كلما مرت بنا الأيام تأكدت أننا ما زلنا نعيش فى فلك ما كنا نحلم فى أن نتحرر منه من عصور ولت وعهود مضت إلى غير رجعة .. فلقد حلمنا يوما فى أن نتوحد ونجتمع على كلمة سواء تزول معها الفروق الطبقية والاختلافات العرقية بعدما هدمنا نظام بائد .. إلا أننا سعينا بجد واجتهاد فى أن نحطم كل ما يجمعنا ويوحدنا واختلفنا كما لم نختلف من قبل وتشعبنا وتشيعنا وتشرذمنا .. حلمنا أن نكون يدا واحدة تبنى فإذا بنا أياد كثيرة تهدم وتقوض عمليات البناء .. اعتقدنا أننا هدمنا جل معاول الشر والفساد إلا أن أثار هذا النظام قد أصابت ضمائرنا ونفوسنا فأقامت نظم أعتى فسادا وأشد ظلاما تستعصى معها كل السبل لهدمها إلا إذا تولدت القناعة التامة والإيمان الكامل من صاحبها باعلان الثورة الداخلية فى نفوسنا وإعادة البناء النفسى الداخلى بشكل يتكامل ويتوازن مع إعادة البناء الخارجى ...
إن الشئ المؤكد أن الأحلام لا سبيل لتحقيقها بالشعارات الزائفة والكلمات الرنانة التى تستجيش القلوب وتستميل العواطف لكنها تتحقق بالسعى الدءوب والهمة العالية والقناعة التامة بتلك الأحلام التى تترجمها الأفعال واقعا حيا ملموسا ... وبداية ذلك كله هو هدم النظم العقيمة التى تمكنت من ضمائرنا واحتلت نفوسنا واعادة بنائها بصورة جديدة تتوافق مع ما ننادى به وتتطابق مع ما نرنوا إليه من تحرير وإصلاح لمنظومة الفساد التى أصبحنا نحن جزءا لا يتجزأ منها ..
ولم لا وقد عايشنا نظاما فاسدا كنا نمقته ونلفظه لكنه أثر بشكل أو بآخر فى طبائعنا وأسلوب حياتنا .. فلقد عشنا فى عصور ظلام وجهل أصابت عقول بعضنا بالعطب وسطحية التفكير وضبابية الرؤية وعقم الأحلام ولم يتركنا النظام البائد إلا وقد عشش الخوف فينا وأصابتنا الكآبة والإنهزامية التى لم تشفع لنا ثورتنا فى أن نتخلص منها .... ومع أننا تخلصنا من شخوص الزمن الغابر وتماثيله الا ان آثار ذلك الماضى البغيض تسكن جوانحنا وتأبى الرحيل لنكتشف بعدها أننا سجناء أحلامنا ونكتشف أيضا أننا بارعون فى الهدم أكثر من براعتنا فى البناء ...
يتملكنا الحنين إلى الماضى القديم كما نحن إلى أيام الطفولة البائسة ونتمنى الرجوع إليها فى ارتكاس وارتداد إلى زمن انتهى ومضى ربما بسبب الحنين إليه أو بسبب الخوف من المستقبل المجهول ورغم ما نبديه من كراهية وبغض لأيام وساعات الزمن الغابر الا ان ذكرياته باتت تسكننا وتعيدنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى ....
مازال مبدأنا فى العيش " اللى نعرفة أحسن من اللى منعرفوش " فى منطق يعكس الجبن وغياب شجاعة الإقدام ... مازلنا نعيش فى تلابيب الماضى السحيق نلعنه ولكننا نصر على السير فيه والحنين إليه لنستهلك مستقبلنا فى الارتداد إلى ماضينا لنعود إلى نقطة البدء مرة أخرى ونعتقد أننا نسير خطوة إلى الأمام بينما نحن نرجع خطوات إلى الوراء نسلى انفسنا ونواسيها بالأحاديث المعسولة والآمال العريضة لنكتشف بعد فوات الآوان أن الفرصة انتهت والأحلام ذبلت وشمس العمر تميل إلى الغروب ...
قد تحمل سطورى فى طياتها يأساً وقنوطاً يعكسه الواقع الاليم إلا أننا حينما نتمسك بتلابيب الرحمن وفيض القدير وعظمته يزداد الأمل وتتسع الأحلام وتعلو الهمم لتزول معها كل نظرة يأس وتتحول إلى طاقة أمل وبناء حقيقى لمصرنا الغالية التى نحلم أن نراها فى مكانة عالية، تماثل عظمة حضارتها وعراقة أمجادها لتنتهى حقبة الظلام التى تسكننا وتحرمنا من تحقيق آمالنا وأحلامنا المشروعة التى لن تذبل بإذن الله ولن تموت حتى لو ماتت أجسادنا.
شاكر رفعت بدوى يكتب: الثورة الداخلية فى ميدان النفس
الإثنين، 06 أغسطس 2012 04:22 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر صلاح إبراهيم
الحقيقه الغائبه
عدد الردود 0
بواسطة:
مــصــــر
اللهم وحد صفوفنا