"فضل": شباب الشعراء سيفقدون كثيرًا لو أسقطوا "درويش" من حساباتهم

الخميس، 09 أغسطس 2012 01:48 م
"فضل": شباب الشعراء سيفقدون كثيرًا لو أسقطوا "درويش" من حساباتهم محرر اليوم السابع مع الدكتور صلاح فضل
حاوره بلال رمضان وتصوير صلاح سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أربعة أعوام تمر على رحيل الشاعر الفلسطينى محمود درويش (13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008)، ولا يزال حاضرًا بيننا بأشعاره ولم ينسَ كما قال فى إحدى قصائده، أربعة أعوام وما زال النقد قادرًا على أن يقدم العديد من الدراسات والقراءات لدواوينه المتعددة كما يقول الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى، فى حواره لـ"اليوم السابع" مؤكدًا أن الأجيال من شباب الشعراء سيفقدون الكثير لو أسقطوا "درويش" من حساباتهم قبل خوض تجربتهم فى كتابة الشعر.. وإلى نص الحوار:

◄◄ونحن نمر بالذكرى الرابعة لرحيل الشاعر محمود درويش إلى أى مدى ترى أنه ما يزال قادرًا على البقاء والحضور فى الساحة الشعرية؟
قامةٌ شعرية رفيعة مثل محمود درويش، استطاعت أن تملأ أفق الحياة العربية طيلة أربعة عقود عريضة برزت فى أواخر القرن العشرين، واحتلت الجزء الأول منه، باعتبارها أعظم تمثيل جمالى للشعرية العربية بعد الأميرين السابقين عليها، أحدهما توج فى مصر فى العقود الأولى وهو أحمد شوقى، والثانى رددت شعره الملايين فى العشق والسياسية طيلة عقودٍ ممتدة أيضًا، وهو نزار قبانى، وجاء "درويش" بعد انكسار موجة القومية العربية، وانهيار الحلم الفلسطينى، وغروب ألق الشعر، باعتباره صوت الجماهير، لكنه استطاع بالرغم من كل هذه الانكسارات أن يجمع بين الحداثة والجماهيرية، بين الالتزام والحرية، بين الإيقاع والنثرية، واستطاع بكاريزما غير مسبوقة أن يستثير فى ملايين القراء، والمستمعين أرقى مظاهر حسّهم الجمالى باللغة، وتوقّهم الفنى للمتخيل الشعرى، ورغبتهم الإنسانية فى الانفتاح على الآفاق العالمية، أحسب أن شعره من النوع المفتوح للقراءات المتعددة والتأويلات الخصبة، وأنه لا يشيخ، ولا يتقادم، لأنه ارتبط بما هو خالدٌ بنبله، وإنسانيته، وتخلص مما هو زائل، وتطور أساليبه، ليظل شعره منهلاً صافيًا للأدب العربى يضم إلى أعزب المناهل للشعرية المعاصرة، وأحسب أن ظروفه السياسية قست عليه فحرمته مما كان يستحقه من أعلى الجوائز العالمية، لكن حب قراءه وإعجاب نقاده ومنجزه الجمالى الخالص كل ذلك يضمن له الخلود.

◄◄وما هى مراحل تطوير أساليبه الشعرية من وجهة نظر النقد؟
لقد استطاع "درويش" وهو يجدد أساليبه فى كل مرحلة فيبدأ حسيّا مثل نزار قبانى، ويتدرج إلى المراقى الدرامية والملحمية مثل صلاح عبد الصبور، ويعانق الآفاق الرؤيوية مثل "البياتى" أن يلامس المنطقة التجريدية فى الشعر التى يختفى فيها الموضوع ويتجلى جوهر الفن، وتصبح القصيدة رمزًا للشاعر وعلامةً على كونه، وإشارةً ضاربةً فى أعماق رؤيته، محمود درويش بكل تدفقاته وتحولاته واحتضانه لقضيته وثورته عليها، وفيها حافظ على شىء آخر بالغ الأهمية، وهو توازنه الدقيق فى الحفاظ على المسافة بين الفنان والسلطة، فكتب خطاب عرفات الذى ألقاه فى الأمم المتحدة ورفض عرضه بتولى وزارة الثقافة فى السلطة الفلسطينية، فكان دائمًا أكبر من وزير، وأعظم من قائد، كان رمزًا للشعر، وللجمال، وللكبرياء، لم يسقط فى أحبال السياسة، كما فعل شعراء ذو قاماتٍ كبرى، مثل "أدونيس"، و"سعدى يوسف" حين خانتهما فطنتهما الإنسانية فخذلوا الثورات العربية، ولم يتخذ موقفًا يمكن أن يؤخذ عليه، ولم يرض بمكانةً تنقص من قدره، واستطاع أن يحقق معجزة السمو الشعرى والتواصل الجماهيرى فى آنٍ واحد.

