هن نساء آمن بوطنهن فهانت عليهن أنفسهن، هالهن ما يراه العالم كل يوم، مصمصا شفاه التأسى بلا أسى، ومدغدغا مشاعر البسطاء دون شعور، مللن من كثرة الأكاذيب، وتعذبن من رؤية الدم المنهمر، فقررن الإضراب عن الطعام تضامناً مع إخوتهن فى الداخل وما يلاقونه من قتل وتدمير، وإخوتهن اللاجئين فى الخارج وما يلاقونه من تجاهل وتجويع، وقررن أن يكون مقر الإضراب عن الطعام هو أمام باب جامعة الدول العربية، لعل الساسة الذين يمرون على بوابة الجامعة يعلمون أن للشعب السورى حقاً على إخوته، وأن هناك شعباً يعانى الأمرين، مر القتل فى الداخل والتشريد فى الخارج.
وأنت تقرأ هذه الكلمات ستكون نساء سوريا الأبيات قد دخلن فى يومهن العاشر من الإضراب عن الطعام، وبرغم أن كلا من "لينا الطيبى، وسلمى جزايرلى، ورولا الخش، ولويز عبد الكريم، ووفاء سالم، وجورجينا جمى" قد اتخذن كل الإجراءات الرسمية المتبعة فى الإبلاغ عن الإضراب وتسجيله والإعلان عنه، لكنهم حتى الآن يؤكدن أن الحكومة المصرية لم ترسل لهن طبيباً ليتابع حالتهن كما هو متبع، كما أن المبعوث الدولى للأزمة السورية "الأخضر الإبراهيمى"، الذى قابلنه صدفة أمام باب الجامعة لم يحدثهن سوى خمس دقائق عزمهن فيها على الغذاء معه لإنهاء الإضراب.
البطون الخضراء المحملة بالخصب والموعودة بالنماء تعاف الطعام من أجل مطلب واحد هو حث المجتمع العالمى على حقن دماء الشعب السورى، ومنذ بداية الإضراب قبل عشرة أيام ومطالبهن لم تتغير، وهى الإغاثة الفورية لأطفال سوريا ونسائها، وتأمين الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية، وفرض حظر جوى على النظام السورى وتأمين منطقة عازلة للأهالى، والعمل على إغلاق قناة السويس فى وجه السفن المحملة بالأسلحة التى يستخدمها النظام فى سوريا لقتل الشعب، وتسوية أوضاع اللاجئين السوريين، والضغط على النظام السورى من أجل تسهيل دخول وسائل الإعلام المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان، وعدم منح مهل إضافية للنظام تحت أى ذريعة كانت، اللافت أن حرائر سوريا الأبيات المثقفات اللاتى ينتمين إلى ديانات وأعراق ومذاهب مختلفة لم تلجأ إلى هذه الخطوة إلا بعدما طفح بهن الكيل، وسدت أمامهن كل الأبواب، حتى إنهن بعدما سمعن كلمة الرئيس محمد مرسى المؤيدة للثورة السورية فى طهران استبشرن به خيراً وذهبن إلى قصر الرئاسة لمقابلته ليطلبن منه منع سفن السلاح المرسلة إلى بشار من العبور من قناة السويس، لكن لم يعرهن أحد انتباها، حتى بعد أن اعتصمن أمام القصر الجمهورى أياماً وأياماً.
يقول المثل العربى القديم "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" وها هن حرائر سوريا اللاتى اخترن أن يقاومن الجوع الجبرى فى الداخل بالجوع الاختيارى فى الخارج كانت لهن أخريات يقاومن جوعاً من نوع آخر، جوع الشهوة المنغمس فى ثوب الشفقة والمساعدة، فقد انتفضت نساء سوريا الأبيات من أجل شرفهم وكرامتهن فمد لهن البعض يد المساعدة، ثم سرعان ما اكتشفن أن تلك اليد لم تكن بيضاء، فتوالت عليهن عروض الزواج والاستضافة من بعض البلاد العربية، ثم سرعان ما اكتشفن أن تلك العروض التى تأتى باسم المساعدة ما هى إلا ستار لشهوات جائعة لقلوب لا تعرف الهمة إلى فعل الخير وإنما تعرف النهم الشبقى وحده، ولهذا قامت بعض حرائر سوريا بتدشين حملة من أجل مقاومة هذا السعار المنشر تحت عنوان "لاجئات لا سبايا" ليدافعن عن حقهم فى الحياة الكريمة دون ذل أو استرخاص، حفاظاً على المرأة السورية من التدنى لطلب العيش، وكلهن يرفعن شعاراً واحداً أبدياً هو "الموت ولا المذلة".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة