محمد انيس

كرم أبو سالم والفرصة التاريخية

الإثنين، 06 أغسطس 2012 10:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما وقعت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 تضمنت العديد من الملاحق التى تنص على ترتيبات الوضع الدائم بين مصر وإسرائيل، أشهر تلك الملاحق على الإطلاق هو الملحق الأول (الملحق الأمنى) والذى يقسم شبه جزيرة سيناء تقسيماً طولياً إلى ثلاث مناطق.

المنطقة (أ) وهى المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) بعرض 58 كم، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 ألف جندى مشاة مصرى مع تسليح يقتصر على 230 دبابة و126 مدفع ميدانى و126 مدفع مضاد للطائرات عيار37 مم و480 مركبة أفراد مدرعة.

ثم المنطقة (ب) وعرضها 109 كم الواقعة وسط سيناء وشرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندى من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة.

ثم المنطقة (ج) وعرضها 33 كم وتنحصر بين الحدود الدولية من الغرب والمنطقة (ب) من الشرق ولا يسمح فيها بأى تواجد للقوات المسلحة المصرية وتقتصر على قوات من الشرطة، ويحظر إنشاء أى مطارات أو موانئ عسكرية فى كل سيناء، كما يحظر الطيران العسكرى المقاتل والهليكوبتر المسلح فى المنطقة (ب) و (ج).

فى مقابل هذه التدابير فى مصر قيدت الاتفاقية إسرائيل فقط فى المنطقة (د) التى تقع غرب الحدود الدولية وعرضها 4 كم فقط، وحدد فيها عدد القوات بـ 4000 جندى، هذا يعنى ببساطة أن إسرائيل تحتفظ بقوتها الضاربة وقدرتها على الحشد والتعبئة على بعد 4 كم من خط الحدود الدولية، بينما مصر فى المقابل تتمتع بذلك على بعد يزيد عن 200كم من خط الحدود الدولية، وذلك غرب قناة السويس وليس على أرض سيناء.

ورغم ما تحمله تلك التدابير من خلل إستراتيجى كبير بين مصر وإسرائيل، إلا أن مجمل الظروف الدولية والإرادات السياسية لدى الطرفان فى عدم التحول مجدداً إلى الصراع العسكرى المباشر خففت من وطأة ردائة تلك التدابير على القيادات العسكرية المصرية، إلى أن جاءت لحظة سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة عام 2005، لتضيف تحدياً جديداً أمام مصر وذلك بتحول قطاع غزة من: مرحلة محاولة إنشاء دولة (بما تعنيه كلمة دولة من مؤسسات مسئولة)، إلى: أرض عليها شعب ويسيطر عليها ميليشيات مسلحة، وما ترتب على ذلك من رفض وحصار دولى للقطاع شارك به بخسة معتادة النظام السابق، لتبدأ مشكلة الأنفاق فى الظهور والطفو على سطح الأحداث.

نتج عن تلك المستجدات أن سعت إسرائيل مجبرة إلى أن تكون هناك قوات مصرية بسيطة على الحدود لتأمينها، فتم تعديل الملحق الأمنى ليصبح لمصر 750 جندى حرس حدود محدودى التسليح للغاية، متمركزين على خط الحدود بالقرب من قطاع غزة.

إلا أنه لم يسمح ذلك التعديل للسلطات المصرية أن تبسط سيطرتها الكاملة على أراضيها لتشهد السنوات اللاحقة تفجيرات طابا ورأس محمد وشرم الشيخ وكذلك الحسين.

أقبل الليل يوم الأحد الماضى حاملاً أخبار الهجوم على كمين كرم أبو سالم واستشهاد 17 جندياً مصرياً أثناء تناولهم الإفطار وإصابة 7 آخرين بإصابات بالغة، وفى ذلك إثبات خطير على هشاشة الوضع الأمنى فى سيناء كذلك تغييرات فكرية مهمة لدى منفذى ذلك الهجوم, فالهجوم تم على جنود وضباط قوات مسلحة مصرية يرتدون الزى العسكرى الرسمى المصرى, وتلك سابقة هى الأولى من نوعها، حيث إنه دأبت الجماعات الجهادية والتكفيرية طوال الأربعة عقود الماضية على مهاجمة الأجانب وكذلك قوات الأمن الداخلى من دون استهداف أفراد القوات المسلحة.