◄◄وبرأيك ما العناصر التكوينية التى اعتمدت عليها قصيدة "درويش" لتمكنها من الاستمرارية هكذا؟
إيمانه بالتجدد، وبالثقافة، وصناعته لمعجمه الخاص، ورموزه وإدمانه للقراءة فى كل الفنون، وعشقه لجمال اللغة، والنغم، والصورة، وامتياحه من البئر العميقة، بئر الإنسان الأصيل، ووفائه لثقافته، وتنميته لموهبته، وصناعته الدائمة لحلمه، وأمله ومقاومته الدائمة لما هو تافه وعابر وزائل، فلم تكن هناك وصفة جاهزة يتبعها، ولا نظرية مسبقة يعتنقها فى الشعرية، ولكنه كان ينصت إلى صوت عبقريته، ويجتهد فى أن يستخرج أجمل ما فيها، ولا يغترّ بما يصل إليه، كانت شراهته فى حب الحياة، وعشق الجمال، وتقديس اللغة، واعتبار الشعر مملكته الكبرى، هى ما يسنده فى مسعاه، وما يحدد له أهدافه، وقد شرح كثيرًا فى لقاءاته طبيعة تجاربه، وطموحه المستمر، وعدم رضاه فى أية لحظة عما انتهى إليه ولعه الشديد بالتجريب، وتأمله العميق لتجارب الآخرين، واعترف بدينه لكبار الشعراء العالمين، والعرب على وجه الخصوص "نزار قبانى" و"أمل دنقل"، لكنه لم ينكر أبدًا فضل الشعر الكلاسيكى، فضل "المتنبى" ولا "المعرى" ولا المحدثين عليه، دون أن يقع فريسةً لهم، أو يجثوا تحت أقدامهم، فعرف دائمًا كيف يحتفظ بنبرته الخاصة، وصوته المائز، وأسلوبه الذى يتجدد باستمرار.

◄◄وكيف تفسر اهتمام الشباب من الشعراء والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى بأشعار "درويش"؟
ذلك لأن منظومات القيم المدسوسة فى شعره من تلك التى يتجدد الشعور بأهميتها من حين إلى آخر، فهو لم يحصر نفسه، فى موضوعات مستهلكة ترتبط بوقائع تاريخية محددة، كان قادرًا دائمًا على أن يصنع الرمز، والرموز من شأنها أن تعيش طويلاً، ويتعدد المشار إليه بها، من فترةٍ إلى أخرى، فتيمات الحب والسلام والأرض والبرتقال والزهرة والنضال لم تكن تبدو مباشرة فى شعره، وإنما ملفعةً دائمًا بغلالة سحرية تجعلها قابلة للتحقق فى أزمان مختلفة وظروف مغايرة، ولم يكن شعره خطابيًا، كما لم يكن فاقدًا للإيقاع، فكان شديد الرهافة فى الحفاظ على جماليات اللغة والموسيقى والرؤية بتوازن المدهش، مما يجعله أصدق تمثليًا لشباب الشعر وأقرب إلى قلوب الشباب.

◄◄هل ترى أنه ما يزال له تأثير على أجيال الشعراء الشباب؟
أعتقد أن أجيال الشباب من الشعراء تفقد كثيرًا إن أسقطت "درويش" من حساباتها؛ لأنه ما زال يمثل الموجة الأخيرة فى تطور الشعرية العربية، ولم يتجاوزها أحد حتى الآن، ولهذا فإن الشعراء الحقيقيين إذا بدأوا بهضم "المتنبى" وحفظ شعره، وثنوا بـ"أبى العلاء المعرى" من العصور القديمة، كان عليهم أن يستوعبوا تجربة "شوقى" وشعراء القرن العشرين حتى "محمود درويش".

◄◄وهل ترى أن النقد والدراسات الأكاديمية فى الجامعات ما زالت قادرةً على أن تقدم الجديد فى شعر "درويش"؟
بالتأكيد، فكلما تجدد الخطاب النقدى، وتعددت طرائق نفاذه إلى صميم الأبنية الشعرية، وشبكة دلالاتها المختلفة، ورؤاها المتعددة، كانت تجربة "محمود درويش" قابلةً لقراءاتٍ متنوعة، يقف بعضها على تقنياتها الفنية والتعبيرية، ويتأمل بعضها الآخر علاقتها بالأنساق السياسية، والاجتماعية، ويتفحص بعضها الثالث روابطها العميقة، بما سبقها، وما تلاها من تجارب شعرية، ولا يمكن للنقد المعمق أن يسقط من حسابه واحدةً من أهم التجارب الشعرية العربية، بل والعالمية المعاصرة، وهو إذ يتجدد خطابه وتتعدد طرائق تحليله، يجد فى مثلها أكثر المواد كفاءةً فى استقباله واستجابةً لإمكاناته، ومع كثرة الرسائل الأكاديمية التى قدمت عنه حتى الآن، والمحاولات المختلفة فى ثبر أغوار سيرته ومسيرته وشعريته ما زال هنالك الكثير مما يمكن استجلاؤه ودراسته والوصول فيه إلى نتائج خصبة ومتجددة.

◄◄وكيف تستجلى ملامح الثورة واستشرافها فى قصائده؟
أظن أن مراجعة شعره ستجد عنصر الثورة فى ارتباطه بالثورة الفلسطينية من ناحية، وبثورات التحرر الإنسانية من ناحية ثانية، وبجماليات الحرية فى عمومها من ناحية ثالثة، بارزة بقوة فى طيات قصائده وأشعاره، ولكن هذا يحتاج إلى إعادة قراءة وتحديد التيارات الخفية الكامنة فى مجموعاته المتعددة.


موضوعات متعلقة::


◄"محمود درويش"..لاعب النرد المناضل الحالم بمدينة الشعر

◄درويش فى القاهرة: قضى عامين مع محفوظ وإدريس وعبد الصبور والأبنودى






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة