كشفت ثورة الشعب المباركة فى 25 يناير عن وجود إمبراطورية كبيرة وخطيرة للفساد ضربت بجذورها فى أعماق دولة أبناء مبارك العميقة.
كان الفساد الذى نراه بأعيننا ونحسه بقلوبنا قبل الثورة ما هو إلا قشرة تمثل جزءًا ضئيلاً فى إمبراطورية جبارة لم تتضح كل خيوطها بعد.
وصل فساد دولة المخلوع إلى كل سنتيمتر فى البلاد، وصل إلى جميع المصالح والمفاصل. الفساد وصل حتى إلى عقولنا بكل أسف، فأصبح من الطبيعى جدًّا أن ندفع الرشوة فى كل مكان، ولأى شخص، وأيضًا نجهز الواسطة ونلجأ للمحسوبية لقضاء أى مصلحة، نفعل كل ذلك ونحن صاغرون، مع الإحساس بالرضا التام.
بصراحة وبكل أسف عندما وصل الفساد إلى عقولنا فقدنا البوصلة وفقدنا القدرة على التمييز بين الصحيح وبين الخطأ والتمييز بين الحلال وبين الحرام.
كان لابد من القضاء على الفسادين المالى والإدارى اللذين انتهيا بانتقال أموال الشعب وأراضى الدولة إلى أصحاب النفوذ والمناصب وقيادات الحزب المنحل وقيادات الأمن الملغى.
وبعد الثورة مباشرة اكتفى المسئولون عن إدارة المرحلة الانتقالية بتحويل بعض الوزراء، والرئيس، إلى الكسب غير المشروع، بتم تهريب الأموال، وأيضًا هرب الكثير من الفاسدين بأموالهم إلى خارج البلاد.
وبقى الحال على ما هو عليه، واستمر التستر على الفساد، واستمر النزيف لمقدرات مصر والشعب، والذى استمر كأكبر عائق أمام أى تطورٍ أو إصلاحٍ اقتصادى تقوم به أى حكومة بعد الثورة.
فى الانتخابات الرئاسية وقف الشعب أمام خيارين: الأول: اختيار دولة الفساد التى يدعمها كل من تاجر بقوت الشعب وأراضى الدولة، وكل أصحاب المناصب النافذة فى البلاد، والآخر: اختيار دولة الإخوان التى توعدت الفساد والمفسدين بالاستئصال.
وبفارق ضئيل جدًّا استطاع الشعب فرض إرادته الحرة ورغبته الأكيدة فى قهر إمبراطورية الفساد. ونجح الدكتور محمد مرسى فى انتخابات رئاسية حرة، ومن اللحظة الأولى وقف الشعب أمام القصر بالآلاف يطالبون برد حقوقهم ورفع الظلم عنهم، فكان محتمًا على الرئيس الاستجابة السريعة لمطالب الشعب ورفع المعاناة عنه.
مهمة جبارة لا يمكن التعامل معها إلا من خلال قرارات قوية وجريئة فى كل المجالات، وبدأ الرئيس بإنشاء ديوان المظالم لأول مرة فى تاريخ مصر، وعندما سنحت له الفرصة قام الرئيس بدون أى تردد بضرب الدولة العميقة فى مقتل، وأزاح رجال المخلوع من جهاز المخابرات العامة الذى يمثل النواة الصلبة للدولة العميقة فى دولة المخلوع الاستخباراتية. ولم تمضِ ساعات إلا وأصدر قرارات لإنهاء حكم العسكر وتحويل مصر إلى دولة مدنية لأول مرة فى التاريخ. وتوالت القرارات لضرب مواقع التستر على الفساد وحماية المفسدين فقام بتعيين رئيس جديد للرقابة الإدارية لضبط الفساد الإدارى، ورئيس جديد للجهاز المركزى للمحاسبات لضبط الفساد المالى.
قرارات الرئيس المنتخب لمحاربة الفساد متعددة فى كل المجالات، فقام باختيار مستشار مكلف بملف العدالة الانتقالية وحركة محافظين محدودة مع تكليف المحافظين جميعًا ببدء الحرب الشعواء على الفساد والمفسدين، مستجيبًا للمطالب الجماهيرية فى كل المحافظات.
معركة الشعب والرئيس ضد الفساد بدأت فى كل المواقع، حتى الإعلامية والصحفية منها. معركة الشعب والرئيس على الفساد والمفسدين هى الخطوة الأولى للإصلاح الاقتصادى الذى هو الأمل الكبير للشعب للعيش بكرامة، وهو حجر الزاوية لنهضة مصر واستعادة الريادة والزعامة والقوة.
لابد من كسر شوكة الفساد والمفسدين وإغلاق صنابير الفساد المفتوحة لإهدار الاقتصاد وإضاعة كل الجهود المبذولة للإصلاح.
مصر القوية تحتاج إلى استمرار إشهار سيوفنا لقطع دابر الفسادين المالى والإدارى فى كل المواقع والمصالح.
لابد من القضاء على الفساد فى القطاع المصرفى وقطاعات الصحة والتعليم والإدارة المحلية.
لابد من تكوين هيئة للعدالة الانتقالية لمحاسبة المفسدين، أو هيئة للشفافية، وهيئة لاسترداد أموال الشعب المنهوبة، سواء تم تهريبها للخارج أو إخفاؤها بالداخل، واسترداد أراضى الدولة المسلوبة بأبخس الأسعار، وربما إحداث اختراقات لإصلاح أجهزة الكسب غير المشروع، وإذا استدعى الأمر إحداث تغييرات فى مؤسسة الادعاء العام أو إمدادها بمزيد من القضاة.
لقد اقتحم الرئيس المنتخب أعشاش الدبابير، وكلنا خلفه، ومن على هذا المنبر الحر أطالب الجميع بالوقوف خلف الرئيس المنتخب، وهذا حقه، ومؤازرته فى هذه الحرب الشرسة للقضاء على إمبراطورية الفساد العنكبوتية والأخطبوطية، والتى تحتاج إلى سنوات وآلاف القرارات الجريئة والمتلاحقة للقضاء عليها قضاءً تامًّا، وحرمان المفسدين من أى فرصة لالتقاط أنفاسهم.
أتمنى للرئيس وفريقه النجاح، وأدعو الله أن يخلصنا من إمبراطورية الفساد التى أسستها دولة التوريث لتمرير المشروع الخطير لتولى ابن مبارك حكم مصر المحروسة.
حمى الله مصر والمصريين ورئيسهم الذى اختاروه.. إن شاء الله.