تشير المعلومات الأمنية الموثوقة المتاحة حتى الآن إلى أن منفذى ذلك الهجوم هم عناصر جهادية تكفيرية بعضها متواجد على أرض سيناء وبعضها أتى من غزة عبر الأنفاق لتنفيذ تلك الجريمة, يجب التوضيح والتأكيد أنه ليس معنى أن تأتى تلك العناصر من غزة أنها تابعة أو موالية لحركة حماس المسيطرة هناك أو حتى حركة الجهاد الإسلامى، فلا تلك الفعلة تلاءم أفكار كلتا الحركتين ولا يوجد لهم أى مصلحة مباشرة أو غير مباشرة - إلى أن يثبت العكس- على النقيض فستتحمل كلتا الحركتين وتحديداً حماس الثمن الإعلامى والشعبى والسياسى لتلك الجريمة.

أمام السلطات المصرية طريقتين للتعامل إيجابياً مع تلك الجريمة:
الطريقة الأولى وهى التعامل مع الحادثة فى حدودها ليكون أقصى نجاح ممكن، هو أن يعلن عن المتورطين والقبض عليهم ومحاكمتهم لتطوى صفحة الحدث بانتصار سطحى فقط لا غير.

الطريقة الثانية وهى ببساطة ووضوح استغلال تلك الجريمة فى تغيير الترتيبات الأمنية وخريطة التوازن الإستراتيجى فى سيناء برمتها، فمن يرفع السلاح فى وجه الدولة والمجتمع يجب أن يواجه بمنتهى القوة المسلحة الغاشمة ليكون مصيره السحق التام أى كانت جنسيته، ودون وضع أى اعتبار لأى اتفاقات أو تفاهمات دولية، فلا شىء يعلو فوق أمن مصر القومى وهيبتها كدولة.
تحمل تلك الحادثة فرصة تاريخية كمبرر سياسى فى ظل ظرف إقليمى ودولى مواتى لتنفيذ المهام التالية:-
1- تكليف سلاح المهندسين بغلق الأنفاق وضمان عدم تواجدها مجدداً واتخاذ التدابير المطلوبة لذلك.
2- كمسار موازى زمنياً إنشاء منطقة تجارة حرة مع غزة تكون على الشطر الفلسطينى من الحدود وتحت إدارة مصرية بنسبة 100%.
3- إنهاء حظر الطيران المقاتل والهليكوبتر المسلح على المنطقة (ب) و (ج) بلا غير رجعة.
4- اقتحام المنطقة (ب) و(ج) بالقدر الكافى من تشكيلات القوات المسلحة، عالية الكفاءة القتالية عالية التقنية التسليحية وبدون استخدام كثيف للأسلحة الثقيلة ( الدبابات والمدفعية الثقيلة ومنصات إطلاق الصواريخ أرض/أرض أو أرض/جو ).

منذ عام 1979 إلى اليوم وبموجب الملحق الأمنى لاتفاقية كامب ديفيد أصبح الجيش المصرى الجيش الوحيد فى العالم الممنوع من حماية حدوده، وكان لنا عوضا عن ذلك بعض الضمانات السياسية، أما وقد تغيرت التهديدات الأمنية وجب علينا التعامل معها طبقاً لنظرية الأمن القومى المصرى ومتطلباتها المستحدثة، وليس الجمود أمام ظرف سياسى بأواخر السبعينيات.
يكفى مشهد حمل جنودنا فى بطاطين من قبل مدنيين متوجهين بهم إلى أقرب مستوصف ليوضح ضحالة الاستعدادات الأمنية واللوجيستية على الحدود, لدرجة جعلتنى أشعر أن عدد ال750 جنديا وضابطاً المتواجدين على الحدود الآن أرسلوا إلى الموت بلا أى دعم كما أرسلنا جنودنا عام 1967.

تمتلك القوات المسلحة المصرية القدرة على تنفيذ تلك المهام وفرض سيطرتها على أرض سيناء وتطهيرها من بؤر الإجرام وتأمين حدودنا بالمستوى المرضى لنا جميعاً ولا ينقصنا إلا الإرادة السياسية لرئيس يكون صاحب رؤية، فالنجاح فى قنص تلك الفرصة يتوقف بدرجة كبيرة على استغلالها فى خلال 72 ساعة من وقت الحدث، وذلك لوجود المبرر الذى يخلق واقعاً جديداً على الأرض ليتم التفاوض لاحقاً على تعديل الملحق الأمنى ليتناسب مع تحديات اليوم وغداً.

دائما ما يكون رجل الدولة قناصاً يعرف ما يحتاجه وطنه وينتظر الفرصة المواتية للانقضاض وتنفيذ ما كان يحلم به ويخطط له.
فهل لدينا رجال دولة ؟
هل لدينا قناصة ؟






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة