أحمد عبد العليم يكتب: صناعة العدو فى مصر!

الخميس، 13 سبتمبر 2012 12:43 م
أحمد عبد العليم يكتب: صناعة العدو فى مصر! الرئيس المخلوع مبارك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دخلت مصر حالة من الفوضى السياسية عقب تنحى المخلوع مبارك، وسادت هذه الحالة وسط ضبابية متعمدة وتباطؤ وصل حدَّ التواطؤ فى كثير من الأوقات، وفى تلك الحالة المستجدة علينا كمصريين من اللعبة السياسية التى تم إقصاؤنا عنها منذ عقود عدة لصالح لاعبين محددين رُسمت أدوارهم بعناية بالغة، ظهر التوجُّس من الآخر مادام مختلفًا مع أفكارنا!

وكان استفتاء مارس 2011 تكريسًا لهذه الحالة من الفوضى السياسية والتوجُّس بشكل كاد يُطيح بكل ما بنته الثورة فى أيامها الثمانية عشر من توافق واتفاق بين مختلف القوى السياسية، وكان المتسبب الأبرز فى ذلك هو غياب المعلومة وسرعة انتشار الشائعة، وعدم مهنية جانب ليس بقليل من الإعلام والصحافة، وهو ما أدى إلى بروز أزمة ثقة تحوَّلت إلى كرة من الثلج تكبر مع مرور الوقت فى ظل مناخ مشتعل من الأحداث السياسية.

وفى ظل هذا برع المصريون فى صناعة العدو، وكان العدو الأول الذى تمت صناعته هو الثورة المضادة، وهذا لا ينفى وجود قوى ضالعة فى محاولات تفتيت الثورة وتصفيرها من مكتسباتها، ولكن المشكلة كانت فى أننا كنَّا نتنازل عن قوتنا دائمًا لصالح الطرف الآخر الخَفى الذى لا نعرفه، وهو ما يُشكِّل حالة من الاستسلام غير الظاهر لما هو مُبطَن، وربما لما هو غير قائم بالشكل الذى يستحق أن نمنحه كل هذا التفكير الذى أثنانا عن ترتيب أولويات الثورة بعد مخاضها بقليل، وتحولت الثورة من حالة الهجوم الذى به أسقطت النظام المباركى البائد إلى حالة الدفاع، وتم حصر الثورة فى خانة رد الفعل وليس الفعل!

الثورة المضادة الحقيقية لم تكن فى الشخوص المعادين للثورة، ولكن كانت فى اليأس الذى بدا على البعض، والتناسى أن الثورة بالأساس أمل، وأننا لن نصنع تاريخ المستقبل إلا بعناء يجعلنا نفخر بما صنعناه وما نصنعه، وأن كل تقدُّم حضارى كان له ثمن، وأن كل مجتمع ناجح هو مجتمع كان دائمًا على استعداد لأن يدفع الثمن، فلا إنجازَ بلا مقابل!

وما حدث مع فكرة الثورة المضادة حدث أيضًا مع العدو الثانى للثورة الذى صنعناه، وهو الدولة العميقة، وأيضًا لا ننفى وجود دولة موازية كانت تحاول بكل قوتها إيقاف الثورة عند الحدِّ الذى لا يتضارب مع مصالح الدولة العميقة، ولكنَّ مكمن الخطورة كان فى الحديث من قوى الثورة عن الثورة كقزم يصارع عملاقًا، وهو أمر شجَّع مَن تضاربت مصالحهم مع الثورة على أن يستمروا فى لعبتهم وتحالفاتهم فى الغرف المغلقة، وفى محاولات إجهادِ الثورة وإجهاضها.

الخوف البالغ ممَّا سُمِّى "الدولة العميقة" جعل الثورة تُحاصَر بخرافات عجلة الإنتاج، وخرافات الحرب المقبلة على الحدود، وخرافات المظلومية، وهو أيضًا ما جعل الثورة تعيش حالة من الفوضى فى ترتيب الأولويات وتحولت قوى الثورة إلى مئات الائتلافات، والائتلافات إلى عشرات الفصائل السياسية، وتقزَّمت الثورة بفعل أصحابها!

العدو الثالث هو الحديث عن أخونة مصر، وهو حديث يجهل حقائق التاريخ التى تؤكد أن هُوية مصر أكبر من أى فصيل أو "جماعة"، وأن الحديث عن خطر الأخونة ليس إلا تكريسًا لحالة من الضعف السياسى للقوى غير الإسلامية فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين على أرض اللعبة السياسية، فى ظل حديث الدوريات السياسية العالمية عن وجود "الشارع" كأحد المحددات الرئيسية لتشكيل السياسة الخارجية والداخلية لمصر بعد ثورتها، وبالتالى مَن يملك الشارع فسيملك القرار السياسى، وسيملك المستقبل.

على كل مَن يتحدثون عن خطر الأخونة أن يُدركوا جيدًا أنه كلما مُنح الإخوان فرصتهم كاملة لتقديم مشروعهم النهضوى – بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا عليه - كان من مصلحة الجميع أكثر من مصلحة الجماعة، لأنهم لو حققوا ما وعدوا به من نهضة فهو فى صالحنا جميعًا، ولو فشلوا فقد خسروا رصيدًا سياسيًّا كبيرًا يُضاف تلقائيًّا إلى القوى السياسية المعارضة لجماعة الإخوان.

وعلينا جميعًا أن ندرك أيضًا أن نجاح الدكتور مرسى، وهو محسوب على جماعة الإخوان، هو نجاح لكل المصريين، وأن فشله سيكون فشلاً لشخصه ولجماعته فقط، وستكون صناديق الاقتراع هى الفاصلة فى مدى إمكانية أن يُكمل أو يأتى مَن هو أحق، وبالتالى فإن الإشادة بما يُحسن فيه هو فرض عين علينا جميعًا، وانتقاده عندما يُخطئ هو ضرورة تفرضها تمنيّاتنا الأفضل.

ويظل العدو الأخطر والذى صنعناه بعناية وإن كانت بعض أسبابه لأطراف غير منتمية للثورة، هو عدم وجود حوار بنَّاء بين مختلف القوى السياسية الثورية، ووجود حالة من الاختلاف دائمًا ما تصل حدَّ الخلاف، وحالة من الصراع دائمًا ما تصل حدَّ الصدام، وهو أمر ينذر بهدم مقومات بناء الدول الديمقراطية التى لابد أن تكون بحجم تطلعاتنا كمصريين.

لن تستطيع مصر الخروج من نفق الخرافات وآفة صناعة العدو إلا بالعلم والمعرفة واحترام الآخر بغض النظر عن معتقداته أو قناعاته أو أفكاره، والأميَّة سوف تهدم كل خطوة فى طريق بناء الدولة، فبناء الإنسان أهم من بناء الدولة، لأنه لا قيمة لدولة مؤسساتها قوية وبها إنسان ضعيف، لأن العدو الأول لأى مستقبل واعد هو مجتمع يحمل بين جغرافيته إنسانًا ضعيفًا!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة