محمد ثروت العيسوى يكتب: سيجارة تعارف

الجمعة، 03 أغسطس 2012 11:26 م
محمد ثروت العيسوى يكتب: سيجارة تعارف صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السيجارة لم تكن مجرد أداة للتدخين، ولكن تحمل من المعانى الكثير خاصة عند المصريين، فهى سر التقارب بين المصريين، تبدأ عندما أعود من بلدتى وأركب العربة مسافرا لمكان عملى.

السائق ونحن بجانبه، الراكب الأول يعزم عليا وعلى الثانى "السائق" بسيجارة، ومن هنا تبدأ القصة، فالسيجارة ليست فقط موقف من مواقف المصريين وليست أيضا وسيلة لتخفيف الطريق ولكن هى لغة لبدأ التعارف.

يعطى الرجل الأول السيجارة والتى تعنى أنه يريد أن يبدأ بالحديث حتى لا يشعر بالطريق، فإذا قبلت السيجارة قبلت أن البدء له، وإذا رفضت السيجارة مبررا عدم التدخين من هنا يجب عليك أن تمهد أنت للحديث، وإن لم يقم أحد الركاب ببدء الكلام، يبدأ السائق بإلقاء كلمة بصوت عالى تحمل سبا لمن يمر بالشارع بالطريق عندما يمر من أمام العربة وهى تسير، أو خطأ سائق آخر، ثم ينظر إلى من جانبه حتى يبدأ الركاب مشاركة بعضهم البعض بالحديث، ومن هنا يبدأ الحديث بأى طريقة من الطرق الثلاثة.

وفى سفرى الأخير أثناء عودتى بدأنا بالطريقة الأولى عزومة السيجارة، وبعد ذلك بدأ الأول بالحديث عن صعوبة المواصلات والمرور فى مصر، قائلا: "أصبحت الحياة أصعب ما يكون، ويل لمن يريد الذهاب لمكان ما صباح كان أم مساء، الحياة أصبحت مختلفة تماما، ليست وردية أو معطرة، بل أصبحت فى المواصلات وكأنى أجلس بجانب الشوك ومعى خليط من الروائح المختلفة من .....

وبعد انتهاء اليوم من المرحلتين الأولى " العمل ومشاكله" والثانية " المواصلات وصعوباتها"، أصبح لك أن ترمى فى أحضان مشاكل الثالثة، حيث الزوجة الهادئة صاحبة الصوت المنخفض والأطفال الملائكة والبيت الهادئ قليل الطلبات، فعندما أدخل المنزل أجد سيدة أكبر منى حجما فى استقبالى "أم العيال بقى"، تستقبلنى بشكوى من مصائب الأطفال والجديد من الأخبار التافهة التى ليست لها معنى سوء إزعاج الزوج، ومن هنا هروبى منها إما إلى أطفالى الهادئين أو إلى النوم، وفى كلتا الأحوال لم تتركنى، فعندما اجلس مع أطفالى تلحقنى دائما "أفضل دلعهم ياخويا لحد ما يتفسد أخلاقهم" وفى الحالة الثانية عندما اهرب إلى النوم لم تترك عينى تغفل.

"جارتنا جابت ... وانا كمان عايزة زيها" وردد السائق هذه الكلمة قائلا: دائما ما تردد زوجتى هذه الكلمة بعد الطعام عندما تبدأ حلقة الرومانسية بيننا، فتبدأ الرومانسية عندها بأن تحكى لى أخبار الجيران والجديد عندهم، بل وتطلب مثلهم حتى إن كان غير مستطاع .

سرعان ما عاد الراكب الأول بالحديث مرة أخرى قائلا: يا على حلقة الرومانسية وجمال حلقة الرومانسية، أنا أول ما أفعله بعد الانتهاء من حلقة الرومانسية اليومية أفكر بالذهاب بلا عودة، ولكنى لم أجد مكان مريح سوء القهوة مع أصدقاء، رغم أننى أدرك جيدا أنهم ليس بأصدقاء، لكن كلا منهم مجرد رفيق لمشاكل اليوم المعروفة والمذكورة آنفا، ورغم أننى لم أثق بمن معى على القهوة، إلا دائما استمتع معهم بالجلوس، ربما لم يكن استمتاعى من القلب إلا أنه مجرد ضحكة يمر بها الوقت".

واستكمل حديثه قائلا: كثيرا ما جلست أفكر فى الحالة التى أمر بها والتى يمر بها غيرى وجدت أن السبب فى الذهاب إلى القهوة يوميا هو تواجدى مع رجال مثلى يشعرون بما أشعر به، ولديهم مشاكل تشابه ظروفى وعندما يتحدث أحد عن مشاكله أشعر وكانه يتحدث عنى، لا أعرف أى سبب جعلنى أنا وزوجتى فى هذا الوضع، ربما يكون السبب بالنسبة لى المشاكل اليومية الكثيرة والضغط الكبير الذى أجده بالعمل وأيضا ذهابى للقهوة مستمعا لحديث من الإحباط، وربما يكون السبب فى ذلك هى زوجتى وسماعها لباقى السيدات التى تريد أن تفعل مثلهم، وعدم إدراكها لما يمر به الزوج من مشاكل يومية وإرهاق سواء من العمل أو المواصلات، وانتظاره أن يدخل من الباب حتى تقول له كل ما حدث سواء داخل بيته أو داخل بيت الجيران.

ربما لو فكر جميع الرجال فى هذه الظاهرة لكان السبب واحدا وأيضا سيكون واحدا بالنسبة للنساء، ولكن مهما وصلت إلى حلول لم نتغير ولم تنته هذه الظاهرة، لأن كلا من الجنسين أعلن استقلاله فى فلك خاص وأغلق على نفسه هذا الفلك ولم يعط للآخر فرصة التحدث، كلا من الجنسين يعتقد أن فكره هو الصحيح ولا يريد أن يستمع للآخر.

فى النهاية لم أكن بحاجة للسفر لأن عملى بالقاهرة، ولم أكن مدخن ولم أكن متزوج أيضا، ولكن هذا ما رأيته فى المصريين وهذا ما يجعلنى أخشى فكرة الزواج خائفا من هذه المشاكل التى جمعت بين المصريين الذكور منهم والإناث، ولكن بعد كتابة هذه السطور سأعتبر هذه ظاهرة فرضت على المواطنين نتيجة للبيروقراطية والجمود الذى وضع فيه المواطن، ومن هنا أحاول تلاشى هذه الظاهرة، لأن الله تعالى قال فى كتابه العزيز "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً"، لذلك نحن لا نحتاج لبرشام السعادة ولكن نحتاج لفهم معنى السعادة.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

تفرق فى ايه

قليل لما تلاقى حد بيحس بالحاجات دى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة