للسنة السادسة.. مصر بدون طعم.. مصر بدون نجيب محفوظ

الخميس، 30 أغسطس 2012 12:34 م
للسنة السادسة.. مصر بدون طعم.. مصر بدون نجيب محفوظ نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنت بالطبع لست فى حاجة إلى أن يأتى 11 ديسمبر يوم الميلاد أو 30 أغسطس يوم الوفاة لكى تتذكر أن لمصر حكاء وطبيبا مداويا نجح منفردا فى أن يضع يده على أماكن الجرح ومكامن القوة لهذا الوطن وضمنها داخل رواياته مرفقة بشرح وتشريح واف وكامل لطبيعة الشخصية المصرية وأنماطها المختلفة.

نجيب محفوظ «عظيم مصر» وواصف حالها ليس فى حاجة إلى نتائج الحائط أو إلى باب حدث فى مثل هذا اليوم لكى تتذكره، نجيب محفوظ الذى نعيش اليوم ذكرى وفاته السادسة ترك ما هو أعمق وأكثر انتشارا وتأثيرا من ذكرى تحددها شهادة وفاة رسمية.
وحده نجيب محفوظ هو الذى استطاع أن يهزم شاشة السينما.. استطاع بالورقة والقلم أن يرسم صورة، ويقدم مشاهد من زوايا مختلفة تفوقت على تلك المشاهد التى صنعها المخرجون بكاميراتهم لروايته، كل شخصية من شخصيات رواياته كانت تنبض بالحياة على الورق قبل أن يسعوا لإعادة بعثها على شاشة السينما مرة أخرى.. كل بطل وكل حارة وكل حدوتة وكل قصة حب فاشلة وكل نهاية سعيدة كنا نشاهدها على ورق روايات نجيب محفوظ دون الحاجة إلى مخرج وكاميرات وممثلين ودار عرض، كل رواية محفوظية كانت كذلك.. دار عرض ورقية يشاهد بداخلها الجمهور أروع فنون التعبير والتمثيل.

فى عالم نجيب محفوظ لكل شىء طعم مختلف، ومعنى آخر غير الذى تدركه العقول فى الوهلة الأولى، فى عالم نجيب محفوظ نشاهد أنفسنا وخطايانا وأحلامنا وهى تسير أمامنا بجوار خطوط حواديته الدرامية، فنطلق تلك التنهيدة المعتادة، إما تحسرا أو فرحا بذكرى ما، كنا نسعى خلف استعادتها.. كل شىء فى عالم أستاذ الرواية كان يدهشنا رغم أنه جزء منا، وكان يدفعنا لإعلاء قيمة الإنسانية حتى لو لم نكن نفعل ذلك على أرض الواقع.

نعم نجيب محفوظ كان جراحا إنسانيا بالغ المهارة ومؤرخا لتقاليد وأخلاق هذا المجتمع ومحافظا عليها، سواء شاء بعض الإخوة المتطرفين الذين يرونه فاجرا ومروجا للدعارة أم لا؟ نجيب محفوظ سيبقى أبقى منهم جميعا وأكثر دعما للإنسانية بما أنتجه من أدب مختلف الأشكال، ركز مع المقاطع التالية التى تلاها محفوظ على لسان الشيخ عبدربه التائه، وسطرها من أحلام فترة النقاهة، وستستخلص بنفسك روعة دستورها الإنسانى الذى يعرف جيدا قيمة المعنى، وكيفية خلقه، حتى أنه قال فى «السكرية»: «إذا لم يكن للحياة معنى، فلم لا نخلق لها معنى، ربما كان من الخطأ أن نبحث فى هذه الدنيا عن معنى، بينما مهمتنا الأولى أن نخلق هذا المعنى».

- هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد، وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء، وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقا لمعرفة المسؤول عما حاق بنا، ولكنى أحبطت عندما دار الحديث بين القاضى والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضى فى جلسته استعدادا لإعلان الحكم باللغة العربية فاسترددت للأمام، ولكن القاضى أشار إلىّ أنا، ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبها إياه بأننى خارج القضية، وأننى جئت بمحض اختيارى لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخى.

- انتصر العدو واشترط لوقف القتال أن يتسلم تمثال النهضة الذهبى المحفوظ فى الخزانة التاريخية، وذهبت مع فريق لنحضر مفتاح الخزانة المحفوظ بالصندوق الأمين، ولما كشفنا غطاء الصندوق تبدى لنا ثعبان مخيف ينذر بالموت كل من يدنو، فتفرقنا وأنا أدارى فرحتى وأدعو للثعبان بالسلامة والتوفيق فى حفظ المفتاح.

- قال الشيخ عبدربه التائه: لا يوجد أغبى من المؤمن الغبى، إلا الكافر الغبى.

- سألت الشيخ عبدربه: ما علامة الكفر؟ فأجاب دون تردد: الضجر.

- سألت الشيخ عبدربه التائه: كيف تنتهى المحنة التى نعانيها؟ فأجاب: إن خرجنا سالمين فهى الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل.

- الشيخ عبدربه التائه قال: عثر يوما على حقيبة تحوى كنزا من المال وفيها ما يدل على شخص صاحبها وعنوانه، وكان من المنحرفين الذين ابتليت بهم البلاد، فقررت ألا أردها إليه، وأودعتها سرا بدروم رجل فقير من أصحابنا عرف بالتقوى، وأنا لا أشك فى أنه سينفقها فى سبيل الله، ثم علمت أنه ردها إلى صاحبها، متنازلا عن حقه الشرعى فيها، فحزنت وأسفت.

ثم توفى صاحبنا التقى الفقير، فهرعت إليه، وغسلته وكفنته، وحملته إلى الجامع، وصليت عليه، ولما انتهت الصلاة، لمحت بين المصلين خلف نعشه الرجل الغنى المنحرف، وهو يبكى بحرارة، واهتز فؤادى وقلت: «سبحانك يا مالك الملك، تعلم ما لا نعلم، وربما جاءت الصحوة بإذنك من حيث لا يدرى أحد».

- قلت للشيخ عبدربه التائه: سمعت قوما يأخذون عليك حبك الشديد للدنيا.
فقال: حب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل، وعلامة من علامات الصبر.
- قال الشيخ عبدربه التائه: من خسر إيمانه خسر الحياة والموت.




موضوعات متعلقة:


"جمال الغيطانى": وكأن "نجيب محفوظ" منفى

"نجيب محفوظ"..الحكيم المحب لـ"دنيا الله" والمتهم بالزندقة والإلحاد





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة