حفلت صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات منذ تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة د. قنديل، بأخبار وصور رئيس الوزراء، وهو يقوم بجولات ميدانية وزيارات مفاجئة، يوميا وفى أوقات مختلفة على مدار الأربع والعشرين ساعة، بمفرده وليس معه إلا العدد القليل جدا من الحرس الشخصيين الملاصقين له، لموقع جماهيرى أو مرفق عام أو حتى قسم شرطة، وقد استحسن البعض هذا الأسلوب فى العمل، الذى يدل بحق على النشاط الزائد ومحاولة معايشة الجماهير على الواقع والتلاحم معهم، والإحساس بمشاكلهم ومدى معاناتهم اليومية، وليس بالاعتماد على تقارير مرؤوسيه.
إلا أن البعض الآخر له فى ذلك رأى آخر، حيث يراه جهدا فى غير موضعه، وإهدارا لوقت ثمين يجب أن يبذل أو يخصص لأشياء أخطر تفيد كل المصريين وليس لمجرد ركاب المترو أو من يشترون من الأسواق، التى زارها هو.. فرئيس الوزراء لديه مسئوليات أهم وأخطر من مجرد التجول بالأسواق وركوب المترو كل يوم، وكان يمكنه أن يعرف ما يريد معرفته من خلال هذه الجولات بطرق عدة، فليس من المعقول لرئيس الوزراء أن يفعل كل شىء بنفسه، فتحت يده أكثر من سبعة ملايين موظف رسمى ليس جميعهم على غير مستوى المسئولية.
إن هذه الجولات على أكثرها يقوم بها الوزير المختص، وزير التموين أو المواصلات أو الداخلية أو حتى محافظ القاهرة مثلا، أما أن يتركز عمل رئيس الوزراء عليها، فإن ذلك إنما يدل على أنه يفتقد للرؤية السياسية الشاملة، وغير مدرك لواجبات ومسئوليات وظيفته الخطيرة، وفى هذا الوقت بالذات، لذا فإن لديه وقت فراغ طويل لا يدرى كيف يملؤه، أو أنه يبحث ويركز على الشو الإعلامى فقط دون السعى لتحقيق نتائج حقيقية تحسن أحوال المواطنين، فهو مصرى وكان يعيش فى مصر ولم يأت من كوكب آخر أو حتى دولة أجنبية قبل أن يصبح رئيساً للوزارة بها، فالمؤكد أن عاش مشاكلها واستعمل مواصلاتها، واشترى من أسواقها، فليس عليه أبدًا أن يعيد اكتشاف العجلة من جديد، فقد باتت حقيقة مسلم بها.
ومن دلائل عبثية جولات رئيس الوزراء الميدانية، تلك أنها تتم فى الأغلب فى غيبة الوزير المختص أو المسئول عن الموقع، حيث لا يصحبه معه فى زيارة الموقع أو المكان، بدعوى المحافظة على سريتها وواقعيتها، فمن الذى سينقل له إذن توجيهاته القورية بالوسيلة، التى سيتم بها معالجة الخلل أو القصور، الذى سيكتشفه أو يقف عليه سياته؟، ومن الذى سيقوم بشرح وتبرير ما قد يراه رئيس الوزراء قصوراً فى العمل، وهو فى حقيقته ليس قصوراً، ومن الذى سيتولى الرد على شكاوى المواطنين أو الموظفين فى الموقع، الذى يتم زيارته الميدانية؟ لذلك فلا عجب ألا تأتى تلك الزيارات المفاجئة أو الجولات الميدانية بأى نتائج حقيقية أو ملموسة يستشعرها أو يحسها المواطن العادى، ناهيك عن المساهمة فى إحداث التنمية الشاملة للدولة والقضاء على معوقات العمل والتخفيف من معاناة الجماهير..
د. محمود وهيب السيد يكتب: يا رئيس الوزراء.. لماذا!
الخميس، 30 أغسطس 2012 01:26 م