال تعديلات عند الضرورة، لكن مع تسلم مرسى السلطة التشريعية عقب الانتخابات، أصبحت العملية معقدة. فكما فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الصيف الفائت، سيقود مرسى على الأرجح، بالمفاوضات مع عدد من الأحزاب السياسية والنواب حول الطبيعة المحددة للنظام الانتخابى، وإذا فشلت هذه الآلية، فقد يصدر مرسى قانوناً بصورة أحادية، الأمر الذى من شأنه أن يقوض نزاهة الانتخابات ويدفع بعض المجموعات إلى مقاطعتها.
فى المقابل، تستطيع الجمعية التأسيسية تضمين الدستور مبادئ متعلقة بالانتخابات، ما يحد من الإمكانات المتاحة أمام مرسى للتحكم بالقانون الانتخابى، وثمة سابقة تاريخية فى هذا الإطار، إذ حثّ مبارك، فى العام 2007، على إقرار التعديلات الدستورية التى من شأنها السماح لأى قانون انتخابى بتحديد كيفية توزيع المقاعد بين تلك التى تُنتخَب على أساس النسبية وتلك التى تُنتخب على أساس النظام الفردى، لكن هذا الخيار ليس مستحباً، لأنه قد يجعل من الصعب تغيير القانون فى المستقبل.
ثانياً، يمكن أن تكون كوتة العمّال ووكوتة المزارعين فى مجلس الشعب، وهى مسألة مثيرة للجدل، سبباً للقلق، ولاسيما على ضوء التمثيل الضعيف لمصالح العمّال إجمالاً فى مجلس الشعب الأخير، فقد تجدد السجال حول الكوتة الأسبوع الماضى، عندما صرحت منال الطيبى، عضو الجمعية التأسيسية، أن الكوتة "فى طريقها نحو الإلغاء الكامل"، وانتقدت مجموعات يسارية وعمالية عدة، إلى جانب عدد من النقابات العمالية، الخطوة واستهجنت غياب الاهتمام بمشاغل العمال.
فى الممارسة، هذه الكوتة هى إلى حد كبير من مخلفات الناصرية، وقد أدت إلى إرباك خيارات الناخبين وتقييدها أكثر مما ساهمت فى تأمين تمثيل حقيقى لمصالح العمال فى البرلمان، والمنظومة فى ذاتها يشوبها فساد شديد، لأن التعاونيات الزراعية والنقابات العمالية المحلية هى الكيانات الوحيدة القادرة على تصنيف الأشخاص بأنهم عمّال أو مزارعون، وتعتقد معظم الأحزاب السياسية، أن الكوتة لا تؤدى إلى تمكين الطبقة العاملة، بل على العكس، تتيح لمَن يملكون المال والسلطة على المستوى المحلى أن يتلاعبوا بالعملية الانتخابية.
أخيراً، على القانون الانتخابى، أن يعالج بالتفصيل الاعتبارات الأكثر تقنية المتعلقة بالصيغة الانتخابية وحجم الدوائر الانتخابية، فقد طالبت معظم الأحزاب فى المفاوضات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الصيف الماضى، بنظام مستند بالكامل إلى اللوائح (التمثيل النسبى)، خوفاً من تأثير الآلة الانتخابية للنظام القديم فى الدوائر التى تقوم على الانتخاب بالنظام الفردى، وقد حقق حزب الحرية والعدالة أداءً أفضل بكثير من المتوقع فى هذه الدوائر، التى شهدت معظمها جولات ثانية بين مرشحى حزب الحرية والعدالة وبين خصومهم السلفيين، ومع ذلك يبدو أن هناك توافقاً بين حزب الحرية والعدالة وحزب النور ومنافسيهما الليبراليين، على أنه من شأن النظام النسبى مع اعتماد دوائر أكبر أن يولد برلماناً أكثر تنوّعاً وتمثيلاً لمختلف الشرائح.
لكن وفى حين أن النظام النسبى سيؤدى بصورة شبه مؤكدة إلى قيام برلمان أكثر تعددية، هناك تقليد فقهى قوى فى القانون الدستورى المصرى يقضى بأن تتساوى حظوظ الانتخاب بين المستقلين والحزبيين، هذا هو المنطق الذى استند إليه قرار المحكمة الدستورية العليا بحلّ مجلس الشعب فى يونيو المنصرم، فقد جاء فى حيثيات الحكم:
إن تقرير مزاحمة المنتمين إلى الأحزاب السياسية للمستقلين غير المنتمين إلى أى منها فى الانتخاب بالنظام الفردى، كان له أثره وانعكاسه الأكيد والمتبادل مع نسبة الثلثين المخصصة للقوائم الحزبية المغلقة، إذ لولا مزاحمة المنتمين إلى الأحزاب للمستقلين فى الثلث الباقى، لحدثت إعادة ترتيب داخل القوائم الحزبية، بمراعاة الأولويات المقررة داخل كل حزب، إضافةً إلى ذلك، أتيح لكلٍ من مرشحى الأحزاب السياسية إحدى فرصتين للفوز بعضوية مجلس الشعب، إما عبر الترشيح بالقوائم الحزبية المغلقة، وإما عن طريق الترشيح للنظام الفردى، فى المقابل جاءت الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المرشحين المستقلين غير المنتمين إلى تلك الأحزاب، مقتصرة على نسبة الثلث المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى، يتنافس معهم ويزاحمهم فيها المرشحون من أعضاء الأحزاب السياسية.
يعنى هذا أنه إذا أقر القانون الانتخابى بموجب مرسوم تشريعى صادر عن الرئيس مرسى (من دون مناقشته بالتفصيل فى الدستور)، فسوف تمتلك المحكمة الدستورية العليا سلطة حلّ البرلمانات فى المستقبل انطلاقاً من المنطق نفسه.
كى ينجح الانتقال فى مصر، يجب كبح السلطة الرئاسية بواسطة هيئة تشريعية قوية ومستقلة، ومن الصعب تحقيق ذلك إلا إذا شجّعت القوانين والإجراءات الانتخابية، كلاً من الشمولية والإنصاف، بالفعل ستكون الانتخابات البرلمانية المقبلة - والمفاوضات حول القانون الانتخابى - الاختبار الأول لديمومة الدستور.
وكى يكون أمام الأحزاب السياسية والمرشحين الوقت الكافى للاستعداد، يجب أن تبدأ هذه العملية فى الحال.
أعد الدراسة دانيال تافانا، محلل سياسى متخصص بشئون الحكم الديمقراطى وإعداد الدساتير فى الديمقراطيات الانتقالية، وقد عمل مؤخراً مع أعضاء الجمعية التأسيسية المصرية فى القاهرة، وكان رئيس التحرير المؤسِس لمجلة "هارفرد لسياسة الشرق الأوسط".
فى دراسة صدرت مؤخرا حول مستقبل القانون الانتخابى فى مصر.. مركز كارنجى للسلام: التأسيسية منشغلة فى مقارعة المصالح المؤسسية المتجذرة وتقليص قوة الجيش والخوض فى نقاش عن دور الدين فى السياسة
الجمعة، 14 سبتمبر 2012 10:24 ص