نربط دائماً فى مصر بين اندلاع أحداث الفتن الطائفية وبين ضعف الدولة والانتقاص من هيبتها.
وما يثير الأسى هو أن تلك المقولة تلخص المنهج التى اعتمدت عليه الدولة المصرية فى التعامل مع آليات السلام والصراع المجتمعى، والذى أدى إلى اندلاع أحداث الزاوية الحمراء، فى ١٦ يونيو عام ١٩٨١، فكانت أول حدث للفتنة بين المسلمين والمسيحيين المصريين فى تاريخنا المعاصر.
فالأحداث التى أودت بحياة ٨١ مواطن مسيحى حرقاً فى محالهم وبيوتهم، كانت يقيناً انعكاسا لتوتر مجتمعى تسببت فيه دوامة الخلافات السياسية والمجتمعية، التى وصلت إلى ذروتها باغتيال الرئيس السادات فى نفس العام.
وبعد ٣١ عاماً من تلك الأحداث الدامية، حدثت خلالها العديد من حوادث الفتن الطائفية، نصدع كعادتنا بخبر اندلاع فتنة جديدة فى دهشور أودت بحياة شاب مسلم، وتهجير عائلات مسيحية من ديارهم، كنتيجة مباشرة لذلك الحدث.
بدأت الفتنة فى الزاوية الحمراء بسبب " غسيل مواطن نقَّط على غسيل مواطن "، بتعبير الرئيس السادات فى خطابه الشهير، معلقاً على الأحداث آنذاك، وتتجلى سخرية القدر فى أننا نقنع أنفسنا ان سبب الفتنة الأخيرة هو ان " قميص مواطن قد أحرقه مكوجى مواطن".
ومن العبث ان يظل مجتمعنا، يهرب من التعامل مع المسببات المزمنة للفتن الطائفية، ويعلقها فقط على شماعة ضعف الدولة والانتقاص من هيبتها.
أساس المشكلة يكمن فى رأيى فى ان الدولة المصرية عندما يتعلق الأمر بشئون درء الفتن، فإنها تكذب وتصدق كذبها، وتعمل على اقناع الشعب منذ عقود بحقيقة زائفة، وهى أنها تبنى وتصنع سلاما مجتمعيا وتسعى إلى حل الصراعات المجتمعية.
والحق ان ما تمارسه الدولة المصرية حتى يومنا هذا، يعتبر فى علم السلام والصراع، مجرد آليات فاشلة تسعى "لحفظ" سلام مجتمعى هش، ففرض الأمن يتم بشكل انتقائي، وغالباً ما يختفى الأمن فى الأوقات الحرجة، او يخطئ سبل التعامل فور اندلاع الفتن، لأنه يتحرك ويتعامل معها بحسابات " سياسية " فقط.
كما تسعى الدولة لحل الصراع دائماً بطرق قبلية، لا تتناسب ومفاهيم المواطنة والقوانين التى تحميها، يعززها بطء محبط فى منظومة العدالة.
وهكذا فإننا نعيش منذ عقود طويلة فى عملية " إدارة" عقيمة للصراع، لا تنتج إلا سلام وقتى مهدد دائماً، يرتبط بسياسة الدولة و"هيبتها".
أما ما ينتج سلام مجتمعى حقيقى فهو العمل التنفيذى الجاد، على "بناء" السلام المجتمعي، و"حل" الصراعات بنشر ثقافة التفاوض والوساطة، وترسيخ اسس ومفاهيم الهوية المصرية الوسطية المهمشة، لحساب انكفاء كل فصيل أيديولوچياً على ذاته، ومفردات خطابه.
ويبرز بالتزامن مع البناء، تفعيل ودعم دور المجتمع المدنى فى العمل على "صناعة" السلام، و"إصلاح" الصراع، بدعم أسس الديموقراطية، وحقوق الإنسان، إضافة إلى العمل على دعم التنمية المجتمعية المستدامة.
الاكتفاء بالإدارة الفاشلة للصراع، بالتدخل الأمنى لتقليل العنف هو ما يتسبب فى إظهار "خيبة" للدولة، حينما تنتفى عنها "هيبتها" الزائفة.
فهيبة دول العالم المتقدم أمام شعوبها تنبع من سيادة القانون، والالتزام الفعلى بمبادئ المواطنة، والقناعة بحقوق الآخر فى المجتمعات التعددية.
نريد ان تستحدث الدولة المصرية فى خططها المستقبلية وزارة لشؤون السلام الإجتماعى تشرف على تنفيذ خطط حل النزاعات المبنية على اسس علمية.
وأن تتبنى خطة ذات خط زمنى واضح، لتدريب وتأهيل كوادر تمثل جميع أبعاد الطيف السياسى فى مصر من أقصى يسار اليمين إلى أقصى يمين اليسار، على تفعيل بناء السلام الإجتماعى فى كل بقعة على أرض مصر.
وتضمن تلك الخطة عدم استئثار فصيل سياسى واحد بهذا العمل الوطنى الحساس، ولا أن تستخدم جهود بناء السلام سياسياً؛ لخدمة الطرق التقليدية فى جمع أصوات الناخبين.
إن لم يمارس المجتمع ضغوطاً قانونية فعالة لتحقيق ذلك الهدف الاجتماعى السامى، فلن يخطر الأمرعلى بال أغلب السياسيين المصريين، فى تلك المرحلة الحرجة فى تاريخنا، وإن خطر على بالهم، فلن يدركوا أبعاد تخطيطه وتفعيله، إلا إذا ألزمتهم إرادة سيادية دستورية، بميثاق شرف لبناء السلام الاجتماعي، يجمع بينهم.
الأمر فى علاج جذور الفتن يجب أن ينتقل من يد الأجهزة الأمنية، والتى لم تجد له علاج فعال، إلى يد المجتمع المدنى بكل أطيافه.
وليعلم القائمون على الأمر، أن الطرق العقيمة القديمة فى ممارسة السياسة التى زرعتها فى المجتمع مدرسة الحزب الوطنى المنحل، والتى طالما زرعت الفرقة واستعبدت الضمائر، كانت سبب مباشراً فى كل ما نحصده اليوم من فرقة وشقاق.
فكل تقدم وبناء دون سلام مجتمعى راسخ، هو تقدم مصطنع هش، يسهل عرقلته وزعزعة استقراره.
وإن عرفنا، فلنسع لتحقيق ما عرفناه بالتزام مبادئه.
وكل فى مسئوليته أمام الله والوطن.
محمد جاد الله يكتب: فتنة دهشور.. و"هيبة" الدولة
الإثنين، 06 أغسطس 2012 10:20 م
فتنة دهشور
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جحا
دهشور
مصر تسير نحو الفاشية الدينية !!! الف صحة