«لو طبقت وزارة الصحة الإجراءات الوقائية لمكافحة العدوى ستغلق ثلاثة أرباع وحدات الغسيل الكلوى فى مصر سواء حكومية أو خاصة».. هذا ما توقعه دكتور محمد غنيم، رائد زراعة الكلى بالشرق الأوسط، ومؤسس معهد الكلى بالمنصورة فى حواره لـ«اليوم السابع»، حيث حمّل وزارة الصحة المسؤولية الأولى حول زيادة انتشار فيرس سى بين مرضى الفشل الكلوى، رافضا تحميل التمريض أو الأطباء المسؤولية وحدهم، فى ظل نقص الإمكانيات وتدنى الرواتب.
.. وفيما يلى نص الحوار:
> فى رأيك من المتهم الأولى فى نقل فيروس التهاب الكبد الوبائى «سى» بين مرضى الفشل الكلوى فى مصر؟
- فيروس التهاب الكبد الوبائى «سى» لم يكن معروفا أو موثقا حتى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ومن المعروف أن فيروس «C» و«B» لا ينتقلان إلا بالدم وليس بالطرق المعتادة، مثل الرشح أو تلوث الطعام على سبيل المثال وغير ذلك، وكان فى مصر وقتها عوامل تجعل من انتشاره أمرا حتميا، وهى أولا علاج دودة البلهارسيا الذى ظل لفترة طويلة منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات يتم عن طريق حقن الترتير التى تُحقن فى الوريد، وكان تعقيم تلك الحقن يتم بشكل سطحى، لذا كان من السهل انتقال الفيروس بسبب تلك الطريقة، إضافة إلى عمليات ختان الأطفال بآلات غير معقمة، إلى جانب أطباء الأسنان والحلاقين وهذا كله ما جعل الفيروس ينتشر فى مصر، فى الوقت الذى لم يكن معروفا عن علاجه أى شىء.
> ولكن ما أسباب انتشاره حديثا؟
- حديثا، هناك عوامل إضافية حتى لو انتهى العلاج بالترتير، لكن مازال هناك حلاقون فى الأرياف مستمرين فى عملهم وعمليات الختان، وتجميل الأظافر، وإدمان المخدرات، إلى جانب بعض أنماط العلاج، وأهمها الغسيل الكلوى، لأن مرضى الفشل الكلوى يتطلب علاجهم استخدام جهاز الكلى الصناعية للترشيح الدموى، وهذا يستدعى استخدام حقن وإبر وإيصالها بمرشح معين يجب التخلص منها، واستخدام بدائل جديدة حتى لا تنتشر العدوى بين المرضى، ولكن من المعروف أن كل خدمة جيدة من الطبيعى أن يكون لها ثمن، واستخدام أداوت جديدة فى كل مرة بالتأكيد سيكون شيئا مكلفا، لذا هناك بعض الناس التى «تسترخص» وتعيد استخدام الأدوات مرة أخرى، وإلى جانب الأدوات سابقة الذكر فإن ماكينة الغسيل الكلوى تكون بحاجة لدورة التعقيم التى تستغرق حوالى أربعين دقيقة، وفى رأيى فإن الماكينات التى توفرها وزارة الصحة جيدة إلى حد كبير، ولا يوجد بها مشاكل، ولكن المشكلة فى المرشح والأنابيب والإبر.
> طوال التحقيق الذى أجريناه تكرر كثيرا على لسان المرضى والأطباء أن أمر الانتشار يتعلق أولا وأخيرا بطاقم التمريض.. فما تعليقك؟
- فيما يخص الطب العلاجى بمصر نقول دائما إن الأطباء جيدون إلى حد كبير، ولكن المشاكل التى تواجهنا تتعلق بالتمريض، وهذا غير صحيح، لأنه بمنتهى البساطة إذا قامت إدارة أى مستشفى عام أو خاص بتوفير الأدوات اللازمة من مرشحات وفلاتر وإبر، بالتأكيد سيتم تغييرها من مريض لآخر، ولكن المشكلة الحقيقية من وجهة نظرى هى أن هناك كثيرا من الإجراءات فى عملية الغسيل الكلوى تُجرى فيما يعرف باسم وحدات «بير السلم».
> فترة ظهور الفيروس فى عينات الدم تستغرق ثلاثة أشهر.. وهذا يعنى أنه من الممكن نقل دم ملوث إلى أى مريض خلال تلك الفترة، فكيف يمكن تفادى ذلك؟
- هذا جانب آخر قد يكون مسببا لانتشار الفيروس، فالتعامل مع أكياس الدم سواء فى حالة التبرع أو النقل لابد أن يكون له ضوابط، ولكن الخطأ الذى يحدث هو أن كثيرا من المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة والعامة تعتمد على ما يسمى بالمتبرعين المحترفين القائم على التبرع بالدم من أجل الحصول على المال بسبب الفقر أو الإدمان وغير ذلك، وجائز فى هذه الحالة أن يكون هذا المتبرع هو مصدر لنقل فيروس سى إلى الدم من شخص لآخر، ويمكن التغلب على تلك المشكلة «المتبرع المحترف» من خلال استخدام ما يعرف بالآليات العلمية، وهى آليات الجودة، بمعنى أن أى متبرع تجرى له عملية فحص شامل قبل عملية التبرع للتعرف على إذا ما كان مصابا بأى فيروسات، وبناء عليه سيتم منعه من التبرع للمريض، وأيضا من خلال توسيع دائرة التبرع الإنسانى التلقائى، وهنا فى مركز المنصورة للكلى نتبع طريقة بها نوع من القبلية أو الشدة، وهى أننا نخبر المرضى قبل دخولهم فى مرحلة العلاج التى تستلزم نقل دم أن يحضروا معهم أقاربهم أو معارفهم ليتبرعوا لهم، وذلك بعد إجراء التحاليل اللازمة لهم، وهذا يكون شرطنا الأساسى مقابل تقديم علاج مجانى، وهذه طريقة يمكن التعامل بها فى المراكز والمستشفيات الحكومية.
> لماذا تزداد معدلات انتشار الفيروس بين المرضى فى مصر مقارنة بدول العالم؟ وكيف يمكن الحد من ذلك؟
- هناك عوامل أخرى بيئية ووراثية، فنجد مثلا أن انتشار الفيروس يزداد فى الدول الحارة أكثر من الدول ذات الطقس البارد، والحد من الانتشار يكون من خلال اتباع الإرشادات الوقائية، ويمكن القول بأن هناك نوعين من المسؤولية للحد من انتشار الفيروس، الأولى وقائية وهى الإعلان عن أسباب انتشاره وتوعية المرضى لتجنب العوامل السابقة التى ذكرناها، أما المسألة الثانية فهى علاجية، بمعنى أنه إذا اكتشف المرض فلابد أن توفر الدولة العلاج اللازم، بعيدا عن «الحبة الصفراء وحبة البركة»، وتلك القصص غير الموضوعية، خاصة أنه أصبح هناك علاج معروف، وهو حقن الإنترفيرون التى تؤخذ ثلاث مرات أسبوعيا وتستغرق مدة العلاج بها 6 أشهر، وهو علاج مكلف للغاية.
> وجدنا بعض الحالات تقوم بالتنقل بين أكثر من وحدة لإجراء عملية الغسيل فهل هذا يساعد فى انتشار الفيروس؟
- هناك مشكلة فى علاج الفشل الكلوى الذى يقتصر على نوعين فقط، إما بالغسيل أو بزراعة كلى جديدة، وفى الحالة الأولى يجب ألا ينتقل المريض مسافات طويلة من منزله للوحدة التى يجرى فيها عملية الغسيل.
> وهل توزيع المراكز الطبية كاف مقارنة بعدد المرضى؟
- بالطبع عدد وحدات الغسيل بحاجة للزيادة، ولكن مع تحقيق الكفاءة بمعنى أن أى مريض فشل كلوى تحتاج عملية الغسيل الخاصة به 4 ساعات ثلاث مرات أسبوعيا إلى جانب ساعة لتعقيم الماكينة قبل وبعد كل مريض، نجد أن العملية تستغرق 6 ساعات، وبشكل عام يمكن زيادة الكفاءة الرأسية، ولكن مع تحقيق الكفاءة، وهنا فى المركز نحن نقوم بثلاثة شيفتات لطاقم التمريض والأطباء ونطبق العزل فى الأجهزة فقط بين المرضى المصابين وغير المصابين بفيروس «سى» ونقدم لهم العلاج.
نحن نقوم بعمل 3 شيفتات ونعزل فى الأجهزة فقط بين المرضى المصابين وغير المصابين بفيروس سى، ونقدم لهم العلاج المطلوب، وبالفعل يستجيب غالبيتهم، وبشكل عام عدد الأطباء المشرفين على الوحدات تخصص الكلى ليس كثيرا، ولكن بالتأكيد أن تدريبهم ليس بالأمر الصعب، وهناك نقطة أخرى أريد الإشارة إليها وهى أن مرتبات الأطباء وطاقم التمريض ضعيفة للغاية، وبالتالى تركيزهم فى أداء مهمتهم محدود لأسباب غير خافية، فلا يعقل أن خريج الطب جامعة القاهرة على سبيل المثال أكلفه بالعمل فى وحدة بإحدى المناطق الريفية مقابل 450 جنيها فهذه مشكلة.
> وهل يشترط عزل المريض المصاب عن غير المصاب؟
- لا يشترط العزل فى وحدات خاصة، فإذا اتخذنا كل الاشتراطات اللازمة فلن يحدث انتشار للعدوى لأنه بمنتهى البساطة الدم لا يتطاير من المريض إلى ملابس الممرضة مثلا هكذا فى الهواء، وهناك قواعد يجب تطبيقها أولا من حيث التمريض، لأنه أولا وأخيرا يجب أن ترتدى الممرضة فى حالة تعاملها مع كل الحالات المصابة وغير المصابة غطاء الفم «الماسك» والقفازات وتقوم بالتخلص من الأدوات المستخدمة، لأن مناعة مريض الفشل الكلوى تكون ضعيفة للغاية وتجعله معرض للعدوى من أى شىء حوله.
موضوعات متعلقة:
فيروس «C» يصيب مرضى الفشل الكلوى تحت بند «خطأ وارد».. المصابون يجهلون حقوقهم القانونية ويستسلمون للأمر الواقع... وقانون الأطباء يتغاضى عن محاسبتهم
الحلقة الثانية من التحقيق..
د.محمد غنيم تعليقا على تحقيق «اليوم السابع»: «الصحة» المسؤول الأول عن ظهور وحدات غسيل كلوى.. «تحت بير السلم».. ولا تحمّلوا الأطباء المسؤولية.. وحدات الغسيل الكلوى «بتسترخص» لأن الخدمة الجيدة مكلفة
الأحد، 05 أغسطس 2012 11:56 ص