> بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة تحدث العالم المصرى الرائد د. على مصطفى مشرفة عن إمكانية تحويل الطاقة الشمسية الوفيرة فى مصر إلى طاقة كهربائية، وكان رأيه أن الطاقة الشمسية فى المناطق المأهولة بالسكان فى مصرنا يمكن أن تولد طاقة كهربائية تعادل كل الطاقة المستعملة فى العالم «وقتها».
كانت مصر تعانى شحاً فى الطاقة الكهربائية ولم يكن السد العالى قد أقيم، وكان هناك طموح لإنشاء المزيد من المصانع والصناعات ولذا فكر العالم الجليل فى مشروع لتوفير الطاقة، والذى حدث أنه لم يتم الالتفات إلى مقترح د.مشرفة فقد كانت الحكومة مشغولة بالصراع على الكراسى والاستوزار، وكانت النخبة مشغولة بالقضية الوطنية.
> اليوم، نحن نواجه مثل هذا المأزق، لدينا نقص شديد فى الطاقة الكهربائية، الأمر الذى يدفع وزارة الكهرباء إلى أن تقوم بقطع الكهرباء عن مناطق القاهرة بالتبادل، مما أحال حياة المواطنين إلى جحيم حقيقى، ومن أسف أن المسؤولين بوزارة الكهرباء يتحدثون عن أن هناك ازدياد فى الاستهلاك بنسبة %20 هذا الصيف، وكأن الصيف يحل علينا للمرة الأولى فى التاريخ، أى مخطِّط يعرف أوقات الذروة والتى يرتفع فيها معدل الاستهلاك ويجب أن يكون متحسباً لها ولديه البدائل، فضلا عن ذلك لابد لكل ذى فهم ولو بسيطا أن يدرك حجم الاتساع فى المجتمعات العمرانية والسكنية وارتفاع درجة حرارة الصيف ومن ثم فإن الاستهلاك فى مجال الطاقة الكهربائية للاستعمال اليومى للمواطنين سوف يزداد، لاحظ أننا لا نتحدث عن الطاقة الكهربائية من أجل المصانع الكبرى، فقط للاستعمال المنزلى وأننا نتحدث عن القاهرة فقط، ولم نتحدث عن المدن الأخرى التى تنقطع فيها الكهرباء أياماً بطولها.
> وطلب السيد رئيس الجمهورية من الحكومة ضرورة التعجيل بإدخال محطتين جديدتين إلى الخدمة، وطبقا لما هو معلن فإن ذلك سوف يحدث خلال هذا الأسبوع، ونعرف أن هناك محطة يجرى العمل بها منذ سنة 2009 وأخرى منذ سنة 2010 وهنا يمكن أن تدخلا الخدمة هذا الأسبوع.. لكن هل هذا يكفى؟.
يمكن للمحطتين أن تواجها أزمة هذا الصيف، أى حل عاجل وآنىّ لمشكلة متفجرة، لكن الواضح أن الاستهلاك الكهربائى سوف يزداد فى السنوات القادمة، هذا واضح من حجم المنشآت العقارية التى تقام فى مختلف الأحياء، وكذلك حجم الازدياد فى استعمال الأجهزة الكهربائية من تكييفات وغيرها.. فماذا نحن فاعلون لمواجهة تلك الزيادة؟
> أعود مجددا إلى اقتراح د.مشرفة.. حرارة الشمس الملتهبة تزعجنا معظم شهور السنة، خاصة فى يوليو وأغسطس، وإذا كان ممكنا أن نستفيد منها ونحولها إلى نعمة فلابد أن نفعل، العلم الحديث يثبت ذلك، وأتصور أن لدينا مراكز علمية وعلماء كبارا يمكن أن يفيدونا فى ذلك، مشكلة الطاقة عندنا بحاجة إلى حل جذرى وعميق، ما يتبين الآن هو مجرد مسكنات، والسنوات القادمة سوف تكشفنا، تخيل معى لو أن مترو الأنفاق عمل بكل مراحله وأنه عمل بالمواصفات الدولية والإنسانية أى أن تكون عرباته ومحطاته مكيفة وليست أفرانا ملتهبة كما هو الآن، وتخيل لو أن كل شقق القاهرة، وبيوتها، فضلاً عن المدن الأخرى، صارت مكيفة والمفروض أن يحدث ذلك ليس لأسباب الثراء والرفاهية، ممكن لأسباب إنسانية محضة، فلا يصح أن تقترب حرارة الصيف عندنا من الخمسين درجة ونترك المواطنين بلا مساعدة حقيقية على مواجهة ذلك، الأمر يحتاج إلى ثورة فى مجال الطاقة الكهربائية، وليس مجرد إدخال محطة هنا وأخرى هناك.
الأمر هنا يتعلق بالعلماء المصريين، ودورهم فى ذلك، ولكن قبل العلماء يجب أن تكون هناك إرادة دولة تمتلك حسا ورؤية مستقبلية، وليس فقط الرؤية البيروقراطية المتخلفة، التى تقوم على قطع الكهرباء عدة ساعات عن كل حى بالتبادل، وتنسى أنه فى الظلام يمكن أن ترتكب الجرائم فضلا عن المعاناة العادية.
> والآن لدينا، ربما للمرة الأولى رئيس جمهورية قادم من الحقل العلمى والبحثى، وكذلك رئيس الحكومة، كل منهما أستاذ فى الهندسة، وتخصص كل منهما ليس بعيدا عن هذا المجال، أى أن الأمر لا يتعلق بمنصب كل منهما الرفيع، لكنه يقترب كذلك من تخصصه العلمى.. ولذا فإننا نعول عليهما كثيراً.
> أتمنى أن يلتقى السيد الرئيس بعلماء مصر ويطلب منهم البحث عن حلول جذرية لمشاكلنا الكبرى، وفى مقدمتها مشكلة الطاقة، يكفينا أزمات الكهرباء، والبوتاجاز، والبنزين، والسولار، تلك هى الأولوية الأولى.